ديوان الشعر امرأة_ علياء سروجي/ د. هويدا صالح

 

الخطاب النسوي واسترفاد أساطير النساء في “الشعر امرأة”

إن سؤال الكتابة الأهم هو القدرة على تحرير الذات المبدعة، أجل أن يصبح هذا التحرير تحررا مما تعانيه الذات من مشاعر كامنة في اللاوعي الذاتي، مشاعر تضمرها الأنا. وقد يصبح سؤال الكتابة لعبا جادا مع الوعي بطبيعة الماضي والتاريخ والتراث. وقد يدفع سؤال الكتابة المبدع إلى التمرد على البقاء في سطوح الأشياء، بل هو دعوة للغوص في الأعماق. وقد تصبح الكتابة إعادة لترميم الذات، كما هي إعادة لترتيب العالم من جديد وفق رغبات جديدة ومختلفة. وقد تصبح الكتابة مساءلة للوجود وطرح قضايا تشتبك مع الوعي الفردي والوعي الجمعي للمجتمع الذي تنتمي إليه الذات المبدعة. ربما تصلح هذه المقدمة مدخلا لمقاربة ديوان الشعر امرأة حيث تطرح الشاعرة قضايا الذات، سواء التي تمثل لها قلقا وجوديا أم تلك التي تمثل تاريخها
الأكثر توغلا في الزمن، قريبه وبعيده. تطرح الشاعرة أسئلتها وقلقها من خلال أنسنة عناصر الطبيعة وتطرح من خلالها قضاياها الوجودية والفكرية. تخاطب الشاعرة الظلام برمزيته وتحمله مسؤولية كل ما تمر به الذات من تعاسات وأزمات، فهو الذي أخرس قطها البرئ، كما أنه من ضيع عصفورها وقطف أقحوانها وجعل ياسمينها يرتجف:
أيُّهَا الظَّلامُ
مِنْ أيْنَ تَأتِي بالْعِنَادِ؟
أَخْفَيْتَ حَبَّاتِ الْكَرْزِ
أَخْرَسْتَ قِطَطِي الْبَرِيئَةَ
أَيْنَ عُصْفُورٌ وَاعَدَنِي خِلْسَةً؟
أَيْنَ أُقْحُوَانَةٌ اسْتَحَلَتْ سَاعِدِي؟
النَّسِيمُ الْحُلْوُ يَرْتَجِفُ فَوْقَ خَدَّيَّ
فِيمَا أَسِيرُ فَوْقَ رَابِيَةٍ
تَشُقُّ دَرْبَ التَّبَّانَةِ بِعِطْرِ الْأَزَلِ.
ولأن الظلام مخيف هكذا تبحث الذات عن مخارج لخوفها وقلقها، فيبرز النهر بتحميله رموز الحياة والخصب والنماء، فالنهر عبر المخزون الأسطوري له في الذاكرة الجمعية مصدر الأمان وطارد الخوف، تلجأ إليه الذات من خلال المحمول الثقافي له في لا وعيها الجمعي كي تستمد منه الأمان، ضد الخوف من العتمة والظلام:
النَّهْرُ لا يَخَافُ الْعَتْمَةَ …
النَّارُ لا تَنْطَفِئُ في أَعْمَاقِ المُحِيطِ
واللَّيْلُ كَفَّ عَنْ إِخَافَتِي
أَنَا لا أَخَافُكَ.
وحين تشعر بالأمان الذي منحه لها النهر، تنتقل إلى مناجاة النهار، الذي هو ضد العتمة والظلام، ورغم كل ما يحمله النهار من الأماني والأحلام الضد التي تواجه الظلام، إلا أن الذات لا تريد منه سوى أحلام بسيطة، لكنها أحلام أكثر إنسانية، أحلام لصيقة بذاتها العميقة:
أَيُّهَا النَّهَارُ …
لا أُرِيدُ أَنْ تَكَشِفَ بِلَادَ الْأَرْزِ
الَّتِي غَمَرَتْهَا السَّوَاقِي
وَلَا قُصُورَ الغَيْمِ المَحْفُوفَةَ بالْحَدَائِقِ
أُرِيدُ أَنْ تُبْقِيَ عَيْنَيَّ مَفْتُوحَتَيْنِ
عَلَى مَصْطَبَةٍ مِنْ رُخَامٍ حَطَّ عَلَيِهَا الْحَمَامُ
ثُمَّ غَادَرَ دُونَ مَوْعِدٍ.
وحلم الذات بفتح العين إشارة دالة على مساحة الوعي بأحلامها البسيطة التي تمتلكها الذات الشاعرة، وعينيها المفتوحتين تناسب الحقل الدلالي للنهار، وتضاد الحقل الدلالي للعتمة والظلام. خطاب نسوي يسترفد تاريخ المرأة شاعرة، وفيلسوفة ولأن الذات الشاعرة تبحث عن ذاتها الأعمق، ذاتها التي نسيتها أمام حربها ضد العتمة والظلام، فهي تستلهم شاعرات وفيلسوفات لهن في الذاكرة الإنسانية رصيدا معرفيا شديد الدلالة على صراع الذات في مواجهة العالم، فتسترفد الشاعرة اسمي شاعرتين لهما رصيد معرفي، تتماهى معهما، ويحضران بمحمولاتهما الثقافية في النص، إنهما : الشاعرة الإغريقية سافو التي تميزت بأسلوب ولغة شعرية ساحرة، والشاعرة السورية الفينيقية بيليتس، وهما شاعرتان عاشتا قبل الميلاد، وكل منهما كان لها مشروعها الإبداعي الذي تتماس معه الشاعرة، وحينما تذكرهما في نصها يحضران إلى ذاكرة المتلقي بمحمولاتهما الثقافية. كما أنها تستحضر شخصية الفيلسوفة المصرية وعالمة الرياضيات هيباتيا، وهذا الاستلهام أو الاسترفاد يساعد الشاعرة على تقديم خطاب نسوي يكشف معاناة المرأة عبر التاريخ، وقدرتها على مواجهة العالم سواء عبر خطاب جمالي مثلما فعلت كل من سافو وبيليتس أو خطاب معرفي كما فعلت هيباتيا. تسترفد شخصية سافو فتقول:
سافو
طَرِيقُ الْهَوَى مُمْتَلِئٌ بِالْمَذَابِحِ
فِيمَا أَلْمَحُ بَيْنَ السُّهُولِ مَلَائِكَةً
تَسْبَحُ فِي غَدِيرِ جَسَدِكَ الشَّفَافِ
المَوْتُ خَائِنٌ أَجْبَرَنِي
على امْتِهَانِ الْيَقِينِ فِي قَعْرِ الْعَدَمِ
وَحْدَهُ قَلْبِي عَادَ مِنْ هُنَاكَ
مُغَيِّرًا دَمَهُ إِلَى ضَوْءٍ.
ومع أن الشاعرة تؤكد على عدم يقينية ما تطرح من رؤى، وأنه ليس قولا نهائيا، إلا أنها تراهن  على طرح الأسئلة أكثر من بحثها عن إجابات. وكما تماهت مع شخصية سافو كذلك تفعل مع الشاعرة بيليتيس، حيث تقول:
أَطْعِمِيهُمْ مَوَائِدَكِ لِيَرِقَّ جِلْدُهُمْ
قَبْلَ أَنْ يَجِزُّوا التِّلَالَ بِالمَنَاجِلِ
قَبْلَ أَنْ يَصُبُّوا الْحَدِيدَ سَكَاكِينَ
قَبْلَ أَنْ يُتْقِنُوا الشَّرَ فِي مَحَارِيبِ الْعِبَادَةِ
قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا إِلَى مَمَالِكَ مِنْ رَمَادٍ
بَعْدَ أنْ يَجْنُوا مِنَ الشَّمْسِ عُذْرِيَّتَهَا
قَبْلَ أنْ أُهْدِيَكِ كهنوتَ قَلْبِي
فَأمْنَحُكِ عِطْرَ الْفَرَاغِ فِي الْوُجُودِ
المُتَعَمِّدِ اسْتِنْشَاقَ آلامِي وَصُرَاخَكِ.
ثم تنتقل الشاعرة من التناص مع الشاعرات بمشروعهن الإبداعي واللاتي مثّلن تفاعلات نصية في فضائها الشعري إلى التناص مع فيلسوفة كان لها مشروعها الفكري والفلسفي، لتحضر في النص بتاريخها المعرفي، إنها الفيلسوفة المصرية هيباتيا التي تخصصت في الفلسفة والرياضيات، ودرّست في جامعة الإسكندرية،وكان يحضر دروسها ومجلس علمها كبار رجال الإسكندرية، لكن الكهنة المسيحيين رأوها وثنية تشرح فلسفة أفلاطون وأرسطو، فحكموا عليها بالإعدام، بل وسحلوها وأحرقوا أشلاءها :

هيباتيا
لَمْ تَخْتَارِي الزَّمَنَ الْخَطَأَ
لَكِنَّهُمْ اخْتَارُوكِ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ
السَّاكِنِ فِي بُقْعَةِ دَمٍ
فَوْقَ مَحْرَمَةٍ بَيْضَاءَ رَمَيْتِها بَعِيدًا
الْبَارِحَةَ لَمْ أَعُدْ لِلْبَيْتِ
الرِّجَالُ الذِّينَ قَذَفُوكِ بِالْحِجَارَةِ
مَا زَالُوا يَتَرَبَّصُونَ بِكُلِّ امْرَأةٍ
تَمْلِكُ وَجَهًا شَارِدًا.
بعد، تأتي بهذه الشخصيات النسوية التاريخية إلى فضائها النصي، تتمثل موقف الذات، ليس فقط من الخطاب النسوي الذي تجلى على لسان هه الشخصيات، بل موقف الذات تجاه العالم، فالذات التي ما زالت تنتظر لحظات وجودها الإنساني، تقرر أن تتخلص من عبء أنوثتها التي تقيد خطوها إلى الأرض، وهي تبغي التحليق عاليا حيث التحرر من ربقة البطء والثقل:
فِي انْتِظَارِ فَرَاشَةٍ تَحُطُّ فَوْقَ شَوْكَةٍ يَابِسَةٍ
فِي انْتِظَارِ أَلَمٍ يُعَادِلُ الْأَرْضَ
فِي انْتِظَارِ مَوْتٍ مَا
أَجْلِسُ لِأَقُصَّ ضَفَائِرِي أَمَامَ الْبَحْرِ
هُنَاكَ أَشْيَاءُ أَهَمُّ مِنَ الشَّعْرِ الطَّوِيلِ
لِحُورِيَّاتِ الْيَابِسَةِ
أَهَمُّ مِنَ الْأجْنِحَةِ لِلْحَافِيَاتِ فَوْقَ الرِّمَالِ.
كذلك تستحضر الشاعرة شخصية جان دارك القديسة الفرنسية التي نجحت في قيادة الجيش الفرنسي، وحققت انتصارات عدة خلال حرب المائة عام، ثم قُبض عليها بعد ذلك، وأُرسلت إلى الإنجليز، وحوكمت بتهمة العصيان والزندقة والسحر، ثم أُعدمت حرقًا بتهمة الهرطقة وكانت تبلغ 19 عاما آنذاك. تستنهض الشاعرة روح المقاومة من خلال التناص مع شخصية جان دارك ومقاومتها لأعداء وطنها، فتتوجه إليها بالخطاب وتطالبها بأن تحمل سيف المقاومة لتنقذ الوطن من أعدائه. تتخذ الشاعرة شخصية جان دارك تكأة، لتكتب خطابا مقاوما يستنهض روح المقاومة والفداء:

جان دارك
احْمِلِي سَيْفَكِ واتْبَعِينِي

صَوْتَ الصُّرَاخِ فِي مَهْجَعِ الأَسْرَى
أَنَّ الصُّرَاخَ كَانَ نَزِيفًا
ويَعْرِفُونَ جَيِّدًا
كَيْفَ تَمَّ إسْكَاتُ الأجِنَّةِ
الْكَأْسُ مُمْتَلِئَةٌ بِدَمِ أَبِينَا
سَيُشْعِرُكَ بِالغَثَيَانِ
أَغْمِضِي عَيْنَيْكِ واشْرَبِي
نَحْنُ الذُّرِّيَّةُ الْبَارَّةُ 

استلهام الأساطير الإنسانية، لا تكتفي الشاعرة بالتناص مع الشخصيات النسوية من الشاعرات والفيلسوفات، بل تتناص كذلك مع نساء الأساطير مثل ميدوسا الجميلة، التي مارست الجنس مع بوسيدون في معبد آثينا وهذا ما جعل آثينا تغضب، فحولتها إلى امرأة بشعة المظهر كما حولت شعرها إلى ثعابين وكان كل من ينظر إلى عينيها يتحول إلى حجر. فهل تحول التعاسات والفقد الذات الشاعرة إلى ميدوسا جديدة؟ أم أن الخطاب الجمالي الذي تقدمه كتابة الشعر لامرأة الشعر قادر على أن يكون مركب الإنقاذ لتلك الروح الفقيدة المفقودة؟:
آنَ أَلَّا أَكُونَ
فَأَعُودَ إِلَى المَفْقُودِ
آنَ لِلْفَنَاءِ أَنْ يَفْنَى
أَجْلِسُ وَحْدِي أَشْرَبُ رَاحَ السُّمُومِ
بَنَاتُ الآلِهَةِ غَاضِبَاتٌ قَدْرَ بُذُورِ الشَّرِ
فَوْقَ صَدْرِ الْجَحِيمِ العَارِي
يَلْعَنَّ مَنْ تَقَاسَمُوا الْبَحْرَ وَالصَّيْدَ والرِّيَاحَ
تَارِكِينَ اللَّبَنَ المَسْكُوبَ

وَمِيدُوسَا فِي حَلْقِ أَقْبِيَةٍ مُظْلِمَةٍ.
فهل يمكن للشعر أن يعيد الحياة لامرأة سلبت منها الحياة ذات غضبة من آلهة تشعر بالمكايدة من البشر؟ فهل يمكن للشعر أن يخرج ميدوسا من الأقبية المظلمة إلى ضياء الحياة؟!. كما تتناص الشاعرة مع أسطورة الخلق، ونزول آدم حواء من الجنة بعد أن أكلا من الشجرة المحرمة، وقصة قتل قابيل لهابيل:

لِنَعْتَرِفْ يَا صَدِيقَتِي أَنَّنَا بَنَاتُ القَتَلَةِ
الآكِلِينَ التُّفَاحَةَ قَبْلَ اكْتِشَافِ الْجَرِيمَةِ…
طُمِسَتْ مَعَالِمُ الوَاقِعَةِ
عَلَى يَدِ غُرَابٍ
لَمْ يَنْتَبِهْ أَحَدٌ أَنَّهُ مُجَرَّدُ غُرَابٍ
فِيمَا الْتَزَمَتْ النِّسَاءُ مَخَادِعَهُنَّ
مُدَّعِيَاتٍ
مَشِيئَةَ الرَّبِّ بِالانْقِيَادِ
حَوَلَ الْوَعْلِ الَّذِي يَسْتَطِيعُ وَحْدَهُ
قَضْمَ أَطْرَافِ شَجَرةٍ شَامِخَةٍ
ليليث زَوْجَةُ أَبِينَا
بَقِيَتْ مُخْلِصَةً لأَبِينَا
كُلَّ لَحْظَةٍ بِمَوْتِ طِفْلٍ
وكُلَّ زَمَنٍ بِمَوْتِ شَعْبٍ
أَبُونَا يَبْكِينَا فِي السَّمَاوَاتِ
يَعْرِفُ أَنَّنَا مِنْ أَصْلابِ القَتَلَةِ.
تساءل الذات الشاعرة الوجود بسؤالها عن هوية أبناء آدم، فإذا كان قابيل الذي يمثل الشر قتل هابيل الذي يمثل الخير، فهل نكون نحن أبناء القاتل؟ وهل يمكن في يوم أن ينتصر الخير الذي ذهب قتل هابيل، ويندحر الشر الي بقي بعد أن ارتكب جريمة قتل أخيه؟!. لا تغيب الإجابة طويلا، فلا أحد ينجو، فنحن أبناء القاتل لابد أن ندفع الثمن، ولا شعر يمكن أن يطهرنا من جريمة تلاحقنا منذ بعيد. إن الشاعرة تدين الإنسانية كلها، فلا فرق بين قاتل تقطر من بين أصابعه دماء ضحاياه وبين قاتل يلف كفيه وصابعه بقفازات بيضاء، كلاهما قاتل، وكلاهما يغتال الإنسانية بطريقته:
لا أَحَدَ يَنْجُو

الْقَاتِلُ أَوَّلُ مَنْ يَقْتُلُ نَفَسَهُ
فِي وَقْتٍ يَسْبَحُ فِيهِ السَّادَةُ مَعَ التَّمَاسِيحِ
فِي بُحَيْرَةٍ شَمَالِيَّةٍ
وَالْبَارُونَاتُ يَخْلَعُونَ أَكُفَّهُمْ الْقُمَاشِيَّةَ الْبَيْضَاءَ
وَيَرْمُونَهَا بَعِيدًا
عَنْ أَرْضٍ نَزَحَتْ إِنْسَانِيَّتُهَا إِلَى مَقْبَرةٍ ثَانِيَةٍ.
ولأن الذات اللشاعرة تمثل الصوت النسوي المقصى عبر العصور، الصوت المكتوم والمدان، فهي تدين بشكل واضح من قام بهذا الإقصاء والتهميش، إنه الرجل مشعل الحروب والحرائق، القاتل التاريخي والأبدي، إنها هنا تمثل صوت المرأة التاريخي الذي يبحث في جذور العلاقة الشائكة بينها وبين الرجل:

الْجَرِيمَةُ تَبْدَأُ بِرَجُلٍ
الإدَانَةُ تَبْدَأُ بِامْرَأَةٍ
لَسْتُ جَامِعَةَ ضَرَائِبَ فِي المَلَكُوتِ
لَسْتُ سِوَى سُنُونَةٍ فَقَدَتْ جَنَاحَيْهَا
فِي عُنُقِ سَاعةٍ رَمْلِيَّةٍ
لا أَمْلِكُ مَهَارَةَ صُنْعِ فَأْسٍ لِكَسْرِ المَاءِ
فَيَنْبَثِقُ الْفَيَضَانُ فِي آذَانِ المَوْتَى
لا أَمْلِكُ مِنَ الشَّرِ سِوَى الالْتِفَافِ حَوْلَ الضَّوْءِ
نِصْفِي رَجُلٌ وَنِصْفِي امْرَأَةٌ
يَتَصَارَعَانِ عَلَى اللَّانِهَايَةِ الْخَرقَاءِ
أَمُوتُ كُلَّ يَوْمٍ,
لا تكتفي بإدانة الرجل القاتل الأبدي مشعل الحرائق، بل تسترفد من تاريخ النساء ما يُخبر عن جرائمه ضد النساء، فمارلين مونرو إن هي إلا قتيلة رجل دفعها للانتحار، وكذلك فيرجيينا وولف التي أثقلت جيوبها بالحجارة ونزلت إلى النهر إن هي إلا صريعة رجل، فالرجل القاتل والمرأة المدانة، هكذا أخبرنا تاريخ الإنسانية الممتلئ بالصريعات والقتيلات والمدانات:
حِينَ تَشْهَقُونَ
أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ مارلين
لَنْ تَلْتَفِتَ
لَنَ تَجْرَحَ فَكَّهَا مَرَّةً ثَانِيَةً 

لَنْ تَرْفَعَ فُسْتَانَهَا الأَبْيَضَ مَرَّةً ثَانِيَةً
لَنْ تُقْدِمَ عَلَى الانْتِحَارِ مَرَّةً ثَانِيَةً

فرجينيا ابْنَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ
فَوْقَ فِرَاشٍ حَقِيرٍ
الْجُثَّةُ مَازَالَتْ حَيَّةً
تَتَلَوَّى كَأَفْعَى مَقْطُوعَةِ الرَّأْسِ 
الْجُمْهُورُ يُصَفِّقُ  
لِلْكُتُبِ الَّتِي تُولَدُ فَوْقَ الْجُثَّةِ
الْوَرَقُ لَمْ يُخْفِ الرَّائِحَةَ الْبَغِيضَةَ
بَعْضُهُمْ قَالَ: الْغَرَقُ عَوْدَةٌ لِلرَّحِمِ
بَعْضُهُمْ قَالَ: لا تُوقِظُوا المَوْتَى   
الْحِجَارَةُ الَّتِي أَثْقَلَتْ الْجُيُوبَ وقْتَ الغَرقِ
قَالَتْ: يَوْمًا مَا عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ 
سَأَرْجُمُكُمْ جَمِيعًا.
ثم تختتم الديوان بقصيدة تكشف فيها تصورها عن الحب، الحب الذي هو وسيلة الرجل دوما لينال من المرأة. باسمه ذلك الحب ترتكب الجرائم بحق النساء. إنها إدانة نسوية واضحة للتاريخ الدموي بين الرجل والمرأة، التاريخ الذي قام فيه الرجل بدور الجلاد والمرأة بدور الضحية:
الْحُبُّ
ذِئَابٌ أَنِيقَةٌ تَلْبَسُ فِي أَعْنَاقِهَا سَلَاسِلَ حَمْرَاءَ
يَجُرُّهَا الْعَالَمُ الْعُلْوِيُّ مِنْ أَعْلَى سَمَاوَاتِهِ
وَتَبْسُطُ لَهَا الشَّيَاطِينُ في الأسفل كُلَّ الدَّهَالِيزِ.

 

د. هويدا صالح