منتصف الليل/ مرح مجارسة

 

كان هذا الحبُّ

وكنا ندفن ألعابنا في التراب لنخبئها من مخالبِ الحرب
وكانوا يمضغون عروق السّماء ويلدغون بلفظِ أسماء قتلاهم
ويتبخرُ الرملُ في ساعاتهم وتتلفُ
كان هذا الحبُ
وكنا نشحذُ ألواناً وننتظرُ الصحو لنباغتَ الشفقَ الغافل بقوسِ قزحٍ
وكانوا يشحذون باروداً لبنادقهم المعقوفة ويوقدونَ الشتائم لوجه الله كلما تلعثم الموتُ في بندقيةً وأخطأ قبلتهُ فأصابَ شفاهاً بدلَ أخرى
كان هذا الحبُ يمسحُ بلعابهِ غبار ما بعد المعركة الطويلة وكنتُ أقبلُ دمعكَ أيها الناجِي المشؤوم وأجمعُ الصور المتآكلةَ عن خدكَ وأعيد تحميضَ شريطِ الحسرةِ الذي يمر سريعاً مثلَ سهوةِ في عيني عجوزٍ
يسودُ شعري الخمري عشيةَ صيفه الأخير..
كنتُ أتمنى أن تنفجرَ ليتشظى بكَ عنبي
كنتُ أتمنى فراقاً حزيناً وعنيفاً يليق بحربٍ طاحنةٍ كهذه..
كأن تطلبَ قبلةً عذبةً أشبه بلثعةِ ثعبانٍ توقظُ الموتَ الغافي في حوضِ فمي
وتقول كلاماً يقولهُ العشاقُ والشهداءُ في لحظاتهم الأخيرة..
لكنكَ تغادرُ الحبَ كما غادرتَ الحرب… بقلبٍ كلسيّ وشراعٍ زاهدٍ للرياح
وتقفلُ فستاني لآخره دونَ أن ترتجف.
لا رائحةَ لهذا الفراق الذي يخلع إثمهُ وينامُ عارياً في سريري.

…