مسرحية في الحجرة_ الفصل الأول(1)/ حازم كمال الدين

 

قبل دخول الجمهور:

بوابة محصّنة. حراسة وتفتيش مشدّدان ينبغي أن يجتازهما الجمهور فرادى. رجال مخابرات مدنيون بنظارات معتمة. كاميرات مراقبة علنية وخفيّة. بعد اجتياز البوابة ممر طويل يوصل الجمهور إلى دهاليز يجتازونها حتى يجدوا أنفسهم في غرفة نوم!

المكان:

غرفة نوم تتسع للجمهور وللعرض في آن واحد! وهي غرفة تناقض أفكارنا عن غرف النوم، أثاثها أوربي فاخر لكنه مكتظ بطريقة توحي بأن مصمّم الغرفة كان مهموما باستعراض ثراء الأثاث: واضح أن المصمم لا يفهم شيئا في الذوق الأوربي.

تتكوّن الغرفة من أبواب بعضها مثبّت بالسقف وبعضها ملقاة على الأرض، ومن خزانة ملابس عملاقة أبوابها كثيرة لكنها تتحرك على عجلات بخفة لا تناسب حجمها. وكذلك تتكون من سرير شبيه بحلبة مصارعة، ومنصّة بيضوية يتوسطها عمود رقص إباحي stripper، وبار يعج بالمشروبات والمأكولات الباذخة.. إلى جانب كل ذلك نرى هناك محراب صلاة وتلفزيونات وشاشات عرض بأحجام مختلفة باتجاهات لا منطقية نرى من خلالها المشاهدين وأشياء أخرى.
….

الجمهور في حيرة.. أين يجلس؟ أو.. أين يقف؟

الزمان:

الآن.

المشهد الأول

(امرأة بملابس فاخرة يعلوها وشاح رخيص مطرّز بوردة كبيرة. تتأمل المكان. تقترب من باب خزانة. تتهيّب فتحها. ترتل أو تغني مثل الـ rap music)

المرأة:

المرة الأولى التي ستهبّ فيها تلك الفضيحة ستكون أيام “بركان الوغـ….”

لا.. ستكون أيام “زئير الصحـ….”.  

لا، بل في أيام هدير الـ…. زوبعة الـ…. عاصفة الجلـ…. 

المهم: ما هي الفضيحة؟

….

اسمها “مثوى الـ… مثوى البراعم!”

فضيحةٌ اسمها مثوى البراعم؟

يبدو الاسم منسجما مع أحداث ذات شاعرية نوعا ما.

زئير الـ…. وسعير الـ…. وقرقعة الـ…. أسماء ذات جعجعة.

مثوى البراعم شاعري يوحي بزهور وشتلات رغم أنّه اسم مقبرة تستقبل توابيت قادمة من مستشفيات الولادة!

على الرغم من إغلاق مثوى البراعم بإحكام فهناك من ستقتحمه، من ستمرّغ بوابته بالــ.. بالـ.. بالحقيقة.. وتلك التي ستجرؤ على اقتحامه هي تلك السيدة!!

….

إبان حرب زئير الصحراء وضعت تلك السيدة صبيّا أخذوه لفحص طبي وعادوا إليها بلا صبي:

–        لقد فارق الحياة!

قالوا.. وبدلا عن احتضان وليدها سلّموها ورقة موقّعة من طبيب شرعي.. شهادة وفاة:

–        الوفاة المفاجئة سببها تأثيرات السلاح الكيمياوي!

قيل لها.

رمتْ السيدة شهادة الوفاة بعيدا، وهرعت خلف من جاءتها بالخبر.. لكن أخريات أوقفنها عنوة:

–        تقول التعاليم إن ابنك سيُدفن في مثوى البراعم.

قلن لها، وكان ذلك يعني منعها من حضور مراسيم دفن ابنها عكس ما سيحصل مع زوجها الذي سيصطحبونه إلى المقبرة.

(لأحد المشاهدين)

ثمة شيء غير مفهوم فيما أقول أليس كذلك؟

لماذا تُمنع أُمّ من حضور مراسيم دفن ابنها ويُسمح لزوجها بذلك؟

(لمشاهد آخر)

لا. ليس التزاما بالتقاليد الإسلامية!

نظام الدولة قومي علماني!

….

السبب هو أن الأب يحتلّ موقعا في الدولة يتيح له ما لا يُتاح لغيره.

….

بعد سنين تورّط الأب المتنفّذ بموضوع خطير واختفت أخباره.

(لمشاهد آخر)

تظن أنّه قُتل كما هي عادات ذاك الزمن؟

😬!

لا..

هرب من البلد وأعلن نفسه معارضا سياسيا.

انتقاما من إعلانه معارضة النظام تسرّب لزوجته “تلك السيّدة” خبر يقول إنّ ابنها لم يمت بعد الولادة:

–        لم يمت؟!

شهقتْ بوجه ناقلة الخبر الذي فجّر فيها بركان الأمومة:

–        ابني حي يرزق؟!

خوفا مما يُطلق عليه “بطش النظام السابق” أطبقتْ السيدة حالا على بركان الأمومة بفكّيها.

عشرون سنة وهي تطبق على البركان الذي انفجر حال عودة زوجها رفقة القوات التي احتلّت البلد.

وعلى الرغم من تعيين زوجها عضوا في البرلمان، إلا أنّه ظلّ يتهرّب من حمم بركانها:

–        جاوبني! هل ابننا “مهدي” حيّ فعلا؟ ميّت فعلا؟

تهرّبه المريب من الإجابة دفعها لتأسيس “منظمة مجتمع مدني”:

–        سأحطّم بوابة المقبرة.

كان ذلك شعار منظمة المجتمع المدني.

(تهيم بين الأبواب الكثيرة)

ستنجح السيدة في استصدار حكم قضائي بتطبيق شعار المنظمة “سأحطّم بوابة المقبرة.”

وبعد ساعات من صدور الحكم ستقتحم مثوى البراعم رفقة حشد من الثكالى.

ستنبش قبرا مكتوبا على شاهدته اسم ابنها: مهدي الكندي…

(إلى أحد المشاهدين)

هل تتوقع ما سترى تلك السيدة؟

لا.. لن تخرّ على ركبتيها وتنخرط بالعويل!

لن تأخذ رفاة ابنها وتعانقه..

لا.

ستصرخ بالثكالى اللواتي اقتحمن المقبرة معها:

–        لا شيء في قبر ابني! هل ثمة رفاة في قبور أبنائكن؟

ستصرخ الأمهات اللواتي نبشن قبورا عليها أسماء أبناءهنّ بفوضى عارمة:

–        لا شيء داخل قبر ابني.

–        لقد نبشتُ حتى ما تحت اللحد!

–        ابني غير موجود!

….

تلك المقبرة لم تكن في الحقيقة مقبرة!

تلك الوفّيات لم تكن في الواقع وفيّات!

المقبرة كانت تمويها على عمليات اختطاف أطفال يتمّ تصديرهم إلى معسكرات صحراوية فيها مصاطب دراسة ومحاريب صلاة وبلطات قطع رؤوس.

أطفال سيظهرون بعد عقدين ويشقون طرقا مرسومة لهم سلفا في المجتمع.

ستصيب تلك السيدة ما تشبه اللوثة:

–        لقد اختطفوا ابني في المهد! نعم، إنّه حيّ.. في مكان ما! هل حوّلوه إلى رجل مخابرات؟ هل خلقوا منه قاتلا مأجورا؟ هل هو أحد مرافقي زوجي ولا يعلم أنّي أمّه؟

(أصوات سيارة إسعاف بعيدة)

ستهاجم تلك السيدة زوجها، لكنه سيراوغ.. سيقسم أنّه سجّى ابنه بنفسه في اللحد ويتمتم:

–        سرقة جثث الأطفال ليست عادة غريبة في العراق.

تلك السيدة المزهوة بسعادة أمّ لم تعثر على شيء داخل قبر ابنها سيتم اختطافها من عقر الدار.. وستظهر بعد شهور هائمة في بغداد: كائنةً من ربع عقل، ومن جسدٍ لا يشبه إلا عصفا مأكولا.
….

لقد أمر زوجها مستشاره بدسّ السمّ لها في الطعام، بحشرها في صندوق سيارة، بإلقائها في مزبلة.. لكن المستشار سيرتكب خطأ ينقذها من الموت: لن يضع لها الكمية الكافية من السمّ في الطعام!
….

ستهيم السيدة في شوارع بغداد فمها محشو باسم ابنها، سوف تتشبّث بأيّ فتى تسمع أحدا يناديه “مهدي”!

–        أنت ابني!

بعد انتشار قصّة اختطاف ابنها في المهد وانتشار صورتها في مواقع التواصل سيعثرون عليها قتيلة!

لا.. القاتل ليس زوجها.. ولا مستشاره!

زوجها لديه من ينفّذ هكذا مهمّات.

….

اسم تلك السيدة: عفراء الجبوري.

اسم زوجها عضو البرلمان….

(نرى حمّاما فاخرا فيه بانيو ضخم)

 

                                                   (يتبع)

 

المصدر: المدونة الشخصية للكاتب حازم كمال الدين 

 

تعليق واحد

  1. نص قوي مباشر يناوش القاريء محفّزا أن تابِع ..تابِع ..حر] بهذا النص أن يرى النور والجمهور من على منصّة