وهن/ محمد حسن علوان

 


أقم وَهَني،

لا بُليتَ بوهنٍ كهذا أخي!،
لا أتتكَ على غَبَشِ النوم نائحةٌ تكسِرُ الحلقَ،
أو فَجَعٌ قادمٌ من.. بعيدْ!
لا رعيتَ من العشبِ ما يُبْهِقُ الأمنياتِ العديدة في ظهرِ كفكَ،
لا نِمْتَ، والوطنُ القرمطيُّ يمجّك في لعناتِ العراءِ كماءٍ قديمٍ،
ولا سِرتَ يوماً تريد الخلاصَ من السهدِ فاقتَحَمَتْ دربكَ المستمرَّ جيوشٌ من اللافتاتِ الخطأ !
و.. لا التَقَطَتْ، في الظلام، أصابعُكَ المنجَلَ اللولبيَّ.. كهاتفْ!
أبوءُ إليكَ بذنبِ البكاءِ على الأرضِ،
بالهذيانِ الذي شلَّ وجهَ الصباحِ،
وأعتذرُ الآن عن كلِّ ما حطَّمتْهُ يدي في المكانِ،
وما قلتُ من كلماتٍ بذيئة!
كان هذا الرنينُ الذي مزَّق الروحَ.. محضُ خطيئة!
كان هذا الطريقُ الذي قَطَعته الرياحُ الحزينةُ من أولِ الأرضِ إلى آخرِ الأرضِ مضيعةٌ لجهودِ الحقولِ، وأرغفةِ الشمسِ، والصبرِ، والحبِ، والقصدِ، والخمرِ، والسعي، والكتبِ العصبية، والرعشاتِ التي تعتري نبتة الداْرسِ في غرفتي!
كان فقراً يسافرُ مثقابُهُ في جِفَانِ العيالِ،
وكانت يدٌ لا أراها تمزِّقُ قلبَ ألبومنا القمريِّ وتنثرنا في الفراغِ،
وكانت، إذا شئتَ أن أشرحَ الوضعَ أكثَرَ، كانت خيوطاً من الهمِّ يغزلها منذ قرنين دودُ الشقاءِ المجيدْ!
كانتا شبه بوصلتين من الوهمِ،
(كيف تُصاغُ الخرائطُ في ضوءِ بوصلتين!)،
إحداهما كَفَّلتني الأمامَ لتشغلني عن ورائي،
وأخرى على مهلها، دون أن يشعر العَصَبُ التَلِفُ، استخلفتني لتسرقَ من عظم ظهري: الجنوبَ السعيدْ!
كان موعظةً، (لا تزال المواعظُ تفتحُ ربعَ الحقيقةِ ثم تحيلُ البقيةَ للألم المستقلِّ، والصرخاتِ البطيئة!)،
تتركني حائراً!، (منذ أن كنتُ طفلاً وكل المواعظ ترقص في حجرة الخوف مثل كهولٍ سكارى!)،
تراقبني دائماً..
…………
(لم أخيِّب إلى الآن ظنَّ موعظةٍ دَخَلَت في دمي!)
أقم وهني،
مُدَّ لي أفقاً لا يتوبُ إذا ما استمرَّ الصداعُ ركيكاً،
وظلَّ النشيجُ رتيباً كصوتِ السلاسلِ،
فالهاتفُ اقتحمتهُ الرسائلُ، والدعواتُ الحميدةُ،
والقلبُ لا يتحملُ هذا البكاءَ التقيَّ.. البليدْ!
خذني إلى حيثُ لا يتحول حزني مجردَ تجربةٍ أجبرتني عليها الحياةُ!،
فلم أحتسب لشتاتٍ كهذا الذي يصعدُ بالوهنِ
من أخمصِ الطرقاتِ إلى شرفة الذاهلينَ
كالغرغرينا !
ولي عنقٌ واحدٌ لا يطيق انتباهاً لظرفين ينتهبانِ السماء إليّ،
ولا أحدٌ هاهنا قد يعير التفاتاته لانتباه صبيٍّ وحيدْ!
خذني إلى الخمر،
لا بد من مشهدٍ يستحق النزوعَ إلى الفوقِ،
تلك الخمور التي عتَّق القلبُ جداً رديئة!
* * * * * * *
سأحكي لك الآن عني،
سأخلطُ أوراقي الألفَ كوتشينةً ترتقُ الطاولاتِ الصغيرة واللعبَ الفوضويَّ!،
سأرمي، (كما عشتُ أرمي طوالَ حياتي وأخسرُ دوماً)،
فلا فرقَ إن كنتَ فعلاً تجيدُ الذي نلعبُ الآن أو لا تجيده!
كنتُ ذاك الحفيدَ الذي يتملّق في وجنتيها الحبورَ،
يجيء عفيفاً إذا ملأ الوردُ أرصفةَ اللحظاتِ،
ولا يشتهي غير نصفِ الحكاياتِ دوماً،
ويرجع حين يغيبُ الجميعُ ليسرق أنصافها الباقية!
وكنتُ، إذا أفَلَ الوعدُ تحت السماءِ الكئيبة،
واضطَرَمت في خيامي الأكاذيبُ،
أقسِمُ وجهيَ لخمسِ فرائضَ،
ثم أدير على وجهة القلبِ مذياعنا الأزليَّ الحنونَ،
وأنصتُ وحدي له كالأثير.