ديوان نتقاتل للتسلية. كاظم خنجر/ علياء سروجي

 

الشعر ذاكرة و تاريخ طويل من التحول الفكري بين الحقيقة والخيال في وجدان الشعور الإنساني الجمعي العاطفي والتقريري بأداة تدعى اللغة، عندما قرأت ديوان كاظم “نتقاتل للتسلية” أردت في البداية أن أقربه من رامبو في ديوانه “فصل في الجحيم” و بعيدا عن رسومات مؤلمة متقاربة في الدلالة حواها كل من الديوانين بالإضافة للتقارب بين وجهة النظر الإنسانية والإبداعية بين الشاعرين، وجدت اختلافا كبيرا بين شاعر كتب في فترة ألق الشعر واستخدمه كسلاح لطرح رؤيته الشخصية وبين شاعر يحمل جثة الشعر نازفا ومنبوذا على رصيف بشرية تأسس لموت الشعر ويحاول إنقاذه بشتى الطرق الإبداعية بعد أن صار الصوت الشعري نافذة قديمة هامشية يتم طليها بألوان حداثية كي تبدو صالحة لديكور منزل الإنسانية الجديد.
في ديوان ” نتقاتل للتسلية” لا يتوقف كاظم عن صدمك بالواقع صورة بعد صورة ولا يتقصد بأن يتعب تفكيرك بمعاني اللغة إنه يقدم لك اللغة طازجة والنص جاهزا شديد الظهور في الغالب لقربه من الحياة اليومية التي يمكن أن يعيشها أي فرد في مجتمع يعاني ويلات الحرب.

في الحصار كنا عراة
لم تنتبه لنا
نحن أولادها
أمنا التي سكبت سنواتها على ماكنة الخياطة

إنه شاعر المأساة النازفة والذي يكشف بشجاعة انكسارنا كعرق متنازع فيما بينه على الزوال والألم.

يوم خامس
مثلما اكتشفوا مئات الطرق الجديدة للتذابح
اكتشفنا مئات الطرق الجديدة للبكاء
حد أننا نترك عيوننا تقف ونسيل منها

لا يتردد كاظم عن كشف تورطه السير على دروب شعراء العراق الثأرين على مجتمعهم والذين سبقوه من أمثال أحمد مطر ومظفر النواب بأسلوب حداثي أكثر قربا من مرحلتنا النقدية المتأثرة بمتطلبات قصيدة النثر الحالية معتمدا في شعره على الرمز بالإضافة إلى الصورة الشعرية الكلية. يقول رولان بارت أحد مؤسسي النقد الأدبي المعاصر: “إننا لنعرف الآن أن النص ليس سطرا من الكلمات، ينتج عنه معنى أحادي. ولكنه فضاء لأبعاد متعددة، تتزاوج فيها كتابات مختلفة وتتنازع، دون أن يكون أي منها أصليا: فالنص نسيج لأقوال ناتجة عن ألف بؤرة من بؤر الثقافة”.{1}
وهو ما نجده جليا في النص الذي يحتويه الديوان الذي حشد فيه كاظم مشاعر وصور تنم عن حرفية ثقافية خلاقة وغنية في لغتها ومنهجها البنيوي في قصيدة ما بعد حداثية

كلما رأيت شخصا أحدب
قلت هذا من العراق
فظهورهم تقوست من فرط الانحناء على الجثث

يرصد الشاعر لحظات عقيمة في وجدان الوقت أثرت على تشكيل قاموسه الشعري، بداية من أسرة متأذية بأحداث الحرب مرورا بأزماتها الانسانية من حصار وهجرة ثم ما تلاها من مسارات مغلقة من الفقد والألم النفسي

في كل يوم
أسكب الماء على ظهري
كي أسقي طعناتك

في آخر قصيدة يقدم بعد كم القسوة التي حواها الديوان شيئا عن الحب بمثابة صدمة أخيرة للقارىء عن حبيبة لا نعرف إن كانت حقيقية أم من خيالات طافحة بالأشباح.

أقنعتها ببيع غرفة النوم
وأخبرتها بأن ترك الملابس على الأرض هو نوع من أنواع الحب
بينما نتحدث عن ذلك وأشياء أخرى
يُمرر الموت لسانه بيننا
نحن الفراغ الذي خلفه سن مقلوعة

 

{1}، نصر محمد عارف، نظريات التنمية السياسية المعاصرة، المعهد العالي للفكر الإسلامي. 1993م