شعراء خارج الشعر/ سفيان حكوم

الشعراء / الأشباه ، أولئك الذين وفدوا من خارج الشعر / الابداع / التجربة في الأصل ، واستشروا في الصحف بوتيرة متصاعدة حتى لم يعد للإبداع العامي أي مكان الا عند مبدعيه ، وهم – أقصد المبدعين- أناس يحترمون قصائدهم ويجلونها عن المشاركة في هذا الذي يحدث ، ثم ان المبدعين قلة وبعضهم عزف عن النشر ترفعا ، أما بعضهم الآخر فيكتب في أوقات متباعدة ، ويمكن ملاحظة أن نشاطهم في تراخ يكاد يكون مستمرا ، ولست هنا لأتحدث عن هذه النقطة بالتحديد ، وإنما لأتحدث عن الشاعر الشعبي حسب ما استقيته بعيشي بدول الخليج خاصة الكويت وقطر ، هذا الشاعر الشعبي المستولد شعريا في كنف ذائقة تقليدية ، والمجند فنيا من قبل صحافة لا تنظر بعين المبدع الى الطرح الشعري المغاير شكلا ومضمونا ، بل تنظر الى السوق بعين التاجر ، ومن الطبيعي ان ينشأ من هذا الوضع ، معايير يتم بمقتضاها تغيير الوظيفة المفترضة للشاعر من باحث عن الجمال في العمق ، ومنقب أبدي عن الجديد والمبتكر ، الى متجمل ذي خيلاء شكلية في الخارج ، وهي معايير هدفها الأساس ترويج الشعر العامي باعتباره مادة ذات قابلية اقتصادية استهلاكية بالدرجة الأولى ، وفي معظم القصائد التي تنشر الآن ، نشاهد استجابة كبيرة لهذا النوع من الترويجية الرخيصة ، والمبتدئ اليوم ، حتى مع افتراض أنه سيكون مبدعا كبيرا ذات زمن ، يصعب عليه كسر هذه العقيدة التي أصبحت ايديولوجيا شرسة تقتل الابداع والمبدعين ، وتعلي من شأن الركاكة والتهريج والادعاء الأجوف . كما صار الشاعر /النجم/ هو الذي يفرد امامه سجله الذكوري ، مستعرضا من خلاله علاقته الفحولية بالمرأة ، دافعا بخطابه الشعري الى مدى بعيد في اعلان حروبه العاطفية معها ، وذكر مآزقه النفسية بسببها ، مؤزماً علاقة المرأة بالرجل على نحو فج ، وكأن المرأة لا يشغلها أي شيء آخر سوى ان تتلوى برقبة رجل ، وهذا النهج بالذات ضد حقوق المرأة بالأساس ، بل هو الى اقصى حد يحط من قدرها ، ويحولها الى ” ديلغادينا ” تحت تصرفه ، بحسب رؤية بطل رواية ” ذاكرة غانياتي الحزينات ” لماركيز. وهنا تجدر الإشارة الى أن المرأة التي نراها في قصائد هؤلاء ، لا علاقة لها بالمرأة الراهنة بوصفها انسانا ينتمي الى زمن حديث ومعقد ، و لا تمس حياة المرأة المعاصرة في تجلياتها المعرفية ، فامرأة القصيدة الشعبية عند هؤلاء غانية ، لعوب ، سطحية ، غبية ، أمية ، مظهرية شكلية ، عاطلة عن العمل ، أو تعمل لكنها غير منتجة ، كائن ليلي يسهر حتى الصباح في الثرثرة ، لا تحس بما يدور حولها ، ليست لها علاقة بالوفاء ، انها امرأة تدل على اعتلال المخيلة الشعرية التي أنتجتها من ناحيتين :

– الأولى يمكن ان نسميها الارتهان الى النموذج الساكن.

– والثانية فقدانها شرط الحياة الضرورية لأي شعر يريد ان يتمثل هموم عصره .

في اعتقادي ، كل من يكتب قصيدة عامية هذه الأيام مطالب بمساءلة نفسه بموضوعية وبمنتهى الصدق : أين هو موقعي بالضبط ؟ هل أنا مع أولئك الأشباه ، أم انني مختلف عنهم ، لأن ثقافتي ووعيي ، ومفهومي عن الشعر والانسان ، وقضايا العصر تختلف عن تصوراتهم ومفاهيمهم ؟؟… ولمن يطلق عليهم / صحافة الشعر العامي / “نجوما” ، أقول : لا تفرحوا كثيرا ، فمنذ ان وجدت هذه الصحافة إلى اليوم لم نعرف ولم نسمع أنها اعتمدت في استباناتها واستفتاءاتها على مراكز احصاء معروفة ومستقلة وحيادية ، وكل الذي يحدث هو أن المياه تمر من تحت الجسر هادئة ، والنتيجة محسومة سلفا ، وفي الواقع ، ليس الشاعر النجم هو بالضرورة من يحصد المركز الأول في مثل هذه الاستفتاءات ، وانما قد يكون شاعرا آخر لم يدرج اسمه ضمن القائمة المطروحة للاستفتاء اما بمزاجه واما بمزاج الجهة المسؤولة الواقفة خلف هذا النشاط .

سفيان حكوم/ صحفي و كاتب