مقام الخالق ومقام المخلوق/ محمد علوي المالكي

 

  إن الفرق بين مقام الخالق والمخلوق هو الحد  الفاصل بين الكفر والإيمان ،  ونعتقد أن من خلط بين المقامين فقد كفر والعياذ بالله .

  ولكل مقام حقوقه الخاصة ، ولكن هناك أمور ترد في هذا الباب وخصوصاً فيما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه التي تميزه عن غيره من البشر وترفعه عليهم ، هذه الأمور قد تشتبه على بعض الناس لقصر عقلهم وضعف تفكيرهم وضيق نظرهم وسوء فهمهم فيبادرون إلى الحكم بالكفر على أصحابها وإخراجهم عن دائرة الإسلام ظنا منهم أن في ذلك تخليطاً بين مقام الخالق ومقام المخلوق ورفعا لمقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقام الألوهية ، وإننا نبرأ إلى الله تعالى من ذلك ،  وإننا بفضل الله تعالى نعرف ما يجب لله تعالى وما يجب لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ونعرف ما هو محض حق لله تعالى وما هو محض حق لرسوله صلى الله عليه وسلم من غير غلو أو إطراء يصل إلى حد وصفه بخصائص الربوبية والألوهية في المنع والعطاء والنفع والضر الاستقلالي دون الله تعالى والسلطة الكاملة والهيمنة الشاملة والخلق والملك والتدبير والتفرد بالكمال والجلال والتقديس والتفرد بالعبادة بمختلف أنواعها وأحوالها ومراتبها

  أما الغلو الذي يعني التغالي في محبته وطاعته والتعلق به ، فهذا محبوب ومطلوب كما جاء في الحديث : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ) والمعنى  أن إطراءه والتغالي فيه والثناء عليه بما سوى ذلك هو محمود ، ولو كان معناه غير ذلك لكان المراد هو النهي عن إطرائه ومدحه أصلا ، ومعلوم أن هذا لا يقوله أجهل جاهل من المسلمين ، فإن الله تعالى عظم النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم بأعلى أنواع التعظيم فيجب علينا أن نعظم مَن عظمه الله تعالى  وأمر بتعظيمه ، نعم يجب علينا أن لا نصفه بشيء من صفات الربوبية ، ورحم الله القائل حيث قال :

          دع ما ادعته النصارى في نبيهم     واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

فليس في تعظيمه صلى الله عليه وسلم بغير صفات الربوبية شيء من الكفر والإشراك بل ذلك من أعظم الطاعات والقربات ، وهكذا كل من عظمهم الله تعالى كالأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وكالملائكة والصديقين والشهداء والصالحين ، قال تعالى  : )ومن يعظم شـعائر الله فإنها من تقوى القلوب  ( وقال تعالى : )ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه (

  ومن ذلك الكعبة المعظمة والحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام فإنها أحجار وأمرنا الله تعالى بتعظيمها بالطواف بالبيت ومس الركن اليماني وتقبيل الحجر الأسود  وبالصلاة خلف المقام  وبالوقوف للدعاء عند المستجار وباب الكعبة والملتزم ، ونحن في ذلك كله لم نعبد إلاّ الله تعالى ولم نعتقد تأثيرا لغيره ولا نفعا ولا ضرا ، فلا يثبت شيء من ذلك لأحد سوى الله تعالى .

  والحاصل أن هنا أمرين عظيمين لابد من ملاحظتهما ، أحدهما : وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم ورفع رتبته عن سائر الخلق ، والثاني : إفراد الربوبية واعتقاد أن الرب تبارك وتعالى منفرد بذاته وصفاته وأفعاله عن جميع خلقه ، فمن اعتقد في مخلوق مشاركة الباري سبحانه وتعالى في شيء من ذلك فقد أشرك كالمشركين الذين كانوا يعتقدون الألوهية للأصنام واستحقاقها العبادة  ومن قصر بالرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء من مرتبته فقد عصى أو كفر .

  وأما من بالغ في تعظيمه بأنواع التعظيم ولم يصفه بشيء من صفات الباري عزوجل فقد أصاب الحق وحافظ على جانب الربوبية والرسالة جميعا ، وذلك هو القول الذي لا إفراط فيه ولا تفريط

  وإذا وُجد في كلام المؤمن إسناد شيء لغير الله تعالى يجب حمله على المجاز العقلي ولا سبيل إلى تكفيرهم ، إذ المجاز العقلي مستعمل في الكتاب والسنة ، فمن ذلك قوله تعالى : ) وإذا تليت عليهم ءايته زادتهم إيمانا ( ، فإسناد الزيادة إلى الآيات مجاز عقلي لأنها سبب في الزيادة والذي يزيد حقيقة هو الله تعالى وحده ، وقوله تعالى : ) يوما يجعل الولدان شيبا ( فإسناد الجعل إلى اليوم مجاز عقلي لأن اليوم محل جعلهم شيبا فالجعل المذكور واقع في اليوم والجاعل حقيقة هو الله تعالى ، وقوله تعالى : )  و لا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا (  فإسناد الإضلال إلى الأصنام مجاز عقلي لأنها سبب في حصول الإضلال ، والهادي والمُضلّ هو الله تعالى وحده ، وقوله تعالى حكاية عن فرعون  : )  يا هامان ابن لي صرحا (  فإسناد البناء إلى هامان مجاز عقلي لأنه سبب ، فهو آمرٌ يأمر ولا يبني بنفسه ، والباني إنما هو الفعلة من العُمّال ، وأما الأحاديث ففيها شيء كثير يعرفه من وقف عليها ، وكان ممن يعرف الفرق بين الإسناد الحقيقي والمجازي ، فلا حاجة إلى الإطالة بنقلها ،  وقد قال العلماء : إن صدور ذلك الإسناد من موحد كاف في جعله إسنادا مجازيا لأن الاعتقاد الصحيح هو اعتقاد أن الخالق للعباد وأفعالهم هو الله وحده فهو الخالق للعباد وأفعالهم لا تأثير لأحد سواه لا لحي ولا لميت ، فهذا الاعتقاد هو التوحيد المحض بخلاف من اعتقد غير هذا فإنه يقع في الإشراك .