في البدءِ أقولُ: أحبكِ/ كمال عبد الحميد

في البدءِ أقولُ: أحبكِ

 

I

 

في البدءِ أقولُ: أحبكِ، وأنا أكره روحي المختبئة في الظلِ كطفلةٍ مذنبةٍ، روحي التي ورطتني في الحب، في قبضةِ الحرير والشوك. روحي الباكية بلا خجلٍ أمام عاطفةٍ قاسيةٍ تلوّح بالعصا.

أحبكِ، وأنا أتابع المسرح الكوني بشغفٍ، لا أتعاطف مع الأشرار كما تفعلين بعد كل فيلم عربي. الأشرار الذين يكرهون البطل والبطلة، ويدبرون المكائد في منتصف القصة.

ماذا أفعل الآن بكل هذا الشر حولنا؟ يلزمني أن أكره جيداً، لأجسد مضمون العقدة الدرامية، لن يكون ملائماً لأمثالي أن يتحدثوا عن التسامح، وهم محاصرون بالخذلان.

II

يعوزني أن أكره بعمقٍ أصحاب الأدوار الثانوية والرئيسية، وأنتبه حين تتحرك الكاميرا  (Pan Left)

لأن المخرج عادة ما يوصي بإظهار جهة القلب ليعرف المشاهد كم تبقى من الوقت حتى أسقط خاسراً

لحظتها سأموت في لقطة ( Close up)

سيكون وجهي ملء الشاشة

أنظر في عمق الكادر وأتمتم بكلمة واحدة

وسيخمن الناس آخر ما أقوله

ويلعنون النهايات المفتوحة

عبثٌ ألا تعرفي أنكِ آخر ما أقوله

عبثٌ أن تكوني بعيدة

حين يصفق المخرج للمشهد الأخير

لكنني سأحبك بعد نهاية الفيلم

سأحبك متحرراً من ضرورات السيناريو

هناك في الموت، بعيداً عن الكواليس

والأدوار التي نتقنها لأجل لا شيء

III

 

أحبكِ

وأنا أتنقلُ في عربةِ جسدي من طابقٍ لآخر، من غرفةٍ وصالةٍ، إلى ستديو بمطبخ أمريكي، لا أستخدمه إلا نادراً. أحبكِ هنا أمام برد الباب، خلف شياطين النافذة، بجوار ثلاجة الخيبة وجثث الأصدقاء الأنذال، في أنانية الشوارع التي تخبيء صوتك كهدايا لا ترد، هنا أمام الكيبورد المختنق برماد رخيص، رماد أجمعه في رئتيَ بشغف لا نهائي، على المقعد الذي يحتملني مجبراً وهو يصغي إلى أغنية أكررها عشرين مرة في اليوم، في اليأس الذي يجرني من قميصي، والسفن الغارقة بين أصابعي.