حوار مع الكاتبة الهولندية يوكا فان لوفن/ علياء سروجي

الجميلة ذات الشعر الأبيض اللامع كخيوط الضوء فوق شاطىء يعانده الموج لحظة الغروب. امرأة لا تملك عمرا و إنما سحرا، ترسم و ترقص وتكتب الشعر وتمثل، تحصد الجوائز وتبتسم، هادئة مثل فراشة ولدت للتو، إنها يوكا، قالت لي زوجة صديقها ماريو، همست لي بأنها اليد البيضاء التي مدت لها ولزوجها يد العون، إنها الرقم واحد في حياتهم، ثم جلست تنظر نحوها من بعيد بعينين دافئتين، أقرب شبه لنظرة مؤمن بشيخه الصوفي الجليل، هكذا في حضرة يوكا الكل يجلس بصمت ليستمع بوقار واحترام شديد لشاعرة الأراضي المنخفضة. لربما لم نتعرف عليها في العالم العربي بشكل كبير بعد، ولا يمكن الإدعاء بأن يوكا هي مجرد كاتبة، فهي فنانة متعددة المواهب، من الكتابة إلى الشعر إلى الرسم إلى التمثيل على المسرح والقيام بالاستعراضات، وهي لا تقول بأنها ممثلة، بل مؤدية، ويمكن القول إذن أنها فنانة شاملة تحمل فلسفة خاصة لكل نوع من أنواع الأدب والفن الذي تطرحه. ولدت يوكا فان لوفن عام 1952 ودرست التاريخ في جامعة بروكسل. تكتب فان لوفن القصة والشعر للأطفال، وهي تقوم بدور الفنان التشكيلي عند وضع الرسومات في كتبها، وتكتب الشعر للكبار أيضا، وقد حصلت على العديد من الجوائز منها جائزة theo thijssen المرموقة، وجائزة الدولة الهولندية لمدة ثلاثة أعوام لأدب الشباب، وجائزة Constantijn Huijgens عن كل أعمالها، وريشة الأوزة الذهبية لمساهمتها في اللغة الهولندية والأدب، كما قدمت روايات للكبار مثل” احتفال البداية”، و”أغنية هاو”، في أعمالها الموجهة للأطفال، تنادي فان لوفن بالطريقة – غير المشؤومة- التي ينظر بها الأطفال إلى العالم، ومحاربة القمع وضيق الأفق. وهناك عدد من القصص حول السعي في مختلف المراحل، مثل Dessje (1985)، وقصة “بعيدا” Wijd Weg (1991) وترجمت روايتها للأطفال Ieap أو قفزة للإنجليزية عام (1996). 

كاتبة ورسامة وفنانة في ملهى ومسرح، شاعرة وروائية وكاتبة للأطفال، وأخيرا وليس آخرا مدير له تأثير جيد على الأدب والثقافة في العالم، كيف تتعاملين مع هذه المجموعة البشرية التي في داخلك؟. يبدو من الشائع الأن القيام بمجموعة من الأشياء معا، فليس غريبا أن أقوم بذلك أيضا، لكن بالطبع هناك ما أحبه فيها، فالكتابة للكبار والأطفال بالإضافة إلى أنها تخاطب كل الأعمار من الرضع للعجائز وما بينهما، وبالنسبة لي فإن أدب الأطفال الجيد هو عمل في غاية الأهمية، على الرغم من أن السوق الحرة تدعو لكتابة كل شيء وأي شيء مما سمح بظهور كثيرمن الكتاب المديوكرز أو متوسطي الموهبة. حين انتهي من الكتابة فإني أحب وإلى درجة الشغف أن أرسم، فأنشغل بالأشكال والألوان وليس بالكلمات وتلك نقلة مهمه لي، أيضا فإن الكتابة في حجرة مغلقة في عمل صامت تماما، لذلك أحب أن أنتقل لبيئة أخرى بأن أقف على خشبة المسرح، مما يسهل علي أن أجعل الناس يضحكون أمامي بشكل مباشر أو يركزون جيدا فيما أفعله، إنه أمر مهم للغاية بالنسبة لي كفنانة شاملة.

لنرى العلاقة بين التصوير والكتابة، كيف يؤثر التصوير أو الرسم على الكتابة أو العكس؟.
عندما أكتب الروايات فإني أكتبها اعتمادا على الكلمات والصور ليس بهدف تربوي أو تعليمي، بل لأن ذلك يحافظ على كمال العمل وفكرته داخل عقولهم و أرواحهم كأطفال فلا يفقدوا أي معنى أو لون أو شكل للقصة. وعلى ذلك فالصور تقف في مكان محدد داخل العمل ولا يمكن كسرها، بل ليواصل الطفل انسيابية القصة داخله،( باعتباره طفلا لا أحب وضع صورة على صفحتين خاصة إذا كان النص مرتبطا بها). لقد قمت بفعل الكصير في قصص الأطفال ، من القصص المصورة (الكوميك) إلى القصة المعتمدة على السرد أكثر من الصورة وكل شيء بينهما، كما استخدمت أيضا التابلت وعلى ذلك يمكنني الجمع بين نص وصورة يمكن رسمها في صورة واحدة.

كمدير لفرع القلم العالمية، حدثينا عن منظمة القلم وما هو دورها في عالم اليوم؟.
منظمة القلم التي أديرها هي شبكة للمؤلفين عبر العالم، لها في كل دولة عضو وفرع خاص، بعض هذه الفروع غنية للغاية، وبعضها فقير جدا يحتاج للدعم، بعضها يملكه مؤلفون ممنوعون من الكتابة في الدول التي ينتمون إليها. إن هدفنا هو التضامن العالمي بين الكتاب والمؤلفين وضمان الدعم لهم. وهناك لجنة مخصصة للتعامل مع المؤلفين السجناء ( المؤلفون من كل الأنواع حتى كتاب المدونات)، هؤلاء الذين سجنوا بسبب مواقفهم أو أرائهم، وهناك في بلجيكا على سبيل المثال سنجد بأنه في قلم لجنة للكتاب المتحدثين بالفرنسية ولجنة للمتحدثين بالهولندية، ونحن نعمل سوية كلما كان ذلك متاحا، بالمناسبة القلم أنشأت عام 1921.

هل تخبريننا عن تجربتك مع القلم كمدير.. هل حققتي ما كنت تسعين إليه؟. حبذا لو تعطينا لمحة عن القلم للقارىء العربي. لمدة أربع سنوات عملت رئيسة القلم في بلجيكا الهولندي (القسم الناطق بالهولندية)، كلنا كتاب وشعراء ونقوم بذلك كمتطوعين، ومجموعتنا في غاية النشاط فيما يتعلق بحقوق الكتاب والمؤلفين، و نملك شقة صغيرة في مقاطعة أنتورب حيث يقبع بها الكتاب المطاردين من قبل دولهم لمدة ستة أشهر ثم يتم ترتيب حياتهم بعد ذلك ليحل محلهم كتاب آخرين. وقد جعل ذلك من مقاطعة أنتويربن مقاطعة للم الشمل للكتاب المطاردين من قبل دولهم تحت اسم ICORN ( المدن الدولية لشبكة المضطهدين). حيث نحاول أن نقدم شيئا معا للكتاب من مناطق أخرى في العالم مثل الشرق الأوسط و الذين يقيمون هنا الآن، حيث نأمل أن أعمالهم الفنية سيراها الجميع، كما تقوم القلم في تنظيم الاجتماعات والقراءات الجماعية وحفلات التعاون مع الكتاب، إنني فخورة للغاية بفريق العمل معي.

هل قرأت للكتاب العرب؟. هل تعنين قرأت الأدب العربي؟، نعم بالطبع قرأت مثلا لفاطمة المرنيسي منذ زمن طويل.

ماذا عن علاقتك بالكتاب العرب الذين يعيشون الآن في أوربا؟. ولدت في هولندا وأعيش ببلجيكا، وهما بلدان مختلفان في الثقافة رغم تجاورهما، و اعتبر نفسي فنان أحمل الروح الهولندية والبلجيكية معا، أحمل الثقافتين، والتحدي بيني وبين نفسي هو أن أخلق نوع من التوازن بينهما. لقائي بالكتاب العرب هنا وفر لي نوع من الفهم العميق والواسع، حيث لدينا الآن كتاب وشعراء جيدون بعيشون بيننا، كما أني أقرأ القصص بنكهة خاصة تجمع الخيال والروح المرحة التي تمثلني، ويسعدني قيامهم بنشر أعمالهم بالهولندية. الترجمة مهمة للغاية لفهم متبادل بين الكتاب والقراء من دول مختلفة، ولكن كما تلاحظين فإن الترجمة من الإنجليزية والإنجليزية الأمريكية إلى الهولندية أكثر كثيرا من الترجمة الهولندية للإنجليزية، مما يعيق فهم ما نكتب من قبل الكتاب في دول أخرى.

ما رأيك بالتنوعات الثقافية.. هل تعتقدين أن هناك تأثيرا على الثقافة الأوربية وبنفس الوقت على الثقافة العربية؟. هناك علاقات متبادلة ومؤثرة دائما، إذا نظرنا للتاريخ فإن هارون الرشيد وشارل العظيم تواصلا وأرسلا الهداية كل للآخر، كما أن كلماتنا مثل ” الجبر”، و” الصفر”، أتيا من العربية، وإن صديقي البوسني ماريو يغني أغاني بوسنية واضح تماما أنها متأثرة بالموسيقى العربية، وهكذا، أنا شخصيا علي أن أعرف الكثير بسبب عضويتي في وكالة أمنستي الدولية وعلى سبيل المثال اتصلت بي عائلة مغربية في السبعينات من القرن الماضي، حيث سجن أبنائها نتيحة لآرائهما، وقد تواصلت كثيرا مع الأكبر منهما حيث كان عليه أن يقضي ثمانية سنوات ونصف في السجن وبعد تحرره ذهبت كضيفة إليهم في الدار البيضاء وقد كتبت كتابا عنهما هما وأختهما عن قوتهم و إحساسهم بالمرح رغم كل ذلك والتزامهم بقضيتهم كان الكتاب بعنوان” حرروا أخي”، لكنه لم يترجم للعربية

هل تعتقدين بأن الثقافة الأوربية تواجه بشكل ما خطورة من الثقافة العربية؟. عندما تحدث الأزمات غالبا ما يقوم الناس بالبحث عن مدافعين من الخارج، وبعضهم يكونون من الجناح المحافظ اليميني أو نعلم عنهم من الصحف ومن لهجة الخوف التي تسكنهمم، لكن لقائنا بهم هو أفضل طريقة لفعل شيء ضد ذلك، و بجانب ذلك نحن نبحث عن الحقوق المتساوية للمرأة والرجل في المجتمعات الشرقية بوجه عام، كما يجب أن تتساوى القوى داخل المجتمع بين الحكومات وحتى يتمكن القضاء على الفساد،وأيضا لضمان مشاركة الجميع في المستقبل.

كيف ترين الوضع السياسي العالمي وتأثيره على الأدب؟. غالبا ما يسيطر الاقتصاديون على السياسة في العالم، إن هيمنة هذا النوع من التفكير المبني على العائد المادي يمكن أن يجعل من الأدب نوعا من التسلية ومن هنا يسيطر الضجيج على الثقافة،بينما على الرواية أن تقول الحقيقة باستخدام الخيال،وعلى الشعر أن يحمل الكلمات العظيمةفي العالم المزيف الذي نعيشه هناك كثير من العمل الذي يجب أن يتم في هذاالإتجاه.

ككاتبة للأطفال والشباب، هل مازال تملكين الطفلة التي بداخلك،كيف تنظر تلك الطفلة إلى العالم؟. عندما تكتبين للأطفال عليك من وجهة نظري أن لا تتصرفي كالكبار الذين يعلمون كل شيء أفضل، ولكن انظري للعالم من نفس المستوى الذي ينظر منه الطفل وكوني قادرة على أن تتذكري كيف أن هذا العالم صغير جدا بالنسبة للمخلوق الصغير الذي ينظر إليه. إن الكتب الجيدة للأطفال في غاية الأهمية، لكني أرى في بلادنا أن ذلك ليس موجودا وما هو موجود مجرد صناعة غير حقيقية ونعم كما قال الفيلسوف بيتر سلوتردايك على الفلاسفة أن يواجهوا القبح بالسخرية من القنابل، من المهم استخدام طريقة سهلة فالأطفال بارعون في الأسئلة مثل لماذا؟، لماذا لا نستطيع الحياة في سلام؟، لماذا يجب أن يحطم كل منا الآخر؟، وربما، يقول: أن الذين لا يستطيعون أن يفهموا ما يحدث يمكنهم أن يتسائلوا عما يحدث.
عندما تنمو بين ثقافتين يمكنك أن تتخوف من هيمنة ثقافة على أخرى، أو من تخوفك من فهمك للعالم وتخوفك أيضا من الزاوية التي تنظر منها للعالم، أن تكون منفتحا على التغير والحديث عن الفروقات بجانب أنك تخاف أيضا مما هو المختلف أو من هو المختلف.
كطفلة أردت دائما أن أكتب وأرسم في حياتي، أنا سعيدة لأني استطعت و أستطيع أن أفعل ما أريده وأن أحيا به، أما الجوائز فكانت طريق للتعرف على جودة ما أقوم به، وأهميته، المشكلة أني كنت أبدأ دائما في صفحة بيضاء أو شاشة خالية، وأظل أجرب و أبحث. إني أفضل السير بجانب الجلوس مع نفسي.

أخبرينا عن عالمك في الكتابة، هل لديك عادات خاصة أو أفعال احتفالية؟. أنا كائن صباحي، أجلس لمكتبي غالبا في الثامنة وليس لدي طقوس معينة لأبدأ عملي، لدي فقط شعور إيجابي بأن أكون قادرة على أن أفكر و أركز على نفسي في العمل الذي أقوم به، فأنا لا أقوم بأعمال مختلفة في نفس الوقت، إنما لدى تبديل، رواية للكبار، شعر، كتاب للأطفال مع الكثير من الصور، وشكرا لله أن تطبيقا مثل “وورد” أصبح موجودا الآن حيث يمكنني بسهولة تغيير الكلمات والجمل والفقرات.

هل لديك كلمة إضافية تخبرينا بها؟. لدي شيء أخير أضيفه وهو عن إحدى زياراتي لمتحف في دمشق حيث كانت معروضات المتحف عن الحياة اليومية في زمن كانت فيه أوروبا متأخرة كثيرا، لعبة يلعب بها طفل، خطاب على الحجر، ومظروف على الحجر، كنت مأخوذة بما رأيت، هذه الأشياء ظلت لقرون، وأتمنى أن يظلوا للقرون القادمة، أتذكر تمثالا الرجل والمرأة المتساويين في الحجم والأطفال الصغار قريبين منهما كأنهم أحياء عبر التاريخ، و لكن أين هؤلاء الأطفال الآن؟.

 

مجلة عالم الكتاب/ أغسطس 2018- العدد 23