سراديبُ الموتِ/ فهمى بلطى

 

 

أعمل طبيبا جنائيّا في مستشفى جان دارك،

 أشرّح جثث المقتولين المرميّين في الغابات و الكهوف و الأنهار،

 أو المغدورين برصاص مطلوق من العتمة،

 أو من النّور.. مثلما أصبح يحدث الآن،

أو المعثور عليهم : مّيتينَ في البادروم ..

و إلى جانبهم كثير من علب الدّواء الفارغة،

 أو معلّقةَ أجسادهم في شجر الصّنوبر أو الزّيتون بحبل الأغنام ،

أو سلك الكهرباء أو رباط الحذاء العسكريّ أو..

 كلّ من ماتوا و فاحت من أجسادهم رائحة الجريمة، أفتح جماجمهم بمنشار كهربائيّ،

و آخذ عيّنة من خلاياهم العصبيّة بالملقط ..

أفتح صدورهم بنفس المنشار، و أمسك قلوبهم و رئاتهم بيديّ المختبئتين في قفّازين..

 أشقّ حناجرهم و قصباتهم الهوائيّة ثمّ أجوب بطونهم بالبيستوري الكهربائي،

 أفرغ دماءهم في وعاء بلّوري بملعقة كبيرة..

 قد تذكّركم بملاعق الحساء الضّخمة في الثّكنات أو السّجون أو ملاجىء الأيتام،

 أخرج أمعاءهم كي أفحص شرايينها.. أو أبحث عن انسداد في إحدى منعطفاتها …

في النّهاية أخيط أجسادهم، و أقفلها كأنّ شيئا لم يكن،

 و أنتظر نتائج المخابر..

 أحيانا أخاف أن أموت ميتة غامضة، فيشرّحني أنا أيضا طبيب جنائيّ ..

و أحيانا لا أخاف ،

فقط , يهرب منّي وجودي كي يتثاثر في الكون..

 و أفقد أنا حينها إحساسي المركزيّ بذاتي ،

أنا أعمل طبيبا جنائيّا في مستشفى جان دارك..

 مثل كثير من الأطبّاء الجنائيين الذّين يعملون في مستشفيات كثيرة،

 تسمّى أيضا جان دارك..

يشرّحون الكثير من الأجساد الخالية – أمامهم- من الرّوح و الذّاكرة،

 مثلما كان يحدث منذ آلاف السّنين، في الكثير من الأمكنة على هذا الكوكب،

 الذّي عمره آلاف الملايين من الأعوام …

 الميّتون موتا مشبوها ..

ستصبح أجسادهم بعد أن يدفنوا مثل أجسادنا : سميدا لأشجار الزّعرور و أزهار البنفسج و أعشاب ” البوحليبة “

أنا أعمل طبيبا جنائيّا في مستشفى جان دارك،

 لي حبيبة مثلكم،

 أسمع مثلكم موسيقى ،و مثلكم أيضا,

أكتب الكثير من القصائد الرّديئة.