خمس قصائد للشاعرة الهندية: مامتا ساجار / ترجمة: عاطف عبد العزيز

  1. قصيدة نهر

فِي النَّهرِ سَماءٌ وسحابةٌ

وشمسٌ باردة،

فإذا ما قبضتُ شيئًا من مائهِ

ثُمَّ نفضتُ يديَّ،

تناثرَ النَّهرُ قطراتٍ،

وتبعثرَ حولي نثارُ السَّماءِ والسَّحابةِ

والشَّمس.

وإذا ما شربتُ النهرَ مِن كَفَّي،

تكونُ السَّماءُ والسَّحابةُ والشَّمسُ

قد صارتْ كلُّها داخلِي.

أخبروني إذن،

من يا تُرى داخلَ مَن؟!

 

 

  1. المطر

بكاءٌ!

المطرُ ينتحبُ

مثلما ينتحبُ وجدانٌ مكلومٌ.

يهطلُ إجهاشةً تلوَ إجهاشة.

تنهمرُ علينا الكآبةُ واليأسُ

ككراتِ البَرَد.

وتتنزلُ الأحزانُ مثلَ وابل.

المطرُ أيضًا،

يرتِّقُ ما تمزقَ مِن وجدانِي.

فهاهي أغنيتي

تغرسُ في ذلك المطرِ الذي لا ينتهي قصيدةً،

وخيطًا لا ينقطعُ من الكلماتِ

والكلماتِ

والكلمات.

المطرُ يتدفق،

والغناءُ ينسابُ مُبلِّلًا كلَّ الأمكنة.

وهاهم الأطفالُ تحتَ المطرِ يُفتِّشونَ عنِّي

وهم مستغرقونَ تمامًا في أغنيتي،

بينما السطورُ التي كتبتُها

تبينُ كابتساماتٍ رطبةٍ على شفاهِهم.

..

المطرُ ثانيةً،

ينهمرُ ثانيةً،

قطرةً .. قطرةً

كلمةً .. كلمةً

فِي سِياقِ الأغنية.

 

 

  1. المطر مرةً أخرى

أنا وهو.

وثمةُ بللٌ يقبعُ فِي المسافةِ بينَ جسديْنا

الملتحمَيْن.

فأتذكَّرُ،

تلك الغاباتِ الكثيفةَ فِي بِلاده.

أشجارٌ عاليةٌ،

أعشاشُ حُبٍّ على كُلِّ غُصنٍ.

“إنها تمطرُ كهذا هُناكَ أيضًا”

كانَ يهمسُ.

خصلاتُ شعرِهِ السوداءِ الجَعدةِ

تداعبُ جبهتي،

وأنا أهمسُ:

” إنها تُمطرُ هكذا هُنا أيضًا”.

وكانَ البرقُ وقتَها يملأُ الأحداقَ،

والرغبةُ تنهمر.

أنفاسِي الساخنةُ تلهو فوقَهُ،

بينما ابتسامتُه تلهو علَى شفتيَّ.

المطرُ خارجَنا،

فيما ننتظرُ بللَنا الدفينَ الذي يبقى

هو المطرُ الذي يتنزلُ داخلي،

وأبقى أنا المطرُ الذي يتنزلُ داخلَ حبيبي.

الآنَ

ها هي ذكرياتُه تنهلُّ كالمطر.

ومثلُ حلمٍ منسيٍّ عائدٍ يفوحُ عطرُ محبتِه،

في حين تتقاطرُ ذاكرتِي في قلبِه.

..

المطرُ يهطلُ

هُنا وهُناك.

 

 

  1. كلمة جارحة

الكلمةُ الجارِحةُ،

والصَّمتُ المُدبَّبُ

كلاهما مثل سِنِّ رمحٍ  تنغرسُ فِي اللحمِ

فينبجسُ الألمُ بلونِهِ القَانِي،

ثُم قطرةً قطرةً، تتناثرُ حباتُ عِقدِ الياقوتِ

الذِي طالما أحببتُهُ.

تتناثرُ كلماتٍ علَى صفحةِ الورق.

بلمسةٍ منِّي يتوقفُ النزفُ

إن رغبتُ،

ترتدُّ القطراتُ حبَّاتٍ فِي العِقدِ

الذي طالما أحببتُ.

غير أن ذلك العقدَ باتُ غصةً فِي الحلْقِ،

باتَ سلسلةً مزدوجةً يتعلقُ بها

القلبُ المُدلَّى مُعذَّبًا

تحتَ وطأةِ الثقل.

وصارَ الأمرُ سيَّان:

إن كان الحبيبُ هو من أعطانِيه،

أم أنني من أخذَهُ.

فالحقيقةُ الثابتةُ أنه قد انفرَط.

هاهِي حبَّاتُ الياقُوتِ التِي تُشبهُ

قطراتٍ حمراء،

ألملِمُها واحدةً واحدةً واستنقذُها.

نعم استنقذُها،

رغمَ أن لَديَّ الكثيرَ مِنها.

 

 

  1. الرائحة

رائِحةُ زهرةِ السُّوراجِي،

رائِحةُ الأرضِ بُعَيْدَ هُطُولِ المَطَر،

رائِحةُ الكاجُو المُحمَّصِ علَى وهجِ الجَمر.

مِن أينِ تَتَسلَّلُ تلكَ الرَّائِحة التِي اجتَاحتْنِي

لثانِيَةٍ

ثُمَّ اختفتْ؟

كُلُّ لَحظةٍ لها رائِحةٌ فَرِيدةٌ.

عندما تندلِعُ، يهبِطُ علينا الزَّمنُ المَنْسِيّْ.

خلفَ دَرَجِ السُّلَّمِ هُناك

حيثُ الظَّلامُ،

يربضُ لُهاثٌ صَامِتٌ.

ها أنَا أجلسُ علَى  حاجِزِ الشُّرفةِ ساكِنًا

أقضِي المساءَ في مواجهةِ الكآبة.

فما تلكَ الذِّكرياتُ التِي تُشبهُ نفثاتِ رِيحٍ؟

ما لَها تتْرَى مِرارًا وتكرارًا مثلَ

صِوَرٍ علَى تِوالٍ،

صِوَرٍ مَرئيَّةٍ وغيرِ مرئية،

تمرُّ فِي تتابعِها السَّريع،

وأغوصُ في سحابتِها.

ثَمَّ شخصٌ ما ينادِي من مكانٍ ما.

تُراهُ من؟ ومن أينَ يُنادي؟

وأيُّ مزلاجٍ أحدثَ هذا الصَّرِيرَ عندما

فتحتُ الباب؟

ثُمَّ مائةُ سؤالٍ

عن هذا الوقتِ الذِي هو الآن؟

الوقتِ الذِي لا هو ماضٍ ولا هو مستقبلٌ،

لكنهُ محضُ جسدٍ

مليءٍ بالذكرياتِ المكرورة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

مامتا ساجار (Mamta Sagar)

واحدة من أهم شاعرات الهند المعاصرات فضلًا عن كونها كاتبة مسرحية وأكاديمية مرموقة، تكتب بلغة الـ “كاناداه” وهي إحدى اللغات المحلية الموجودة بجنوب الهند، تتميز أعمالها بالغوص في الثقافة المحلية المركبة دون انفصال عن المشترك الكوني الجامع، وقد ترجمت أعمالها إلى كل لغات العالم تقريبًا، كما شاركت في العديد من المهرجانات وورش العمل حول العالم، لها العديد من الأعمال منها ” آثار أقدام الطاووس البري” ، “رطوبة النهر”، “أرجوحة الشهوة”.