حوار الشاعر سفيان صلاح هلال/ علياء سروجي

قديما كان الأديب أو الكاتب على اختلاف صفته الأدبية. يختص بسير أدبي معين
ويعمل على النبوغ فيه وتطويره. الآن نراه يخوض في أكثر من مجال في آن
واحد. فيكتب في الشعر والقصة والنقد وغيرها. هل ترى ذلك أمر جيد؟.
أظن أن هذا كان قديما جدا، ففي فترة كانت الفنون المتاحة محدودة، وحاجات الناس واهتماماتهم أيضا محدودة، فكان يكفي الشعر العربي ، ويكفي النحت المصري، وتكفي الأوربي الأسطورة، بالطبع لا أعنى أن هذه هي كل اهتمامات من ذكرت من الجنسيات، لكني أضرب مثلا بالاهتمام المميز. فهل ظلت هذه ميزة دائما؟ بالطبع لا. حين اتسعت حياة البشر وانفتحت الأمبراطوريات على بعضها؛ وجدنا من يجمع بين العلم والأدب مثل الخيام عالم الرياضيات والشاعر، ووجدنا من يجمع بين العلم والفلسفة مثل ابن سينا، وأرسطو وهيباتيا، ووجدنا (أبو العلاء المعري) بجانب شهرته كشاعر يكتب القصيدة البيتية،كتب كتابه في أصول اللغة رسالة الملائكة وكتب معجز أحمد وهو من ضروب النقد حيث شرح ديوان المتنبي، وكتب رسالة الغفران/النص الذي أظن لو أتيح لأبي العلاء علم الرواية لكتبه رواية، وحديثا كتب أمير الشعراء شوقي كل الأجناس والأنواع، وله روايات ومسرح شعري بل وأغاني بالعامية، وكتب الشاعر إبراهيم ناجي القصة القصيرة وله مجموعتين حقق أحداهما وأعاد نشرها الدكتور منير فوزي من دار الأدهم تحت عنوان أغنية ومزمار، وكتب المازني الشعر والرواية والنقد وترجم أعمالا، وأدونيس مفكر وشاعر وناقد. وعلى المستوى العالمي نجد مارغريت إلينور آتوود، هي كاتبة كندية وشاعرة وناقدة أدبية وناشطة في المجال النسوي والاجتماعي والكثير غير هؤلاء… أظن أن الموضوع يخضع لاهتمامات المبدع، فكلما اتسعت دوائر الاهتمامات تنوع المنتج، ولكنني أظن أن الشاعرية هي المحرك الأصل، فحتى ماركس له شعر.

لماذا بعد كتابتك لعدد من الدواوين انتقلت الى الرواية تحديدا وليس إلى غيرها؟
وعدت وكتبت عدة دواوين أخرى ودائما كنت وأنا أكتب الشعر أكتب المقال
والقصة الساخرة وغير هذا، إذن لم أنتقل بطريقة مفاجئة. كل الحكاية أنني وجدت عندي تجربة تحتاج شكل الرواية وبطريقة معينة فكتبتها بالشكل واللغة اللذين يمنحان التجربة وجودا  غير موشوه. أما أنا كقاري فعندي خبرة بكل الأنواع والأجناس وعلى مائدتي لغات إبداعية كثيرة، لكن ليس شرطا أن أستخدم كل ما أعرف في إنتاج عمل، وأنا تقريبا مارست كل فنون الكتابة ما عدا المسرح وأدب الأطفال لأسباب موضوعية قد تكون وجيهة….. أنا مع توظيف المناسب فقط
للتجربة من جملة المعارف، كما انني مع البحث لاكتساب ما تحتاجه تجربة، لو أردت كتابتها ورأيت أنها تحتاج شيئا ما لا يتوفر لدي.

الى أي حد يمكن أن تجامل أصدقائك الشعراء والروائيين حين تقوم بعمل نقدي
لأعمالهم؟
أولا: لابد أن تتحقق الأدبية في العمل كي أقبله… ثانيا: قد أجامل في قبول الدعوة للمناقشة أو الكتابة وعدم الاعتذار رغم ضيق وقتي، لكني سأقول ما يمليه عليّ ضميري كمتلقي، فلن أوهم الكاتب أو متلقي دراستي بما ليس في العمل. وأنا لا أصنف نفسي ناقدا، ولكني قارئ لديه خبرة.

هل أصبحت الكتابة رفاهية بعد أن أفلست كثير من المجلات، وكثر الكتاب الذين
تخلو عن أجورهم الضعيفة وأحيانا الغير موجودة؟
لا أظن أن الكتابة رفاهية فهي لغة كشف وتواصل بين وجدان وأفكار ومشاعر البشر. الكتابة ضرورة إنسانية ذاتية وعامة. الكتابة إنسانية كالأمن والجنس وطلب الشفاء، كالتدين عند البعض، كالبحث العلمي عند البعض، كالحرب أحيانا، الكتابة كالماء والهواء، والحياة ناقصة ولا إنسانية بدونها. والناس حتى على المستوى الشعبي يحكون لبعضهم ويرددون الأشعار والملاحم شفويا، ربما استعاضوا نسبيا الآن بالوسائل المرئية، لكن حتى هذه الوسائل بلا إبداع المبدعين لن تكون. ولكني أظن أن الدوافع تختلف، فهناك كاتب خالق صاحب رسالة ويؤمن برسالته؛ فهل سمعنا عن رسول تقاضى أجرا؟ وهناك كتاب ينفسون عن أنفسهم أو يظنون أن الكتابة تمنحهم اكتمالا ما، يعوضهم ما ينقصهم، وهؤلاء قد يدفعون ثمن نشر أعمالهم وقد تكون ضعيفة أو اجترار، وهناك كتاب يسترزقون من الكتابة رغم سطحية ما يقدمونه والذي قد يكون مصنوعا بإتقان لغرض ما: تسلية أو دس أفكار أو حصاد جوائز أو التعبير عن رائج يستثمر… وهؤلاء الأكثر انتشارا في الإعلام والجوائز لأنهم موظفون مدعومون بمؤسسات تسترزق أيضا من استرزاقهم وتكمل لهم بمحرريها ومراجعيها ….. وهم مجرد أسماء وشلل ولا يعملون بمفردهم بل حلقات في عمل تجاري أكثر منه إبداعي . والمتلقي الجيد يفرز.

كيف ترى المشهد الثقافي المصري والعربي عامة و الأهمية المرحلية للكاتب
العربي؟
كثير مما يطفو على السطح محزن …. لكني لست متشائما ولا أرى الدنيا من
حولي سوداء، وأرصد هناك في الهامش المتلقي الحقيقي والكاتب الحقيقي وإن لم ترصدهما عين الإعلام. والتاريخ الإبداعي للبشرية يقول إنه على مر الزمن ازدهرت عصور وتراجعت عصور، وانتشر مبدعون واختفى من هم أعظم إبداعا حتى حين، كما أن الكثيرين يمارسون الكتابة والفن، والمميزين قلة دائما، وعلى مستويي الإبداع والتلقي الثقافي فقد مررنا بمراحل فيها مراحل مد ثقافي كالتي واكبت حركات التحرر العربي، ومراحل حراك ثقافي فيها تفاعل مع المنتج العالمي، نعم، للأسف في العقدين الأخيرين نعاني من تراجع، ساعدت عوامل كثيرة في حدوثه. لكن لا بأس نحن في مرحلة انتقالية وقد يكون هذا عاديا، وحين نهتم بالتعليم ليخرِّج لنا   طالبا يملك عقلية نقدية؛ سيعود الوجه الحقيقي للإبداع والقيمة. بوجه عام دوام الحال من المحال.

ماهي المواجهات التي أثرت على القارىء والكاتب العربي في مرحلتنا الزمنية.
وكيف ترى السلبيات والايجابيات؟
الموضوع نسبي ولا يرتبط بالزمان فقط، فهناك من هم خارج الزمن للأسف، ولكن
بالمكان أيضا، يالسياسة العامة، بالأيدلوجية، بمساحة الثقافة، بدرجة الوعي،…… حتى الاقتصاد والسياق الاجتماعي أشياء كثيرة لها دور في الكاتب والمتلقي. واستجدت وسائل أخرى لا تجعل الكتاب أو المطبوعة هي الوسيلة الوحيدة. نحن في عصر الصورة والميديا ووسائل التواصل في السماوات المفتوحة والتي لها قوانينها التي لا تحكمها الجودة بقدر ما تحكمها نسبة الانتشار والتفاعل والتي غالبا ما تكون من باب التسلية، فليس كل متفاعل مع الميديا والمنتج جاد في تواصله…. وهناك شهوة الحصول على الجوائز التي استحدثت …. أبرز السلبيات هي التزاحم في العرض، فلا رقابة ولا تقييم لمعظم ما يعرض، وتحويل الإبداع لإعلام وإعلان وبيست سيلر، ودعم أيدولوجي، ,,,, لكن الانتشار لا يعني القبول والتأثير على كل من قرأ أو شاهد … الإيجابيات كثيرة لكنها تحتاج الكاتب الواعي والمتلقي الواعي، فكمُّ المعلومات أكبر بكثير من قبل، وهذا مفيد لمن يحتاج المعلومة.

ماذا يمكن أن تخبرنا عن تجربتك الكتابية في الصحف والمجلات العربية؟
لم تتح لي الظروفُ احتراف الكتابة متعاقدا أو بشكل منتظم في مكان ما، أعيش كاتبا هاويا؛ وبالتالي لم أعمل عن قصد مع أحد، لم أترك بلدي، وكل ما أنشره بمجهود شخصي، أنا أكتب وأراسل، ومن يعجبه ينشر لي، ومن لا يعجبه قد يعتذر، وقد أفهم من تأخر النشر عن الوقت الطبيعي أنه لن ينشر؛ فأرسل العمل لمكان آخر.
سفيان صلاح هلال ابن المنيا حيث العادات والأصالة والجذور الثقافية الضاربة في
القدم والذي يعتز بكل شيء جميل يربطه بثقافته العريقة كيف يوائم في الكتابة بين ارتباطه بالأصالة وبين الحداثة التي تتطلب الثورة على كل ماهو قديم؟.

ما هو الأصيل وما الذي يجب أن نثور عليه؟ تعالي نقرأ قصة الحضارة، سنجد أن التطور لا يأتي من فراغ وكما نقول في الصعيد ( اللي ما لوش قديم ما لوش جديد) لابد من وجود شيء حتى ننقده ونثور عليه. الإنسان البدائي الذي عبر من عصر الصيد والسحر لو لم يمر بالدين والفلسفة هل كان سيفرز ويصل لعصر العلم والمعمل البحثي؟ نعم يأخذ هذا حقبا طويلة، ولكن الرهان على العقل الذي يميز الإنسان عن كل ما في الحياة. ما ينفع وما يمكننا الاستفادة منه والبناء عليه سيبقى وهو الأصيل، وما يثبت لا جدواه سيمر سواء أردنا أو لم نرد. وأحب أن أضيف أن العلم بلا أخلاق وبلا إنسانيات سيقتل ولا يبني وحاجة الناس لكليهما متساوية، فالطبيب الذي يرتبط بالأدبيات والإنسانيات لا شك أكثر نفعا للناس بعلمه من الممتهن الذي كل ما يفكر فيه المتاجرة بالعلم. المشكلة دائما هي المبالغة في الحب والمبالغة في الكراهية دون موضوعية، لكن التجارب تصقل دائما.

برأيك هل علينا تعريب الحداثة أم السير مع الموجة العالمية بكل ماتحمله من تغيير ومفاجآت؟
العربي أيضا عالمي وفاعل في الحداثة وحصل على نوبل في الأدب والعلوم. العالم ليس بعيدا عنا ولسنا بعيدين عن العالم، هو في قلبنا ونحن في قلبه، والحاجة هي محرك العلاقات، نحن في عصر لا يمكن فيه الاعتزال، والمنتج متاح للجميع، والإنسان هو الإنسان، عربيا كان أو أعجميا ….
ماالذي اعطته الكتابة لسفيان صلاح هلال ومالذي كان يتأمله منها ولم تعطه إياه؟
الكتابة قادتني للقراءة والتفكير، فأخذت نسبة لا بأس بها من الوعي والمعرفة والإنسانية تجعلني أيجابيا في محيطي بطريقة ما. مالم تعطه لي المال هههههه جهد عظيم لو مارسته في مهنة أخرى بهذا الإخلاص والحب لصرت من كبار الملاك. لا بأس (من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)  أو كما نقول (ماحدش بياخد كل حاجة)

ماذا تقول للكتاب الجدد الذين يشقون طريقهم إلى عالم الكتابة ومالذي تقوله للكتاب من أبناء جيلك؟
لا أحب أن ألبس ثياب الواعظ لكن دائما ما أدعو الجميع للقراءة المتنوعة بوعي ثم القراءة المتخصصة بوعي ثم القراءة والاطلاع على كل ما ينتج الإنسان من العلوم والفنون الأخرى -غير المكتوبة- بوعي، ثم الصدق مع الذات الإنسانية، وسواء كتبتَ أو اكتفيتَ بتعبير غيرك عنك أنت إنسان. عدم الكتابة خير من كتابة عمل رديء ينقصه شق الجمال أو شق الرؤيا.