نظرية النّظم عند الجرجاني وعلاقتها بمفهوم البنية/ د. عماد محمود علي

 

 

“نظرية النّظم”عند الجرجاني وعلاقتها بمفهوم “البنية” في النقد الحديث

….

 

يحاول هذا البحث استجلاء الملامح الرئيسة في “نظرية النظم”عند الجرجاني، التي من شأنها أن تدلّ على مكانتها في صرح النقد العربيّ القديم، تلك المكانة القائمة على ما أحرزته هذه النظرية من تقدّم في مفهوم هذا العلم والركائز التي يقوم عليها، ثمّ في الطريقة التي ينبغي على الدارسين اتباعها في تناوله.

 

إضافة إلى اشتمال هذه النظرية -ولأول مرة في تاريخ الآداب العربيّة- على سائر شروط النظريّة العلميّة المعتبرة، على نحوٍ يقربها من المفهوم الحديث للنظرية. ثمّ يُلمّ البحث بمفهوم “البنية”في النظريان النقديّة المعاصرة، ولا سيما البنيوية التي قامت على أساسٍ من الدراسات اللغويّة الحديثة التي شقّ طريقها العالم السويسري فرديناند دي سوسير. وأخيرًا يستعرض البحث آراء النقّاد العرب المحدَثين في حقيقة الصلة بين نظرية النظم ومفهوم البنية، وهي آراء متباينة، يختار صاحب البحث منها أكثرها موضوعية وفائدة للتراث وللنقد العربي في حاضره، بل للثقافة العربيّة عامّة، استنادًا إلى مناقشات ومحاجّات تضمنها ذلك الموضع من البحث.

 

مقدّمة

يقف البلاغيّون والنقّاد العرب المحدثون في تقييمهم “لنظرية النظم”عند الجرجاني مواقف متباينة، هي -في الواقع – امتداد لمواقفهم المبدئية من التراث العربيّ برمّته: فمنهم من يقف منها موقف الرضى والإعجاب إلى الحدّ الذي يدفعه إلى وضعها على قدم المساواة مع أحدث ما انتهت إليه المدارس والاتجاهات النقديّة الحديثة في الغرب، إن لم نقل: تفضيلها عليها. فيصبح هذا الإعجاب البالغ حدّ التقديس سجناً لصاحبه، يحبس نفْسه فيه، ويحول بينه وبين الانفتاح على منجزات الآخر، الذي يصبح بمنزلة الخصم؛ فلا يعود كافياً أن نفخر بما عندنا ونعتدّ به، بل لا بدّ – في المقابل- من أن نطعن في منجزات ذلك الآخر ونقلّل من شأنها، حتّى نثبت أنّنا بماضينا أفضل منه بحاضره.

 

ومنهم من يقف في الطرف الآخر على النقيض تماماً من الطرف الأوّل، وهم الذين انبهروا بحضارة الغرب الحديث في كلّ نواحيها: الماديّة والفكريّة، وأدّت بهم المقارنة بين تلك الحضارة المفعمة بالحياة والتقدّم وبين الواقع العربيّ الراكد المتخلّف إلى ازدراء هذا الواقع والاستخزاء منه، ثمّ لم يكتفوا بذلك، بل سحبوا هذا الازدراء على التراث العربيّ بجملته، وأبوا أن يتّخذوا منه أساساً لمعاودة بناء حضارة عربيّة جديدة، وإنّما عكفوا على محاولة اصطناع نسخة عربيّة من الحضارة الغربيّة الحديثة لتكون هي ذلك الأساس الذي سينطلق منه العرب لبناء حضارتهم في هذا العصر، متجاهلين في ذلك بديهيّات لا يمكن تجاوزها أو التحايل عليها بهذه السهولة، أبْيَنُها: أنّ المدارس العلميّة والاتجاهات الفكريّة في الغرب إنّما نشأت تلبية لحاجات خاصّة بتلك الشعوب، وكانت نتيجةً لصراعات تاريخيّة طويلة، فهي بالنسبة إليهم بمنزلة المكتسبات الحضاريّة الذاتية، التي يصعب نقلها -في صورتها النهائيّة- إلى أيّ مجتمع آخر لتؤدّي الوظيفة الحضاريّة نفسها التي أدّتها في مجتمعاتها الأمّ؛ بسبب اختلاف السياق التاريخي والحضاريّ بين تلك المجتمعات وغيرها، في حين أنّ “نظريّة الجرجاني”نشأت في تربية عربيّة، لتلبية حاجات فكريّة خاصّة بالمجتمع العربيّ – في حينها –، وهي حاجات لها أبعادها الدينيّة والأدبيّة، وحتّى السياسيّة. من هنا، فإن العودة إلى نظريّة الجرجاني والانطلاق منها، بتطويرها وتجديدها، دون التحجّر عندها، والاحتباس بين جدرانها، سيكون أجدى كثراً من الاعتماد على نسخة دخيلة مشوّهة من النظريّات النقديّة الغربيّة الحديثة، ولا يعني هذا أن نجعل  بيننا وبين منجزات القوم سدّاً، ولكن أن يكون تأثّرنا بهم في حدود التبادل الحضاريّ المعروف بين الأمم. هذه سنّة طبيعيّة وصحيّة في الوقت نفسه، ولكنْ ما ليس طبيعياً ولا صحيّاً هو هذه الرغبة في الذوبان والاندماج في الآخر، بعد الانسلاخ من كلّ خصوصيّة تاريخيّة وحضاريّة.

 

وهكذا، نكون -في الواقع- قد أجملنا موقف الفريق الثالث : وهو الموقف الذي يتوسّط بين الطرفين السابقين، فلا يقنع بأن يعيش حبيس الماضي، ولا يرضى -في المقابل- أن يقتات على فتات غيره، وإنّما يقدّر الماضي حقّ قدره، فيضعه في سياقه التاريخي الصحيح، ويتعامل معه على أنّ ماضٍ ليس غير، لا يمكن أن نباهي به حاضر الآخر المتقدّم، ولكنّة يمكن أن يكون منطلقاً لحاضر يضاهي حاضر الآخر. وفي ذلك السياق التاريخيّ نفسه ينظر إلى ماضيه نظرة تقدير، لأنّه كان -في حينه- فتحاً عظيماً، ولا يرى من الحقّ أن نحمّل الماضي وزر تخلّفنا ونكوصنا في الحاضر.

 

استعراض هذه المواقف الثلاثة، واختيار أكثرها علميّة وموضوعيّة، وأعظمها نفعاً في خدمة كلّ من التراث والحاضر، كان هو الغاية من هذا البحث. والحقّ أنّ الجرجاني لم يكن سوى نموذج؛ فإنّ هذه المواقف الثلاثة لا ينفك الباحث يلاقيها أثناء دراسته لأيّ علَم من أعلام التاريخ أو أيّة نظريّة أو مذهب أو حتّى فكرة اشتمل عليها تراثه . فبدأتُ البحث بعرض ٍ موجز لنظرية الجرحاني، وقفت فيه عند أبرز محطّاتها؛ لأظهر مدى التقدّم الذي مثّلته هذه النظرية في حينها، ثمّ عرّجت على مفهوم  “البنية”في النظريات اللغوية والنقديّة الحديثة؛ ليلمس معي القارئ ما بين هذا المفهوم وما بين نظريّة الجرجانيّ من مواطن الشبه ومواطن الاختلاف. والحقّ أن بينهما بوناً يصعب إنكاره؛ ذلك أنّ نظرية النظم تقف في ملاحظتها للنسق عند أوّل الطريق، أي : عند الجملة والجملتين، أمّا النسق العامّ أو الأنموذج الذي يمثّل نوعاً أدبيّاً كاملاً، أو حتّى النسق الجزئيّ الذي يمثّل نصّاً واحداً بتمامه، فهذه أفكار وإجراءات كانت غائبة تماماً عن ذهن الجرجانيّ، ولا نلومه، فهي على كلّ حال تتجاوز الطور الفكري والحضاري لعصره. ثمّ ختمت البحث باستعراض آراء النقاد العرب المحدَثين في نظرية الجرجاني، وأظهرت الاختلاف في تقييمهم لها، ولا سيّما إذا نقلت من سياقها التاريخي القديم،  ووضعت في سياق الحداثة الغربيّة المعاصرة.

 

“نظرية النظم”عند الجرجاني:

صرّح  الجرجاني في أول كتابه “دلائل الإعجاز”بهدفه من تأليفه، وهو أن يمكّن القارئ من وضع يده على الخصائص والمزايا التي تعرض في الكلام، حتى يفضُل بعضه بعضاً، ثمّ يتعاظم ذلك الفضل حتى يبلغ حدّ الإعجاز الذي تنقطع عنده أعناق البلغاء، وتنحسر دونه مطامعهم، فيقرّون جميعاً بالعجز. يقول: “ولم أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلماء في معنى “الفصاحة”و”البلاغة”و”البيان”و”البراعة”، وفي بيان المغزى من هذه العبارات، وتفسير المراد بها، فأجد بعض ذلك كالرمز والإيماء، والإشارة في خفاء، وبعضه كالتنبيه على مكان الخبيء ليُطلْب، وموضع الدفين ليُبْحث عنه فيُخْرَجَ، وكما يفتح لك الطريقُ إلى المطلوب لتسلكه، وتوضع لك القاعدة لتبنى عليها. ووجدت المعوَّل على أن ههنا نظماً وترتيباً، وتأليفاً وتركيباً، وصياغة وتصويراً، ونسجاً وتحبيراً، وأنَّ سبيل هذه المعاني في الكلام الذي هي مجازٌ فيه، سبيلُها في الأشياء التي هي حقيقة فيها، وأنه كما يفضُل هناك النظمُ النظمَ، والتأليفُ التأليفَ، والنسجُ النسجَ، والصياغةُ الصياغةَ، ثم يعظُم الفضلُ، وتكثُر المِزيّة، حتى يفوق الشيء نظيرَه والمجانس له درجات كثيرة، وحتى تتفاوت القيم التفاوت الشديد، كذلك يفضل بعض الكلام بعضاً، ويتقدّم منه الشيءُ الشيءَ، ثم يزداد فضله ذلك ويترق منزلةً فوق منزلةٍ، ويعلو مرقباً بعد مرقب، ويُستأنف له غاية بعد غايةٍ، حتى ينتهي إلى حيث تنقطع الأطماع، وتَحْسَر الظنون، وتسقط القوى، وتستوي الأقدام في العجز”[1].

 

ولا يكفي -عند الجرجاني- في بيان هذه الخصائص والمزايا العباراتُ المجملة التي لا تشفي الغُلّة، بل لا بدّ من تحديدها تحديداً دقيقاً، ووصفها وصفاً مفصّلاً، وإيراد أمثلةٍ كافية لها، كما هي الحال في كافّة أنواع الصناعات. وفي هذا يقول: “ولا يكفي أن تقولوا: إنّه خصوصية في كيفية النظم، وطريقة مخصوصة في نسق الكَلِم بعضها على بعض، حتى تصفوا تلك الخصوصية وتبينوها، وتذكروا لها أمثلة، وتقولوا : “مثلُ كيت وكيت”، كما يذكر لك من تستوصفه عمل الديباج المنقَّش ما تعلم به وجه دقة الصنعة، أو يعمله بين يديك، حتى ترى عِياناً كيف تذهب تلك الخيوط وتجيء، وماذا يذهب منها طولاً وماذا يذهب منها عرضاً، وبِمَ يبدأ وبم يُثنّى وبم يُثلث، وتُبصر من الحساب الدقيق ومن عجيب تصرّف اليد، ما تعلم معه مكان الحِذق وموضع الأستاذية.

 

ولو كان قول القائل لك في تفسير الفصاحة: “إنها خصوصية في نظم الكلم وضم بعضها إلى بعض على طريق مخصوصة، أو على وجوه تظهر بها الفائدة”، أو ما أشبه ذلك من القول المجمَل، كافياً في معرفتها، ومغنياً في العلم بها، لكفى مثله في معرفة الصناعات كلها. فكان يكفي في معرفة نسج الديباج الكثيرِ التصاوير أن تعلم أنه ترتيب للغزل على وجه مخصوص، وضم لطاقات الإبريسم بعضها إلى بعض على طرق شتى. وذلك ما لا يقوله عاقل”[2].

 

وإذا تمكّن المتعلّم من ذلك أصبح قادراً على التمييز في الكلام بين الصواب والخطأ، والمفاضلة بين الإساءة والإحسان، بل بين الإحسان والإحسان. يقول الجرجاني: “وجملة الأمر أنك لن تعلم في شيء من الصناعات علماً تُمِرّ فيه وتُحلي، حتى تكون ممن يعرف الخطأ فيها من الصواب، ويَفْصِل بين الإساءة والإحسان، بل حتى تُفاضل بين الإحسان والإحسان، وتعرف طبقات المحسنين.

 

وإذا كان هذا هكذا، علمت أنه لا يكفي في علم “الفصاحة” أن تنصِب لها قياساً ما، وأن تصفها وصفاً مجملاً، وتقول فيها قولاً مرسَلاً، بل لا تكون من معرفتها في شيء، حتى تفصِّل القول وتُحصّل، وتضع اليد على الخصائص التي تَعرِض في نظم الكلِم وتعدّها واحدة واحدة، وتُسميها شيئاً شيئاً، وتكون معرفتك معرفة الصَّنَع الحاذق الذي يعلم علم كل خيط من الإبريسم الذي في الديباج، وكل قطعة من القطع المنجورة في الباب المقطّع، وكل آجُرّة من الآجر الذي في البناء البديع”[3].

 

وفيما يخصّ موطن تلك الخصائص، فإنّ الجرجاني لا يقبل بأن يكون هو الألفاظ المفردة، لأنّه لا مجال للمفاضلة بينها؛ فهي مستوية في الدلالة على المعاني التي وُضعت لها؛ كما أنّ الكلمة قد تقع من النفس موقعاً عجيباً رائقاً في موضع ثمّ ينعكس ذلك في موضع آخر. وإنّما مدار الأمر على مكان الكلمة في النظم والتأليف. يقول في الاستدلال على ذلك: “وهل يقع في وهم وإنْ جَهَدَ، أن تتفاضل الكلمتان المفردتان، من غير أن  يُنظَر إلى مكانٍ تقعان فيه من التأليف والنظم، بأكثر من أن تكون هذه مألوفة مستعملة، وتلك غريبة وحشية، أو أن تكون حروف هذه أخفّ، وامتزاجها أحسن، ومما يَكُد اللسان أبعد؟ وهل تجد أحداً يقول: “هذه اللفظة فصيحة” إلا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها؟ وهل قالوا: “لفظة متمكنة ومقبولة”وفي خلافه : قلقة، ونابية، ومستكرهة”، إلا وغرضهم أن يعبّروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما، وبالقلق والنُبُوّ عن سوء التلاؤم، وأن الأولى لم تَلِقْ بالثانية في معناها، وأن السابقة لم تصلح أن تكون لِفْقاً للتالية في مؤدّها؟ وهل تشكّ إذا فكرت في قوله تعالى: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾[4]، فتجلّى لك منها الإعجاز، وبَهرك الذي ترى وتسمع – أنك لم تجد ما وجدت من المزيّة الظاهرة، والفضيلة القاهرة، إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلِم بعضها ببعض، وأنْ لم يعرِض لها الحسنُ والشرف إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة، وهكذا، إلى أن تستقريها إلى آخرها، وأنّ الفضل تناتَجَ ما بينها وحصَل من مجموعها؟ إن شككت، فتأمل: هل ترى لفظة منها بحيث لو أُخذت من بين أخواتها وأفردت، لأدّت من الفصاحة ما تؤدّيه وهي في مكانها من الآية؟ قل: “ابلعي”، واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وما بعدها، وكذلك فاعتبر سائر ما يليها. وكيف بالشك في ذلك، ومعلوم أنّ مبدأ العظمة في أنْ نوديت الأرض، ثم أُمرت، ثم في أنْ كان النداء “بيا”دون “أيّ”، نحو “يا أيتها الأرض”، ثم إضافة “الماء”إلى “الكاف”، دون أن يقال: “أبلعي الماء”، ثم أنْ أُتبع نداء الأرض وأمْرها بما هو من شأنها، نداءَ السماء وأمْرَها كذلك بما يخصّها، ثم أنْ قيل: “وغيض الماء”، فجاء الفعل على صيغة “فُعل”الدالة على أنه لم يَغِضْ إلا بأمر آمر وقدرة قادر، ثم تأكيد ذلك وتقريره بقوله تعالى: “وقُضي الأمر”، ثم ذكر ما هو فائدة هذه الأمور، وهو: “استوت على الجودي”، ثم إضمار “السفينة”قبل الذكر، كما هو شرط الفخامة والدلالة على عظم الشأن، ثم مقابلة “قيل”في الخاتمة “بقيل “في الفاتحة ؟ أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤك بالإعجاز روعة، وتُحصرك عند تصورها هيبة  تحيط بالنفس من أقطارها – تعلُّقاً باللفظ من حيث هو صوت مسموع وحروف تتوالي في النطق؟ أم كل ذلك لما بين معاني الألفاظ من الاتّساق العجيب؟ فقد اتضح إذن اتضاحاً لا يدع للشك مجالاً، أنّ الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردّة،  ولا من حيث هي كلِم مفردة، وأن الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، وما أشبه ذلك مما لا تَعَلُّق له بصريح اللفظ.

 

وم

فتجد لها من الثّقل على النفس، ومن التنغيص والتكدير، أضعاف ما وجدت هناك من الرَّوْح والخفة ومن الإيناس والبهجة”[8].

 

وليس المقصود بنظم الألفاظ مجرّد تتابعها في النطق كما هي الحال في نظم الحروف، إذن لاستوى الناس كلّهم في العلم بحسن النظم ورداءته؛ لأنّهم جميعاً يُحسّون بتوالي الألفاظ في النطق إحساساً واحداً. ولكنّ المقصود به تناسق دلالاتها وتلاقي معانيها على الوجه الذي يقتضيه العقل. وإذن فإنّ الاعتبار في النظم هو للمعاني وليس للألفاظ؛ بل إنّ الألفاظ في ذلك تبَعٌ للمعاني، فهي تترتّب تلقائياً بحسَب الترتيب الذي تنشأ عليه المعاني في النفس، ولا يحتاج المتكلّم أن يفكّر مرّتين: مرة في ترتيب المعاني، وأخرى في ترتيب الألفاظ، وإنّما ينحصر تفكيره في المعنى؛ فإذا ترتّبت المعاني جاءت الألفاظ مرتّبة على نسقها من غير استئناف نظر جديد، “فلا يُتَصوَّر أن تعرف للفظ موضعاً من غير أن تعرف معناه، ولا أن تتوخّى في الألفاظ من حيث هي ألفاظ ترتيباً ونظماً، وأنك تتوخّى الترتيب في المعاني وتُعمل الفكر هناك، فإذا تمّ لك ذلك أتبعتها الألفاظ وقَفَوْت بها آثارها، وأنّك إذا فرغت من ترتيب المعاني في نفسك، لم تحتج إلى أن تستأنف فكراً في ترتيب الألفاظ، بل تجدها تترتب لك بحكم أنها خدم للمعاني، وتابعة لها، ولاحقة بها، وأن العلم بمواقع المعاني في النفس، علمٌ بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق”[9].

 

أمّا عن ترتيب المعاني في النفس، والضوابط التي يخضع لها، فيرى الجرجاني أنّ مرجع الأمر في ذلك إلى قوانين النحو وأصوله؛ “ذلك أنّا لا نعلم شيئاً يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه: فينظر في (الخبر) إلى الوجوه التي تراها في قولك: “زيد منطلق”و “زيد ينطلق” و “ينطلق زيد”و “منطلق زيدٌ “و “زيد المنطلق”و “المنطلق زيدٌ”و “زيدُ هو المنطلق”  و “زيدٌ هو منطلق ٌ “. وفي “الشرط والجزاء”إلى الوجوه التي تراها في قولك”: إنْ تَخرُج أخرج “و “إن خرجتَ خرجتُ”و “إن تخرج فأنا خارج”و “أنا خارج إن خرجتَ “و “أنا إن خرجتَ  خارج “. وفي “الحال”إلى الوجوه التي تراها في قولك: “جاءني زيد مسرعاً”، وجاءني يُسرع”، و “جاءني وهو مسرعٌ أو وهو يسرع”و “جاءني قد أسرع”و “جاءني وقد أسرع “. فيعرف لكل من ذلك موضعه، ويجيء به من حيث ينبغي له. وينظر في “الحروف” التي تشترك في معنى، ثم ينفرد كل واحد منها بخصوصية في ذلك المعنى، فيضع كلاً من ذلك في خاصّ معناه، نحو أن يجيء بـ “ما” في نفي الحال، وبـ “لا” إذا أراد نفي الاستقبال، وبـ “إنْ” فيما يترجح بين أن يكون وأن لا يكون، وبـ “إذا” فيما علم أنه كائن. وينظر في “الجمل” التي تُسْرَد، فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل، ثم يعرف فيما حقُّه الوصلُ موضعَ “الواو” من موضع “الفاء”، وموضع “الفاء” من موضع ثمّ”، وموضع “أو” من موضع “أم”، وموضع “لكنْ”من موضع “بلْ”. ويتصرف في التعريف والتنكير والتقديم والتأخير في الكلام كلّه، وفي الحذف والتكرار والإضمار والإظهار، فيُصيب بكل من ذلك مكانه ويستعمله على الصحة وعلى ما ينبغي له. هذا هو السبيل، فلست بواجد شيئاً يرجع صوابه إنْ كان صواباً، وخطؤه إنْ كان خطأ، إلى “النظم”، ويدخل تحت هذا الاسم، إلا وهو معنى من معاني النحو قد أصيب به موضعه، ووُضِع في حقّه، أو عومل بخلاف هذه المعاملة، فأُزيل عن موضعه، واستُعمل في غير ما ينبغي له. فلا ترى كلاماً قد وُصف بصحة نظم أو فساده، أو وصف بمزيّة وفضل فيه، إلا وأنت تجد مرجع تلك الصحة وذلك الفساد وتلك المزية وذلك الفضل، إلى معاني النحو وأحكامه، ووجدتَه يدخل في أصل من أصوله، ويتصل بباب من أبوابه”[10].

 

ولا يقصر الجرجاني في سوق الأمثلة الدالّة على صحة مذهبه في أنّ حسن النظم إنّما يأتي من جودة التصرّف في قواعد النحو، وأنّ رداءته إنّما تأتي من سوء التصرف فيها[11].

 

من أجل ذلك كان المؤلّف قد عقد في أوّل كتابه مبحثاً دافع فيه عن علم النحو عند مَن يغُضّ منه ويشكّك في جدواه وحثّ على تعلّمه والتقوّي فيه؛ لأنه المرتكز الذي ستقوم عليه نظريّته في بقيّة الكتاب. يقول في أوّل ذلك المبحث: “وأمّا زهدهم في النحو واحتقارهم له، وإصغارهم أمره، وتهاونهم به، فصنيعهم في ذلك أشنع من صنيعهم في الذي تقدم[12]، وأشبه بأن يكون صدّاً عن كتاب الله، وعن معرفة معانية؛ ذاك لأنهم لا يجدون بدّاً من أن يعترفوا بالحاجة إليه فيه، إذا كان قد عُلم أن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وأنّ الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرِج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبيّن نقصان كلامٍ ورجحانه حتى يُعرَض عليه، والمقياس الذي لا يُعرف صحيح من سقيم حتى يُرجَع إليه، لا ينكر ذلك إلا من ينكر حسّه، وإلا من غالط في الحقائق نفسَه. وإذا كان الأمر كذلك، فليت شعري ما عُذر من تهاون به وزهد فيه، ولم يرَ أن يستقيه من مصبّه، ويأخذه من معدنه، ورضي لنفسه بالنقص والكمالُ لها مُعْرِض، وآثر الغَبِينة وهو يجد إلى الربح سبيلاً”[13].

 

ولّما كان النظم – عند الجرجاني- لا يعدو أن يكون تمثيلاً للمعاني النحويّة، فإنّه من البديهي أن تكون الجملة هي محور عمل الناظم؛ لأنّها هي الوحدة الكلاميّة التي تظهر فيها العلاقات النحويّة الإسناديّة، كما هو الحال بين المبتدأ والخبر، وبين الفعل والفاعل والمفعول . . . الخ، وما قد يعتريها من تقديم وتأخير، وحذف، وإضمار وإظهار . . .  الخ. ولكنّ النطاق قد يتّسع أحياناً ليضمّ جملتين أو أكثر، عندما “تتّحد أجزاء الكلام، ويدخل بعضها في بعض، ويشتدّ ارتباط ثانٍ منها بأوّل”[14]، ومن ذلك المزاوجةُ بين معنيين في الشرط والجزاء معاً

وموضعُ المزيّة في هذه الأبيات -كما يبيّنه الجرجاني- هو في قوله : “سنستجدّ خلاف الحالتين غداً”؛ لأنّ فيه جمعاً لطيفاً لِما قسّمه قبلُ، بالإضافة إلى حسن بنائه، ولطف توصّله إليه.

 

ومذهب الجرجاني إلى أنّ المعاني النحويّة هي الأساس الذي تقوم عليه البلاغة، والمعيار الذي به يُفاضَل بين قول وقول، لا يعني أنّ الكلام متى استقام على قواعد النحو وسلم من الخطأ فقد صار له فضلُ شرفٍ ومزيّة؛ فإنّ البحث في تقويم اللسان وعصمته من الزلل في الإعراب ليس ها هنا مجاله، وإنّما مجاله كتب النحو. أمّا في البلاغة فإنّ ما يُعتدّ به هو التصرّف في المعاني النحوية تصرّفاً فنيّاً إبداعيّاً يُسفر عن “أمور تدرَك بالفِكَر اللطيفة، ودقائق يوصَل إليها بثاقب الفهم”[17]. وكذلك تجنّب الخطأ فليس هو من البلاغة حتّى “يُحتاج في التحفّظ منه إلى لطفِ نظر، وفضلِ رويّة، وقوّة ذهن، وشدّة تيقّظ “[18]، وهذا هو المعيار المعتمد عليه في الموازنة بين كلام وآخر.

 

وهكذا، فإنّ عبد القاهر، وإن كان يُقيم نظريّته في النظم على أساسٍ من علم النحو، فليس هو نحويّاً، ولا يعنيه أن يدرس المباحث النحويّة من تقديمٍ وتأخير، وإظهار وإضمار، وحذف. . .  من حيث هي كذلك؛ وإنّما من حيث إمكانيّة توظيفها من أجل صناعة عبارات بليغة. فمثل قول الجاحظ مثلاً: “جنّبك الله الشُّبهة، وعصمك من الحَيْرة، وجعل بينك وبين المعرفة نسباً، وبين الصدق سبباً، وحبّب إليك التثبُّت، وزيّن في عينك الإنصاف، وأذاقك حلاوة التقوى، وأشعر قلبك عزّ الحقّ، وأودع صدرك برْد اليقين . . .  “- ليس في نظمه وتأليفه أيّ فضل، وإن سلم من الخطأ، وجرى على قواعد النحو؛ لأنّه ليس فيه دقّة صناعة،  ولا سبيل فيه إلى التخيّر [19].

 

وكما أنّ النكت البلاغيّة قد تلتبس عند طائفة من الدارسين بمباحث النحو لاتّكائها عليها، فإنّها قد تلتبس عند طائفة أخرى بالمحسّنات البديعيّة والاستخدامات المجازيّة للألفاظ، فيُظَنّ أنّ المزيّة للألفاظ حين تضمّنت جناساً أو طباقاٌ . . . أو حين أحيلت عن معانيها المعجميّة إلى معانٍ جديدة اقتضتها العلاقات والقرائن في داخل العبارة. مع أنّ الذي أوجب المزية ليس هو ذلك، وإنّما مكانها في تألف الجملة ونظمها. ومثاله ما في قوله تعالى: ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ﴾ [مريم: 4]؛ فإن الناس دأبوا على نسبة الشرف فيه إلى الاستعارة وإفرادها بالمزيّة والفضل. وليس الأمر كذلك ؛ لأنّنا لو قلبنا العبارة فقلنا (واشتعل شيب الرأس) لذهب ما فيها من روعة وفخامة، مع أنّ الاستعارة لم تزل قائمة. فلم يبق إلا أن يكون مكمن الحسن في العبارة هو إسناد فعل الاشتعال إلى الرأس، والمجيء بالشيب الذي له الفعل في المعنى منصوباً بعده. وهذا المسلك في نظم العبارة يشحنها بدلالات جديدة لم تكن ممكنة لو أُسند الاشتعال إلى الشيب مباشرة؛ وذلك أنّ إسناد الاشتعال إلى الرأس يفيد -بالإضافة إلى لمعان الشيب في الرأس-الشمولَ والشيوع. وممّا هو من جنس النظم في هذه العبارة تعريف الرأس بالألف واللام وإفادة معنى الإضافة من غير إضافة، ولو صُرّح بالإضافة فقيل: (واشتعل رأسي) لذهب كثير من حسنها[20].

 

ويتّسع نطاق النظم -أيضاً- ليخرج عن حدّ الجملة الواحدة إلى جملتين أو أكثر في باب الوصل والفصل، وما يتضمنّه من عطف بعض الجمل على بعض أو ترك العطف والمجيء بها مستأنفةً.

 

ومن الملائم هنا أن نتذاكر أنّ حروف العطف تفيد إشراك ما بعدها لما قبلها في الحكم الإعرابيّ، بالإضافة إلى معانٍ أخرى: كالترتيب مع التعقيب في الفاء، والترتيب مع التراخي في (ثمّ)، والتخيير في (أو) . وبسبب هذا المعنى الإضافي الذي يفيده كلٌّ من هذه الحروف فإنّه لا يَعرِض فيها إشكالٌ في لزوم العطف أو تركه؛ لأنّنا متى احتجنا إلى الدلالة على أيٍّ من تلك المعاني  جئنا بالحرف المختصّ به. ولكنّ الإشكال يعرض في الواو؛ لأنها لا تفيد – بالإضافة إلى الإشراك في الحكم الإعرابيّ – أيّ معنى . وهنا يصبح لا بدّ من اللجوء إلى صناعة النظم واستقراء لطائفها في كلام العرب من شعر وغيره؛ لمعرفة متى يحسن العطف بالواو، ومتى يحسن القطع والاستئناف، ومتى تكون المزيّة لهذا، ومتى تكون لذاك. فالوصل والفصل بابٌ من أبواب النحو، ولكنّ التصرّف فيه للإتيان بمعنى بارع، والسلوكَ به مسالك دقيقة خفيّة هو من شأن النظم.

 

يخبرنا الجرجانيّ أنّ الوصل يحسن بين الجملتين إذا كان ثمّ علاقةٌ بين المحدَّث عنه في إحداهما والمحدَّث عنه في الأخرى، وكان الخبر عن الثاني ممّا له صلة بالخبر عن الأوّل؛ كأن يكون شبيهاً له أو نظيراً أو نقيضاً، كما يُقال: زيدٌ كاتبٌ، وأخوه شاعر . وتزداد الحاجة إلى العطف إذا كان المتحدَّث عنه في الجملتين واحداً، كقولنا: عمرو يضرّ وينفع، ويحسن ويسيء [21].

 

بينما يحسن الفصل في كلّ جملة كان حالها مع ما قبلها حال الصفة مع الموصوف، والتأكيد مع المؤكَّد، فتتصل بها من ذات نفسها وتستغني عن حرف العطف ؛ كما في قوله تعالى: “إنّ الذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم؛ لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة، ولهم عذابٌ عظيم”؛ فإنّ قوله “لا يؤمنون”تأكيد لقوله “سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم “[22]، وممّا حقّه الفصل أيضاً ما يجيء من الجمل على معنى جواب لسؤال مقدّر؛ كما في قول الشاعر:

 

فقدّر الشاعر أنّ الذي سأله عن حاله، أتبع سؤاله بسؤال آخر عن علّته، فأجابه: سهرٌ دائم وحزن طويل[24]. ومن هذا الفنّ كلّ ما يرِد في القرآن من لفظ (قال) مفصولاً عمّا قبله، أنّه على تقدير سؤال محذوف.[25]

 

ومن فنون النظم الدقيقة التي بيّنها الجرجاني في هذا الباب أنّ عطف الجملة لا يكون دائماً على ما قبلها مباشرة؛ ولكنّها قد تُعطف على جملة يفصلها عنها جملةٌ أو أكثر . كما في قول المتنبّي:

 

فيتّضح بعد ترديد النظر أنّ جملة (كان مسير عيسهم ذميلاً) ليست معطوفة على جملة (كأنّ بيناً تهيّبني)؛ لأنّ عطفها يُفسد المعنى؛ إذ يُدخلها في معنى (كأنّ)، ويصبح السير مشكوكاً فيه، وليس هذا مقصود الشاعر، وإنّما يستقيم المعنى إذا عُطفت على (تولّوا بغتة). هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنّ جملة (كان مسير عيسهم ذميلاً) ليست معطوفة على جملة (تولّوا بغتة) وحدها، وإنّما هي معطوفة على البيت السابق كلّه؛ لأنّ (كأنّ بيناً تهيبني) مرتبطةٌ بقوله (تولّوا بغتة) ارتباط سببيّة؛ بمعنى أنّ الثانية مسبَّب والأولى سبب؛ فكأنه قال (تولّوا بغتة فتوهّمتُ أنّ  بيناً تهيّبني). وكذلك فإنّ قوله (كان مسير عيسهم ذميلاً) لم يُعطف وحده على البيت السابق، ولكنّ العطف تناول البيت الثاني بجملته، مرتبطاً آخره بأوّله؛ لأنّ تولّيهم بغتة وما توهمّه الشاعر من بَيْنٍ تهيّبه كان مستدعياً بكاءه بدمع منهمل، ولم يكن ذكره لذملان العيس إلا ليذكر هملان الدمع[27] .

 

وهكذا، فإنّ العطف كما يكون بسيطاً؛ عندما تُعطف جملة على جملة، فإنّه قد يجيء مركّباً؛ بأن تعمد إلى جملتين أو أكثر فتعطف بعضها على بعض، ثمّ مجموعها على مجموعٍ سابق[28].

 

وهذا -فيما يبدو- أوسعُ نطاق تبلغه نظريّة النظم عند الجرجاني؛ أعني الخروج من حيّز الجملة الواحدة إلى حيّز مجموعة محدودة من الجمل، وهو نفس الحيّز الذي تعمل فيه قواعد النحو، مع الفارق الذي ألمحت إليه من قبل بين وظيفة النحو ووظيفة البلاغة.

 

البنية والبنيونة:

وسوف نعتمد اعتماد كبيراً في استجلاء مصطلح البنيويّة -نسبة إلى البنية- على كتاب الدكتور عبد العزيز حمودة “المرايا المحدّبة (من البنيوية إلى التقكيك) “[29]، محاولين قدر الإمكان أن نقف عند المحطات الأساسيّة التي من شأنها أن تخدم دراستنا هذه، ويترتّب على هذا أنّنا سننحو منحى مختصراً، معرضين عن كثير من التفصيلات والتفريعات والتنويعات داخل المدارس اللغويّة والنقديّة التي تبنّت هذا المصطلح طوال عقود من القرن الماضي. ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا: إنّ مصطلح البنيويّة كان هو المصطلح الأكثر شيوعاً وخطورة في مجالات المعرفة الإنسانيّة عامّة، والأدبيّة خاصّة طيلة تلك العقود. إذن، سوف نختصر الكلام اختصاراً مقتصرين على تحديد ظروف نشأة المصطلح، ومفهومه، ثمّ طريقة توظيفه في ميدان اللغة والأدب.

 

“كان تينيانوف أوّل من استخدم لفظة “بنية” في السنوات المبكّرة من العشرينيّات، وتبعه رومان ياكوبسون الذي استخدم كلمة البنيويّة لأوّل مرّة عام 1929 “[30]

 

وقد “كانت تطورات الفكر الفلسفي الغربيّ عبر ثلاثة قرون والتحوّلاتُ المعرفيّة التي صاحبت ذلك التطور تشير كلها في اتجاه واحد حتميّ، وهو ظهور الدراسة اللغويّة كعلم مستقلّ بذاته: له قوانينه وقواعده التي تحكم عمل عالم اللغة الذي يستخدم أدوات المنهج التجريبي في علميّة لا تقلّ – إنْ لم تكن تزيد – عن علميّة الدراسات النفسيّة التي كانت قد أكّدت وجودها. وهكذا شهدت السنوات الأولى من القرن العشرين نشر كتاب “فردينان دي سوسير “: Cours de linguistics عام 1915، والذي يمثّل عدداّ من محاضرات المفكّر السويسري كان قد ألقاها على طلابه قبل ذلك بسنوات. لقد أصبحت الظروف في الواقع مهيّأةً لظهور ما يُسمّى بالنموذج اللغويّ الذي سيتكفّل البنيويّون -فيما بعد- بتطويره ليصبح أساس المقاربة النقدية (البنيويّة) للنصوص الأدبيّة “[31]

 

“إنّ أبرز إنجازات سوسير والتي تحتلّ مركز الثقل في كتابه هي نظرية النظام أو النسق System اللغوي الذي يحكم الاستخدام الفرديّ للّغة، هذا بالإضافة إلى تطوير مفهوم العلاقة Sign اللغوية بشقيها: الدالّSignifier،  والمدلول Signified “[32].

 

والنسق اللغويّ -وهو ما يهمنا هنا- “ليس شيئاً ماديّاً محسوساً، شأنه في ذلك شأن قوانين الحركة؛ لذلك فإنّ ما نستطيع أن نبدأ به دراستنا لأيّ لغة هو شواهد الكلام الفرديّ: نسجّلها ونرصدها ونحلّلها، ثمّ ننتقل -بعد ذلك – من مرحلة الرصد والتسجيل إلى الضبط -إلى وضع القواعد العامّة التي تحكم الكلام. هذا هو النسق وهذه هي اللغة. وحينما نصل إلى النسق فإنّ تطبيقه على الكلام- على الحالات الفرديّة لاستخدام اللغة، هو الذي يعطي الكلام معنى، وبدون هذا النسق يصبح الكلام أصواتاً بلا دلالة أو معنى. نفس الشيء بالنسبة للنسق الأدبيّ، حيث يُكسب ذلك النسقُ العامّ الأعمال الفرديّة دلالتها ومعناها “[33].

 

والنسق الفرديّ -سواء في اللغة أو الأدب- “لا يمثّل أجزاءه؛ لأنّه هو جزء من نسق عامّ، أو من بنية كليّة تحكم قواعد الدلالة داخل النسق الفرديّ “[34]

 

“لقد كانت النقلة التي حدثت من البنيويّة اللغوية إلى البنيوية الأدبيّّة في أوائل الستينيّات هي المحصّلة الطبيعية لجهود مبكّرة ارتبطت بــ “ياكوبسون “و “وبروب” وجيل من “الشكليين” الماركسيّين، لم تنجح في إنشاء تيّار قويّ قادر على إنشاء مدرسة أو مشروع نقديّ جديد، وقد جاءت الدفعة التي أعطت هذه الجهود زخماً جديداً جمَعها في تيار فرض نفسَه بقوة على الحياة الثقافيّة في الشرق والغرب، من جانب ليفي -شتراوس الذي تحوّل كتابه “الأنثوبولوجيا البنيويّة”(1958) إلى مرجع أساسيّ في سنوات قليلة. بدايةً، فإنّ دراسة شتراوس في الأنثروبولوجيا البنيويّة أعطت شرعية نهائية لنقل منهج البنيويّة اللغوية إلى محيطات أو أنساق أخرى غير نسق اللغة. وقد كانت تلك النقلة هي النقلة التي انتظرها نقّاد الأدب ليفعلوا الشيء نفسه، وبالنجاح نفسه”[35]

 

على أنّ “دراسة فلاديمير بروب المبكّرة عن القصص الشعبية والروايات الخياليّة الروسية Fairy tales، لا تقلّ في أهميتها عن دراسة ليفي -شتراوس …. إنّ مناقشة بروب لبناء المئة قصّة التي جمعها تقدّم لنا أوّل دراسة بنيويّة لبناء شكل قصصيّ، هو أقرب إلى الشكل الروائيّ منه إلى بناء الأسطورة. إنّه -بالفعل- يصل في تحليله لتلك القصص إلى تحديد علاقات الوحدات المكوِّنة للرواية، وهو إنجاز يضع دراسته المبكّرة في مقدّمة الدراسات البنيويّة المبكّرة للأدب ….  إنّ أهميّة بروب كبنيويّ مبكّر تتأكّد بشكل قاطع حينما ينتقل من دراسة القصّة الخياليّة الواحدة كوحدة بنائيّة مفردة، إلى تصوّر بنية كليّة عامّة للقصة، يسمّيها “القصة العمدة أو الأنموذج”، تتوافر فيها كلّ الاحتمالات البنائيّة للإحدى والثلاثين وظيفة [وهي وظائف الشخوص كما استقرأها من جملة قصصه الخرافيّة]”[36].

 

و “إذا كان البنيويّون اللغويّون يقومون بتقسيم النصّ اللغويّ إلى أصغر مكوّناته البنائيّة وهي الفونيمات والمورفيمات، أو إلى أصغر مكوّناته الصوتيّة والشكليّة، فإنّ البنيويّين الأدبيين -وعلى رأسهم ليفي  شتراوس- يقسمون النصّ الأدبيّ إلى أصغر مكوّناته البنائيّة، وهي “المايتمات “Mythemes، أو ما يسميها كمال أبو ديب “الأُسَيطرات””[37].

 

ويمكن إجمال ما سبق – فيما يتعلّق بمفهوم النسق وتكـوّنه وتطبيقـه في مجالـي: اللغة والأدب – في القول : “إنّ اللغويّات البنيويّة عند تعاملها مع النصّ اللغويّ تقوم بالبدء من نقطة صغرى: فتبدأ بتحديد العناصر التي ربّما لا يكون لها معنى، مثل: الفونيمات، وهي أصغر عناصر تكوين اللغة. ثمّ ينتقل التحليل البنيوي لرصد تجميع هذه العناصر في وحدات ذات معنى، وهي الكلمات، ثمّ كيف تُجمع هذه الوحدات الدلاليّة الصغرى في نظام أوسع أو نسق أكبر، وهو اللغة. لكنّ الكلمة بمفردها – معزولة خارج نسق – لا يمكن أن تدلّ أو تشير إلى وحدة أخرى معزولة، ولهذا نتحوّل إلى النسق الأصغر، وهو الجملة. داخل النسق الأصغر، تصبح الوحدة الصغرى[أي الكلمة المفردة] جزءاً من نسق دالّ وتكتسب دلالتها الأوسع من علاقتها مع الوحدات الأخرى داخل النسق. المرحلة التالية أكثر تركيبيّة وتعقيداً، وهي ربط هذه الجمل / الأنساق الصغرى وتجميعها داخل نسق أكبر، هو النصّ. في النسقين السابقين تتحدّد دلالة الوحدة (الكلمة في الجملة،  والجملة في النصّ) عن طريق علاقاتها مع الوحدات الأخرى في ظلّ مبدأ اتّفق حوله البنيويّون جميعاً، وهو التضادّات الثنائية Binary Oppositions. وهناك نسق ثالث هو النسق العامّ أو النظام الذي يحكم الإنتاج الفرديّ للنوع Genre، وهو نسق نتحرّك في اتجاهه انطلاقاً من النصوص الفرديّة، أو منطلقين منه في اتجاه النصّ الفردي في تحليل تطبيقي يؤكّد اتّفاق النص المفرد أو النسق الأصغر، أو اختلافه مع النسق أو النظام العامّ “[38].

 

كانت هذه إطلالة سريعة وإلمامه متعجّلة بمصطلح البنية، نرجع بعدها إلى نظرية “النظم” عند الجرجاني، لنحكم على مدى اقتراب صاحبنا أو ابتعاده في نظريّته عن هذا المصطلح الحديث، مستفيدين في ذلك من آراء مَنْ سبقنا إلى الخوض في هذا الموضوع من النقّاد المعاصرين .

 

رأي النقد الحديث في “نظرية النظْم “للجرجانيّ:

بعد ما أسلفنا من وقوفٍ عند أبرز محطّات “نظرية النظم ” للجرجاني، وتعريجٍ على مفهوم “البنية” في النقد الحديث، آن لنا أن نبسط القول في تقييم هذا النقد لتلك النظريّة، عن طريق بيان مدى صلتها بأكثر مفاهيمه مركزيّة – أعني: مفهوم “البنية”.

 

وهنا نجد أنفسنا -في الدراسات النقدية العربيّة الحديثة- أمام ثلاثة مواقف مختلفة من “نظرية النظم”، هي -في الحقيقة- تعبير أو امتداد لثلاثة مواقف مختلفة من النقد العربيّ جملةً، بل من التراث العربيّ برمّته، أحدها: ينتقص التراث العربيّ، ويغضّ من قدره، ويزدريه، وينكر عليه أن يكون قد قدّم لمسيرة الحضارة الإنسانيّة ما يمكن أن يُعتدّ به سواء في مجال العلم أو الأدب. والثاني: متحمس حماساً شديداً للتراث، معتزّ به، واثقٌ من عظم مساهماته، وغزارة روافده لنهر الحضارة الإنسانيّة، والثالث: وسط بين الأوّل والثاني: لا يقلّل من شأن التراث، ولكنّه لا يرى باكتماله أو جواز التوقّف عنده، وإنّما يرى أنّ في التراث الصوابَ والخطأ، وفيه من المكوّنات الإيجابيّة ما يمكن -لو تهيّأ له من يتعهّده- أن يتطوّر ليضاهي كثيراً من النظريات والفتوح العلميّة المعاصرة، وفيه -في المقابل -ما تجاوزه التاريخ، وأثبت قصوره، وبات من الأفضل والأعون على التقدم- إطّراحه والاستغناء عنه.

 

ولعلنا في حاجة -لإثبات صحّة هذا التقسيم- إلى أن نسوق بعض النماذج -على سبيل التمثيل فحسب- من كتابات طائفةٍ من النقّاد والمثقفين العرب المحَدثين:

فأمّا الفريق الأوّل فمن خير من يمثّله -في بداية القرن الماضي- ميخائيل نعيمه. الذي يقول في كتابه “الغربال” بلهجة فيها كثير من الاحتقار والسخرية من العقل العربيّ عامّة، حتّى في أوج ازدهاره، وذروة عطائه وإبداعه، مقارناً بينه وبين “العقل الغربيّ “الحديث. وعلى أيّة حال، فلعلّه  يكون من الملائم هنا الإشارة إلى أنّ هذا الفريق الذي يقف من التراث موقفاً هجائياً، عادة ما يكون ذلك مبنيّاً على انبهاره بالحاضر الغربيّ، ورغبته الجامحة في الالتحاق بركبه – يقول نعيمة: “أسمع أصواتاً تنادي، وأرى أيدياً تمتدّ نحوي، وألسنة تصبّ عليّ النِّقَم، والكلّ يقول: “وهل نسيت -أوأنت جاهل- أسماء امرئ القيس والنابغة الذيباني ولبيد وعلقمة الفحل وعنترة والمهلهل والمتنبي والهمذاني والأخطل وجرير وابن رشد وابن سينا . . . الخ من الأقدمين، وشوقي وحافظ والمطران وكثير سواهم من المحدَثين؟ كلا يا سادتي، أنا لم أنس هؤلاء كلّهم، بل لا أتجاسر أن أزعج سكينة قبور الراقدين منهم، ولا أن أرفع عينيّ الخاطئتين إلى أكاليل الغار وأهلّة النور فوق رؤوس الباقين في قيد الحياة. إنما أهمس همساَ كي لا نثير غضبهم: إنّ غثّهم أكثر من سمينهم. وعلى كلٍّ، لا أظنّكم ظالين إلى حدّ أن ترفعوا أحداً منهم إلى مصافّ هوميروس وفرجيل ودانتي وشكسبير وملتون وبَيرُن وهيكو وزولا وغوته وهينه وتولستوي. أولئك عاشوا وماتوا ليتغزّلوا بظباء الفلاة، ولمع المشرَفِيّات، ووقع سنابك الخيل، وسفك الدماء، ومشي الإبل، وأطلال المنازل، ونار القِرى، إلخ…. أمّا الآخرون فقد اختارتهم السماءأصفياءها، وأسكنتهم الأولمب، ولمست شفاههم بجمرة الحق؛ فكانت عِظاتهم تتّقد به، وتلمس القلوب المظلمة فتجعلها آنية جديدة للحق. هؤلاء أجنحة تطير بالإنسانية إلى حيث الجمال والكمال والمحبة. هؤلاء أرواح سماوية تخفر مهاوي الهلاك، وتنادي السائرين إليها:”احترسوا”. هؤلاء صوت صارخ في البرية:”أعدوا سبل الحق”. هؤلاء معلّمو الإنسانية وقوّادها. دعوهم في أعاليهم؛ فنحن قاصرون عن إدراكهم بأيدٍ أثقلتها سلاسل القيود، وعيون امتصّت الظلمة ماءها، وعقول لم تتحرّر من أوهام الماضي وأشباحه وغرور المستقبل لتدرك حاضرها “[39] .

 

واضحٌ أنّ نعيمة لا يكتفي بازدراء التراث العربيّ، بل يمتدّ ازدراءه وسخريته ليطال العقل العربيّ وإنتاجه في ماضيه وحاضره، ولو أردنا أن ندقق في التشخيص لقلنا: إنّ خيبة أمله في الحاضر العربيّ، وشعوره بسببه بكثير من الاعترار والدونيّة، هو الذي دفعه إلى احتقار الماضي العربي، وسحب تخلّف الحاضر وتردّيه أحواله عليه.

 

هذه النغمة نفسها نسمعها عند العقّاد والمازني في السنوات الأولى من القرن العشرين، وهي نغمة الانبهار بالعقل الغربيّ الحديث وإبداعاته، التي تتحوّل تلقائياً إلى ذمّ للعقل العربيّ وتجاهل لإنجازاته، يقول صاحبا الديوان: “وإنّ المرء ليزهو بآدميّته حين يُلقي بنفسه في غمار الآداب الغربيّة، وتجيش أعماق ضميره بتدافع تيّاراتها وتعارض مهابّها ومتجهاتها وتجاوب أصدائها وأصواتها: أبوابٌ للكتابة منوّعة، ومهايع متّسعة، وفنون مبتدعة، ونِحَل ومذاهب، ومدارس ومشارب. والحياة بين هذه الأفكار المشرقة معروضة للنظر في كلّ شِيَة من شِياتها، محسوسة في كلّ خطرة من خطراتها، متكرّرة متضاعفة، شاكة موقنة، جادة ساخرة، ناقمة راضية”[40].

 

وإن كان العقاد قد عدّل من هذا الموقف في مرحلةٍ متأخّرة، وأصبح أمْيل إلى الاعتدال الحذِر في تعامله مع الثقافة الغربيّة، وخوفه من أن يؤدّي التأثّر غير الواعي بالغرب إلى الذوبان فيه والحَيْف على الهويّة العربيّة في ذاتها . يقول في كتابه “بين الكتب والناس “(1952): “وقد تبيّن أنّ الهويّة الواقية كانت ألزم للعالم العربي في هذا الدور ممّا كانت في جميع الأدوار الماضية منذ بداية النهضة في العصر الحديث؛ فإنّ الدعوات العالميّة خليقة أن تجور على كيان القوميّة وأن تؤول بها إلى فناءٍ كفناء المغلوب في الغالب”[41]

 

ويتابع جابر عصفور -وهو من أبرز النقّاد العرب الآن، وأغزرهم إنتاجاً- على المنوال نفسه، معلناً عن انبهاره بإنجازات الثقافة الغربيّة. ولكنْ، وهذا يُسجّل له، دون أن يدفعه ذلك إلى احتقار تراثه العربيّ والغضّ من شأنه. يقول في كتابه “نظريات معاصرة”واصفاً إعجابه بالبنيويّة وحماسَه لها : “كانت البنيويّة مبعوث العناية اللغويّة الذي حمل بشارة العهد الآتي إلى العلوم الإنسانية ومنها النقد الأدبيّ، دلاً إيّاها على طريق الهداية المنهجيّة والجنة الموعودة للدراسات العلمية التي تؤسّس النقد الأدبيّ بوصفه علماً من العلوم الإنسانيّة المنضبطة. وسواء تحدّثنا عن البنيويّة بوصفها حركة اجتماعيّة سياسيّة أو بوصفها نشاطاً أيديولوجيّاً، فإنّها تظلّ مشروعاً منهجيّاً بالدرجة الأولى، من حيث هي دعوة إلى تطبيق النموذج المنهجيّ الذي انبنى عليه علم اللغة عند سوسير”[42]

 

وعلى الطرف النقيض تقف طائفة من النقّاد و المثقفين أخذوا على عواتقهم الدفاع عن التراث العربيّ، وتسليطَ الضوء على مساهماته وإنجازاته، في محاولة لدرء الهجمة عنه، ولكنّ هذه المحاولة نفسها كانت سبباً في حماسٍ للتراث وتعظيم لمآثره لا يقلّ إفراطاً عن حماس الطرف الأوّل في انتقاصه له وانبهاره بالحاضر الغربيّ.

 

ويمكننا أن نعدّ من هؤلاء -في منتصف القرن الماضي- محمد مندور، الذي دفعه حماسه للجرجاني وإعجابه بنظريّته في النظم إلى وضعه جنباً إلى جنب مع كبار النقّاد المحدَثين في الغرب، ومساواة -إن لم نقل تقديم- نظريّته في النظم بأحدث نظريّاتهم، يقول في كتابه “النقد المنجي عند العرب”: “وفي الحقّ إنّ عبد القاهر قد اهتدى في العلوم اللغوية كلّها إلى مذهب لا يمكن أن نبالغ في أهمّيّته، مذهب يشهد لصاحبه بعبقريّة لغويّة منقطعة النظير. وعلى أساس هذا المذهب كوّن مبادئه في إدراك “دلائل الإعجاز”. مذهب عبد القاهر هو أصحّ وأحدث ما وصل إليه عليم اللغة في أوروبا لأيامنا هذه، هو مذهب العالم السويسري الثبْت فرديناند دي سوسير Ferdinand de saussure الذي توفي سنة1913″[43].

 

وإلى جانب مندور يقف مصطفى ناصف، والولي محمد. يقول الأوّل: “لقد عجبتُ حين خُيّل إليّ -أكثر من مرة- أنّ بعض منحنيات النقد القديم ذات الأهميّة، لا تنفصل انفصالاً حادّاً عن النقد المعاصر”[44] . ويقول الثاني باندفاعٍ أشدّ : “وما تزال التساؤلات التي أثارها الجرجاني بشأن الاستعارة تحتفظ إلى اليوم بالكثير من المعاصرة. لقد كان وهماً ما تصوّرناه – ونحن واقعون تحت تأثير النقد الاجتماعي والنفسي والتاريخي والانطباعي – من إمكان تجاوز البلاغة القديمة باعتبارها ةواعد جامدة. وإذا كانت هذه البلاغة قد فقدت الكثير من المواقع قي المؤسسات التعليمية، فإن ثورة علوم اللغة وما أعقب ذلك قد نبّه الأذهان إلى أنّ البلاغة لن تموت، وخاصة إذا كانت بحجم بلاغة الجرجاني. إنّ العودة إلى الجرجاني هي عودة إلى نصّ لم يفقد جِدّته، نصّ يثير من التساؤلات أكثر ممّا يقدّم من أجوبة قاطعة، نصّ يفتح باب الاجتهاد ويتركه كذلك “[45] .

 

وإلى هذه الجماعة يمكننا أن ننسب الدكتور عبد العزيز حمودة، الذي لا يقل اندفاعه وحماسه عن أيّ ٍ ممّن أسلفنا، ولا سيّما في ثلاثيّته: المرايا المحدّبة، والمرايا المقعرة، والخروج من التيه؛ التي تجشّم فيها مؤونة نقد النظريّات النقدية الحداثيّة وما بعد الحداثيّة، سواء في نسخها الغربيّة أو العربيّة، ثمّ حاول أن يقدّم بديلاً عربيّاً أصيلاً، وكانت نظريّة الجرجاني أفضل ما يمكن أن يتشبّث به لتحقيق ذلك الغرض، وإن كان يحاول جاهداً أن يظهر بمظهر المعتدل ويحتال في ذلك بكثير من عبارات الاحتراز والاحتياط، ولكنّ مَيْله لا يلبث أن يغلبه. يقول حمودة في “المرايا المقعرة”: “إنّ النظم يمثّل مكوّناً في نظرية لغوية لا تقلّ سماتها وضوحاً عن سمات أيّ نظرية لغويّة حديثة. والواقع أنّ مفهوم “النظم”يمثّل العمود الفقريّ لنظرية لغوية عربية لا تقلّ تكاملاً -من ناحية اتّساقها على الأقلّ- عن أيّ نظريّة لغوية حديثة، بما في ذلك نظرية فرديناند دي سوسير التي اتخذتها علوم اللغة نقطة انطلاق إلى تشعيبات وتفريعات لغوية ونقدية شبه لا نهائية”[46] . ويقول متجاوزاً نطاق الجرجاني: “بعد كلّ ما قدّمناه، لا أظنّ أنّنا بحاجة إلى إعادة تأكيد أنّ العقل العربيّ قد عكف منذ القرن الثالث الهجريّ وحتّى نهاية القرن الخامس على تطوير نظريّة لغويّة لا تختلف في مكوناتها كثيراً عن مفردات علم اللغويات الحديث الذي أسّس له فرديناند دي سوسير في بداية القرن العشرين “[47].

 

المزلق الحقيقي الذي يقع فيه حمودة وربّما غيره من أصحاب هذه الفئة هو انّه يجد نفسه مضطراً إلى نقد – بل نقض – كلّ ما أتت به المدارس النقديّة الحديثة، ليتّخذ من ذلك مدخلاً إلى اقتراح بديل عربيّ، هو – في الحقيقة – غير موجود في الحاضر العربيّ، وإنّما في التراث العربيّ، في القرن الخامس الهجريّ، وبالتحديد: عند عبد القاهر الجرجاني! لمَ كلّ هذه المداورة؟! ألا يمكننا أن نقدّم نظريّة عربيّة، دون أن نبدأ بهدم منجزات الحداثة الغربيّة؟! ألا يمكن الاحتفاظ بالنموذجين معاً؟! مَنْ قال: إنّ الإبداع الإنسانيّ يسير حتماً في خطّ   واحد؟! قد يسير في خطين أو ثلاثة أو عشرة! لماذا نضيّق واسعاً؟! هل النقاد في الغرب يسلكون هذا المسلك في عرضهم لنظرياتهم ومذاهبهم؟! هل يبدؤون بهدم نظريات هذه الأمّة أو تلك لتسويغ ما يعرضون؟! هم بالتأكيد لا يفعلون ذلك. لماذا؟ ببساطة لأنّنا لا نمثّل هاجساً مرَضيّاً لهم، كما هم بالنسبة إلينا ؟ فنحن إمّا أن نتبعهم، ونسير في أذيالهم، وإمّا أن ننشغل بهجائهم، والطعن في كلّ ما يأتي من جهتهم، وبيان مساوئه، وإظهار التوجّس والارتياب ممّا يتضمّنه – بلا شكّ – من شرور ومضارّ ! أنا أتفهم أن يبدأ حمودة أو غيره من النقاد العرب بنقد طرائق العرب في الاستفادة من النظريات والمدارس الغربيّة؛ لأنّها – في الواقع – قاصرة ومضطربة وعقيمة، تفتقر إلى النضج والوعي. ولكنني لا أفهم لماذا يصرّ الناقد العربيّ على أن يتجاوز بنقده هذا الحدّ ليطال به مدارس القوم ومذاهبهم في عقر دارهم؟! وكأنه لا يعلم أنّ لنشأتها عندهم أسباباً تاريخيّة وثقافية تجعل من هذه النشأة في تلك البيئة أمراً طبيعيّاً ومنطقيّاً، وأنّها لم تُجلب إليهم جلباً كما هي حالها عندنا، وإنّما ثمّة ظروف وملابسات حضاريّة خاصّة بهم هي التي دعت إلى نشأتها وتسييرها في الاتجاهات التي تسير فيها.

 

وبين هؤلاء وأولئك تقف فئة من النقاد والمثقفين موقفاً متوسّطاً: لم تستحوذ عليه فتنة العقل الغربيّ فتدفعه إلى الانسلاخ من ماضيه، واحتقار تراثه كله، وإعلان القطيعة معه. وفي المقابل: لم يغرّه الإعجاب بماضيه والزَّهو به، فيحمله على حبس نفسه في أروقته ونبذ كلّ ما يأتيه من خارجها، بل هو ينظر إلى الأمور بشيء من الاعتدال والإنصاف، فيرى في تراثه الخير والشرّ، ويرى فيه الإحسان والإساءة، ويرى فيه الإبداع والجمود . . .  الخ من عناصر إيجابيّة نافعة وأخرى سلبيّة ضارّة؛ فلا يزدريه ولا يقدّسه، ولا يرفعه فوق قدره ولا يحقّره، وإنمّا يعترف له بمحاسنه ويستفيد منها ويبني عليها، ويتنبّه إلى مساوئه فينقدها ويطّرحها ؛ حتّى لا تعوق سبيله إلى التقدّم والرقيّ. ثمّ يلتفت إلى إنجازات الغرب الحديث، فينظر إليه بالمنظار نفسه، فيفرّق بين حسناته وسيّئاته: يأخذ هذه، و يدع تلك، فلا يمنعه ارتباطه بماضيه من الإفادة من حاضر غيره، ولا يُعميه انبهاره بهذا (الغير) عن أن يرى ما فيه من شرور، فيأخذ منه ولكن بحذر، وبالقدر الذي يظلّ محتفظاً معه بهويّته وحقّه الطبيعي في الاختلاف ؛ فهو ينتقي ولا يغرف.

 

ومن الأمثلة على هذه الفئة الناقد العربي المعاصر شكري عيّاد، الذي يقول في كتابه “اللغة والإبداع” شارحاً هذا الموقف المتوسّط : “. . .  منهجنا منهج المنظور التاريخي، الذي يسجّل المتغيرات كما يسجّل الثوابت، ويعترف بالنسبي كما يعترف بالمطلق، ويرتكز على الوعي بالحاضر بدلاً من تقديس     الماضي “[48].

 

ويقف في هذا الصفّ نفسه عزّ الدين إسماعيل، الذي يعلن هذا الاعتدال في الرؤية في افتتاحه للعدد الأوّل من المجلّد السادس (1985) لمجلة فصول، وكان عندئذ رئيساً لتحريرها، وهو إعلان له قيمته ودلالته؛ ذلك أنّ مجلّة فصول هي الآن – ومنذ نشأتها عام 1980 – تمثّل موقف النقّاد العرب من الاتّجاهات والمدارس النقديّة المعاصرة، وتبيّن طبيعة صلتهم بها. يقول: “فلم يعد هناك مجال في وقتنا الراهن لانطلاق بعض الأصوات منادية بنوع من القطيعة الإبستمولوجية مع التراث. . .، فاهتمامنا بالتراث اليوم لا ينطلق من عاطفة أوليّة ساذجة تتمثل في الحنين إلى الماضي، وتعكس في جوهرها نوعاً من عبادة الأسلاف. وهو كذلك لا ينطلق من أي شعور بالقداسةلهذا التراث، يجعل الاقتراب النقديّ منه بمنزلة خطيئة لا تُغتفر. وكذلك فإننا لم نعد ننظر إلى التراث على أنه كيان موحّد مغلَق على ذاته، يُقبَل كلّه أو يرفض كلّه… إنّ تراثنا هو حصيلة ما حقّقه الإنسان العربي على مدى التاريخ من نجاح وإخفاق، ومن انتصار وانكسار؛ فاجتمع فيه الإشراق والإعتام، والحيوية والجمود، وكلّ فضائل العقل البشري ورذائله “[49] .

 

هذا الموقف المعتدل هو الذي نختاره دون غيره في نقد نظرية الجرجاني والحكم على قيمتها الحداثيّة – إن جاز التعبير -، ليس جرياً مع العبارة السائرة: “خير الأمور الوسط “؛ وإنّما لأسباب موضوعيّة وعلميّة خالصة. لا شكّ في أنّ “نظريّة النظم” هي أفضل وأرقى ما توصّلت إليه البلاغة العربيّة في تاريخا كلّه: قبل الجرجانيّ وبعده، وأنّها تمثّل تصوّراً متماسكاً ومنظّماً ودقيقاً لبناء البلاغة العربيّة. بل لعلّنا لا نبالغ إذا قلنا: إنّ البلاغة العربيّة – على طول تاريخها – لم تنتج أيّة نظريّة بلاغيّة – بالمعنى الصحيح والدقيق والعلميّ للكلمة – سوى نظريّة الجرجاني، وإذا قلنا – أيضاً – : إنّ الدارس لتاريخ البلاغة العربيّة لن يقف عند أيّة محطّة فيها وقوفَه عند محطة الجرجاني، دون أن يُفهم من هذا – من قريب أو بعيد – أننا ننكر قيمة الأعمال السابقة للجرجاني في التمهيد لنظريته، ابتداءً بالجاحظ وانتهاء بالقاضي عبد الجبار المعتزليّ، ولكنّ الأقدار اسعدته بأن كان هو الذي قطف الثمرة، ودون أن يُفهم – كذلك – أنّنا ننكر قيمة المحاولات التي سارت في اتّجاهات مغايرة لاتّجاه الجرجاني، ولكنّنا هنا نتحدث عن نظريّات، ولا أظنّ أنّه بإمكاننا أن نُثبت هذا المصطلح – إذا تحرينا النهج العلميّ والموضوعيّ – لأيّ من تلك المحاولات.

 

ولكنّ نظريّة الجرجاني -مع ذلك كلّه- ظلّت تقف عند حدود الجملة الواحدة، وإن تجاوزتها فإلى الجملتين أو الثلاث في مباحث الوصل والفصل. وأمّا النظر إلى النصّ بتمامه باعتباره وحدة أو نسقاً دلاليّاً متكاملاً، ثمّ تناول جزئيّاته في الإطار الكلّي لذلك النسق -فهذا ما لا مطمع في ادّعائه لنظريّة الجرجاني أو لأيّ تصوّر عربيّ بلاغيّ قديم؛ وإنّما هو من حظّ النظريّات البلاغيّة الحديثة، ابتداء بالبنيويّة التي قامت – في الأساس – على مفهوم “البنية” أو “النسق “كما ألممنا به في موطن سابق من هذا البحث. فليست نظريّة الجرجاني -كما ذهب إليه مندور، وعبد العزيز حمودة من    بعده -مضاهية لأفضل ما توصّلت إليه البلاغة الحديثة، ولا هي -في الوقت نفسه- قليلة الشأن كما يدّعي الغاضّون من قدرها، ومن قدر التراث العربي عامّة؛ ولكنّها كانت – بحق – مقدّمة أو نواة لنظرية بلاغية عربيّة فذّة، لو قُيّض لها من ينطلق منها ويتمّمها بعد الجرجاني، كانت – عندئذ – ستترقّى إلى نظرية ربّما تفوق كلّ النظريّات الحداثيّة اليوم، ولكنّها – وهذا ممّا يؤسف له – توقّفت عند الجرجاني.

 

المصادر والمراجع

المصادر:

• القرآن الكريم

• الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر(ت 255هـ): كتاب الحيوان. تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، د.ت.

• الجرجاني، عبد القاهر(471هـ): دلائل الإعجاز. قرأه وعلّق عليه: محمود شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة، د.ت.

 

المراجع:

• إبراهيم، زكريا: مشكلة البنية. سلسلة مشكلات فلسفية، مكتبة مصر، د.ت.

• حمودة، عبد العزيز:

– المرايا المحدّبة (من البنيوية إلى التفكيك). عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، نيسان 1998

– المرايا المقعّرة (نحو نظرية نقدية عربية). عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أغسطس 2001

• روبنز، ر.هـ: موجز تاريخ علم اللغة (في الغرب). ترجمة: أحمد عوض، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، نوفمبر 1997.

• ستروك، جون: البنيوية وما بعدها- من ليفي شتراوس إلى دريدا. ترجمة: محمد عصفور، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير 1996.

• عصفور، جابر: نظريات معاصرة. مكتبة الأسرة، القاهرة، 1998.

• العقّاد، عباس محمود: بين الكتب والناس، القاهرة، 1952.

• العقّاد، عباس محمود والمازني، إبراهيم عبد القادر: الديوان. ط4، دار الشعب، القاهرة، د.ت.

• عياد، شكري: اللغة والإبداع- مبادئ عام الأسلوب العربي. القاهرة، 1988.

فضل، صلاح: بلاغة الخطاب وعلم النص. عالم المعرفة، الكويت، أغسطس 1992.

• مندور، محمد: النقد المنهجي عند العرب. دار نهضة مصر، القاهرة، د.ت.

• ناصف، مصطفى: النقد العربي- نحو نظرية ثانية. عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،2000.

• نعيمة، ميخائيل: الغربال. ط15، نوفل، بيروت، 1991.

• الولي محمد: الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي النقدي. المركز الثقافي، بيروت، 1990 .

 

الأبحاث:

• إسماعيل، عز الدين: “أمّا بعد”، مجلة فصول، العدد الأول، المجلد السادس، 1985.


[1] الجرجاتي، عبد القاهر (ت471هـ): دلائل الإعجاز. تحقيق: محمود شاكر، مكتبة الخانجي، القاهرة، د.ت، ص34-35.

[2] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص36

[3] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص37

[4] سورة هود، الآية 44

[5] البيت للصمّة بن عبد الله القُشَيريّ، في شرح حماسة أبي تمام للتبريزي، ج3، ص114. نقلاً عن محقّق دلائل الإعجاز، ص47، حاشية1

[6] البيت في ديوان البحتري. انظر الحاشية 2 للمحقّق، ص47

[7] البيت في ديوان أبي تمّام. انظر الحاشية 3 للمحقّق، ص47 أيضاً.

[8] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص44-47

[9] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص53-54، وانظر بقية المعاني التي اختصرتْها الفقرة في الصفحات 49-56

[10] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص81-83

[11] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص83-86

[12] أي زهدهم في رواية الشعر وحفظه، وذمّهم الاشتغال بعلمه، انظر ص11 من المصدر نفسه.

[13] المصدر نفسه، ص28

[14] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 93

[15] ديوان البحتري، انظر الحاشية2 لمحقق دلائل الإعجاز، ص 93

[16] لم يقف المحقق على صاحب هذه الأبيات، انظر تعليقه عليها ص94، حاشية5

[17]الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص98

[18] المصدر نفسه، ص98

[19] المصدر نفسه، ص97-98، وقابل النصّ الذي اقتبسه من الجاحظ بفاتحة  كتاب الحيوان، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ج1، ص3

[20]الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص99-101

[21] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص 224-226

[22] المصدر نفسه، ص227-228

[23] علق عليه المحقق بقوله: “مشهور غير منسوب”، في الحاشية1، ص238

[24] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص238

[25] نفسه، ص240

[26] ديوان المتنبي. انظر الحاشية1 من حواشي محقق دلائل الإعجاز، ص244

[27] نفسه، ص242-245

[28] الجرجاني، دلائل الإعجاز، ص245

[29] ويمكن أن يُرجَع-أيضاً- في مفهوم البنية إلى: إبراهيم، زكريا: مشكلة البنية. سلسلة مشكلات فلسفية، مكتبة مصر، د.ت. وروبنز، ر.هـ: موجز تاريخ علم اللغة (في الغرب). ترجمة: أحمد عوض، عالم المعرفة، الكويت، نوفمبر 1997. وستروك، جون: البنيوية وما بعدها- من ليفي شتراوس ألى دريدا. ترجمة: محمد عصفور، عالم المعرفة، الكويت، فبراير 1996. وفضل، صلاح: بلاغة الخطاب وعلم النصّ. عالم المعرفة، الكويت، أغسطس 1992

[30] حمودة، عبد العزيز: المرايا المحدّبة (من النيويّة إلى التفكيك ). عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، نيسان 1998، ص187.

[31] عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة، ص 183-184.

[32] المرجع نفسه، ص 222

[33] نفسه، ص 223

[34] عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة، 225

[35] المرجع نفسه، ص 227.

[36] عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة، ص 228-230

[37] المرجع نفسه ، ص 233

[38] عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة، ص 253-254

[39] نعيمة ، ميخائيل: الغربال، ط15، نوفل، بيروت، 1991، ص47-49

[40] العقاد، عباس محمود والمازني، إبراهيم عبد القادر: الديوان، ط4، دار الشعب، القاهرة، ص121

[41] العقاد، عباس: بين الكتب والناس، القاهرة، 1952، ص 20

[42] عصفور، جابر: نظريات معاصرة، مكتبة الأسرة، القاهرة، 1998، ص 207.

[43] مندور، محمد : النقد المنهجي عند العرب، دار نهضة مصر، القاهرة، ص333-334

[44] ناصف، مصطفى: النقد العربيّ – نحو نظرية ثانية، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2000، ص 22

[45] الولي محمد : الصورة الشعريّة في الخطاب البلاغي النقدي، المركز الثقافي، بيروت، 1990، ص 66

[46] حمودة، عبد العزيز: المرايا المقعّرة (نحو نظرية نقدية عربية)،عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أغسطس 2001، ص 220

[47] المرجع نفسه، ص 243

[48] عياد، شكري: اللغة والإبداع- مبادئ علم الأسلوب العربيّ، القاهرة ، 1988، ص 9.

[49] إسماعيل، عز الدين : “أما بعد “، مجلة فصول، العدد الأوّل ، المجلد السادس،1985، ص4.