حوار مع الشاعرة أمينة عبد الله/علياء سروجي

 

 

 

 

لماذا تبدين شاعرة متمردة على الواقع النسوي. هل تتعمدين ذلك للفت النظر و الشهرة كما فعل الكثير من الشعراء والشاعرات المعاصرين.
أوصف دائما بالتمرد، ولا أصنف كفيمنيست الجميع لا يراني في منظومته. التقليديون يرونني معادية لأفكارهم، والفيمينيست يرونني متخلفة تقليدية لا أتبنى مفاهيمهن. وقد أكون متمردة على جميع الأصعدة ولا أكتب إلا ما أشعر به وأصدقه حتى وإن كان يرتكز على وعي قد يكون وعيا تراكميا غير مدرك فمازلت أتعامل باندهاشاتي المؤجلة من الطفولة. في مرة كتبت نص عن الحب وكان شديد النعومة فلم يتحدث أي شخص عن النص بل الجميع تحدث عن أمينة معقول تعرف تحب بهذا الشكل ولم يتم أي وصف للنص يختفي دائما الأنا المبدع مع الأنا الحقيقي لمجرد علم المتلقي باسم المبدع. ليس للشعراء شهرة فإن نظرنا الى درويش مثلا شهرته قضيته نزار وضعه الدبلوماسي وديع سعادة من أشعر شعراء العرب لا يعرفه مليون شخص مثلا كم من المبدعين يعرف أنسي الحاج و يثمن انتحاره نحن على الهامش لا يستطيع معظمنا التأثير في دوائرنا القريبة وكنت أتمنى بأن أظل مجهولة لكي أكتب إنما بمجرد ظهوري تشتت انتباهي في معارك دفعت إليها دفعا.
ما الذي ترفضه الشاعرة أمينة و يعتبر عاملا أساسيا في تحريك وجهتها الشعرية.
كل ما استقر واصطلح عليه ويسمى الكتابة الآمنة أو الكتابة الأخلاقية الكتابة الدينية لان هذه المصطلحات أرست لكتابة غير ذات معنى وعدد لا نهائي من أشباه الكتاب وهذا يعيد تشكيل البنية الذهنية التلقينية ويحارب بشدة الذهنية الابتكارية ، واستفادت الأنظمة من هذه النماذج في تثبيت الوضع الثقافي الراهن بل وتراجع المشهد الثقافي المصري لصالح المشهد الثقافي البيترودولاري. أرفض كل ما يسلعني كإنسان ويستغلني وتوثيقي للحظات الحزن والقهر بالكتابة تعد علاجا من ناحية وتنعش ذاكرتي من ناحية أخرى إن أصابني الزهايمر الكتابة تذكرني بما كنته وتدفعني لما أتمناه.
هل عانت الشاعرة أمينة من نوع من أنواع الاضطهاد او الاقصاء الأدبي.
أعاني من الاقصاء بدرجة منذ كتاباتي الأولى حيث كنت أكتب قصيدة النثر والمعركة المفتعلة حول التسمية وزاد من اقصائي أنني أكتب بالعامية المصرية وأيضا امرأة لدرجة ان في الازمة الأخيرة صرح أحد الأدباء قائلا: الأزمة إنها امرأة، لو رجل كنا عديناها المشهد العام مشهد شللي بمعنى عند تعرض إحدى الروائيات لهجمة من شخص واتهامها بأنها على علاقة بكاتب- رغما أني لا أرى ذلك اتهام أو تشويه- انتفضت الشلة لمساندتها وتلميعها نفس الشلة لم يفرض عليها ضميرها الأدبي أو الإنساني مساندتي فيما أتعرض إليه منذ ثلاث سنوات من نيابات وقضايا واغتيال معنوي واقصاء اللهم إلا الكاتبة نفسها كتبت منشور مساندة لي كما ساندتها رد واجب وليس موقفا أيديولوجيا.
تضطهد المبدعة لا لشيء الا انها امرأة فإما تقبل قوامة الرجل الإبداعية وإما تعاني ذلك التهميش والاضطهاد . أو نقبل المقولة الغير منطقية كاتبات يتواجدن بجسدهن وكأننا جميعا محل اتهام ولا يضعن أبدا دائرة ضوء على نفس الكاتبات اللائي يعانين من الاضطهاد لا لشيء الا لرفضهن نفس العلاقات الجسدية.
هل يملك الشعر الحق بمطالب اخلاقية واجتماعية ام انه فسحة جمالية
الفسحة الجمالية وإعمال وإنعاش المخيلة هي أفعال اخلاقية وانتهت المرحلة التاريخية التي كان للشعر فيها وظيفة مباشرة كالغزل والحكمة والبكاء على الأطلال وتحميس أفراد القبيلة ذلك أن العمل الإبداعي يختلف قلبا وقالبا عن العمل الديني. الإجتهاد الإبداعي لتفعيل الخيال وفتح المدارك، الاجتهاد الديني لتطوير رؤى وفتاوى حتى تتناسب مع العصر ومع الشخص المستهدف من الفتوى.
أتصور للشعر وظيفة شخصية للكاتب للحفاظ على روحه مثلا في معاركه الشخصية أو الكتابة العلاجية ومن الوظائف العامة للكتابة بشكل عام والشعر بشكل خاص التاريخ الإجتماعي أو التوثيق شعرا كما حدث في توثيق ثورة يناير مثلا.
هل الشعر اليوم مدان أم أنه تحول إلى كائن ضعيف لا أهمية لوجوده و لايملك مقعد مؤثر في المصير الأدبي والفكري الجمعي.
الإبداع ككل مدان حيث فقد المبدع قيمته في نظر نفسه وتحول الى عبء اجتماعي على أسرته أنه شخص مخيبا للآمال لا يجني المال واتهامه بأنه حالم، وأيضا تختلف القاعدة الأخلاقية في التعاملات الإجتماعية مما يسقط معها مصداقية المبدع وبالتالي مصداقية ابداعه،وستظل الكتابة والشعر تحديدا له قيمته وتأثيره مثلا في فترات المد الثوري الجموع تستمع إلى قصيدة أو أغنية أو أوبريت سريع لكن مستحيل تقرا رواية 600 صفحة مثلا لتستخلص منها قيمة تحفيزية، سيظل الشعر أيقونة الأوطان والند لثقافة الحكاية الشعبية الشفوية التي رسختها الرواية، وثقافة الصحراء.
ما لذي تريده أمينة من الشعر. هل يمكن افشاء العلاقة السرية بينكما والتي لايعرف عنها القارىء.
الشعر هو واجهتي الجميلة وبطاقة تعريفي الحقيقية التي بذلت مجهود ضخم لأليق به. أتمنى أن أترك أثرا في الشعر أن يخلد اسمي لو سطر واحد له قيمة يكفي أن يأكلني الدود بلا إرادة مني أو استطاعة رفض وأيضا اموت وقتما يحدد القدر ذلك، على الأقل الشعر يعيش بي في أزمان أخرى. لم أمارس مراهقتي كأي فتاه، مراهقتي كانت بين تحصيل دراسي وتحصيل العروض وورش القراءة وتعلم الخط العربي، لم يكن لي ونيسا إلا الشعر أو الخواطر التي كنت اكتبها ثم الى القصائد البيتية ثم التمرد على تقليدية الشكل الكتابي ولم أقع في فخ التمرد على الشكل والبقاء على المضمون التقليدي وهذا ما منحه لي الشعر فعلا و هذا سره الأعظم.
هل تتعرض المرأة الشاعرة في العالم العربي المعاصر للمضايقات بسبب الجندرية( اي كونها أنثى ).
تدفع المرأة ثمن متعدد لنفس السلعة، لا لشيء إلا أنها أنثى في بيتها يعنفونها على الرومانسية والنقود الضائعة على الكتب وفي المدرسة يتعاملون معها على أنها الرقيقة الحساسة مما يضاعف شعور التنمر عند الآخرين عليها وفي الأوساط الثقافية إن كتبت جيدا فذلك يرجع لعلاقتها بفلان الذي يكتب لها لو فازت في مسابقة ذلك لأن رئيس لجنة التحكيم متوصي عليها لو كانت عضو لجنة تحكيم اصلها مسنودة وكأن المرأة لا تفعل شيئ إلا الاستناد على الآخر والنهل منه بينما آخر 15 عاما المشهد نسوي بامتياز من العراق للمغرب شاعرات مبهرات وتجارب شديدة التفرد واختفاء واضح لظواهر شعرية خدمت عليها مجموعات و اتجاهات سياسية
ما مثلا. إن لم تتسلح المرأة المبدعة بقوة عدم الإنسياق للتبرءة ودفع التهم الأخلاقية ستقع في فخ الاستنزاف الذكوري أو الاتهام الجاهز بالمثلية أو العلاقات الأمنية

هل تتحمل الفنون و أنواع الأدب ما وصل إليه الشعر من التهميش.
المشهد الثقافي ككل مترد وليس المشهد الشعري فقط، تتراجع الفنون البصرية والفنون التمثيلية والخطاب الابداعي عامة ليعلو مكانه تستطيح المثقفين وافقارهم ليتفرغوا للمسئوليات الاجتماعية، ويفقدوا الثقة فيما ينتجون حيث لا تعتد الذهنية العربية بشكل عام باعتبار الابداع منتجا يجب تسويقه والعمل عليه.ولذلك يذهب المثقف للعمل المؤسسي ويصير جزء من نفس النظام المجتمعي والسياسي الذي يرفضه احيانا ولا يستطيع التعبير عن رأيه لانه موظف.جميعنا عبيد بدرجات محتلفة.
هل ترين بأن قيمة الكلمة الشعرية انخفضت في وقتنا المعاصر بسبب سقوطها في عدة أماكن مهمة مثل الأغنية و الجوائز الغير عادلة. وغلاء النشر وعوامل أخرى اضافية.
على غير المتوقع أنا شخص متفائل فيما يخص الإبداع خاصة الشعري منه نحن في عصر التوثيق لا شيء يموت لا شيء يختفي دون اسئلة وتحضير إجاباتبديلة نحن كأفراد نشعر بما يحدث باعتباره سقوطا مدويا إنما في حقيقة الأمر هو في عمر البلاد وتواريخها مجرد فترة اضمحلال مثلما ولد جيل كامل ومات منه. البعض في ظل حكم الطوارئ لكن في التاريخ ال30 عاما يتكتبوا في جملة مفيدة قصيرة وسقوط أغنية هو تعبير مباشر عن وعي الطبقة العريضة التي تخلت عنها النخبة المثقفة بحثا عن الجوائز والهدايا والعطايا ولا يعد غلاء تكلفة النشر عائقا حيث الجميع يلجأ الى النشر الاليكتروني.
المتلقي أحيانا يسيء فهم الشعر بحسب ثقافته الشعرية وتقبله لثقافة الآخر إلى أي مدى تستطيعين تحمل عدم تفهمك الشعري ومحاسبة القارىء لك.
ماذا سأقدم للقارئ بالكتابة الآمنة، التي لا تطرح تساؤلا مستمرا؟ ليس مطلوبا منه تفهم ما أكتب مطلوب رفع مستواه التعليمي والثقافي واسقاط هيبة التسلط باسم الدين؛ ليستطيع تقبل ما يختلف عنه وليس قتاله واغتياله معنويا. أرى في نفسي أنني مقاتلة شرسة وعنيفة ومازال لدي طاقة لخوض معركة الوعي سواء وعيي الشخصي أو وعي من حولي ولا أحلم بتغيير الآخرين ولا العالم
فقط أهذب شعوري لقبولهم وتقبل أفكارهم والوصول لمنطقة عابرة للتصنيفات إلا تيارات الاسلام السياسي التي عملت على إراقة الدماء وتقسيم الأوطان لا أسعى ولا أتمنى قبولهم ابدا.
إلى متى سوف تكتب أمينة الشعر. وهل لديك خطه للكتابة بعيدا عن الشعر في المستقبل؟
الشعر هو بطاقتي الشخصية كتبت العديد من المقالات والبورتريهات والقراءات الإنطباعية عن تجارب كتابة أخرى، وكتبت أيضا رواية بالعامية المصرية عام(2003) ولم أحاول نشرها وأكتب الآن روايتي (شارع الشرفا) وهو اسم مبدئي. حقيقة لا أعرف المستقبل إلى أين يأخذني قد أهجر الكتابة مثلا قد أفقد إيماني بجدواها خاصة مع تحرير بلاغات ضدي إلى الآن لكن أتمنى ألا أفعل، أتمنى أن أظل اكتب واكتب.

..