تَجَلياتُ النبوَّةِ فى فُصُوصِ الحِكَمِ ، لابن عَـرَبى

تَجَلياتُ النبوَّةِ فى فُصُوصِ الحِكَمِ ، لابن عَـرَبى

بحثٌ شفاهى مقدَّم إلى لجنة ترقية أساتذة الفلسفة

>>>

تَمْهِيدٌ
لاشك فى أن الجانب الفلسفىَّ من التصوفِ ، لا يزال من المجالاتِ البكرِ فى ميدانِ الدراساتِ المعاصرةِ ، سواءً الشرقية منها أو الإستشراقية . فقد عزف عن خوضِ هذا الغمارِ ، كثيرٌ من الدارسين الذين آثروا السلامة ، وأحجموا عن الدخول فى معتركٍ فكرىٍّ عميق الغور ، يتصل اتصالاً مباشراً بالعقيدة ، ويستند إلى تراثٍ لايزال أغلبُهُ مخطوطاً ، ويقوم على تحليل لغةٍ رمزيةٍ شديدةِ الاستغلاق أراد بها كبارُ الصوفيةِ الفلاسفةِ أن يكشفوا عن معانيهم لمن كان له ذوقٌ صوفىٌّ ضنّاً منهم على هذه المعانى -كما يقول القشيرى – أن تشيع فى غير أهلها(1). وهكذا كثُرت الموانع المؤدية إلى العزوف عن هذا الجانب من الفلسفةِ الإسلاميةِ مع أنه واحد من أهمِّ جوانبها وأَدْعاها إلى الاهتمام .
ومع ذلك ، فهناك بعضُ الدراسات الجادة التى عالجت نقاطاً جوهريةً من الفلسفة الصوفية . بيد أنها دراساتٌ قليلةٌ نادرةٌ ، ولم تتوفَّر دراسةٌ منها – فيما نعلم- على بحث موضوع النبوة لدى فلاسفة الصوفية ، وبالأخص فيلسوف التصوف الكبير وشيخ الصوفية الأكبر : محى الدين (ابن عربى) وبأخص الخصوص كتابه : فصوص الحكم .
وقبل المحاولة المتواضعة التى نبذلها فى هذا البحث ، لاستكشاف عالم النبوة وتجلياتها فى الفصوص .. تجدر الإشارة إلى أن موضوع النبوة له أهميـةٌ كبرى لا فى الفكر الصوفىِّ فحسب ، وإنما فى الفكر الإسلامىِّ والإنسانىِّ عموماً ؛ وذلك لأنه : يصحُّ القول عن النبوة إنها ظاهرةٌ عامةٌ كليةٌ ، غير مخصوصةٍ بشعبٍ دون آخر .. فهى ظاهرةٌ شائعةٌ على مستوى العالم بأسره منذ أقدم العصور ، ولذلك لا يوجد شعبٌ لم يعرف بشكل أو بآخر : وحى الآلهة(2) . حتى أن البعض لم يكتف بالارتباط بين النبوة والدين والوجود ، وإنما جعل النبوة نزوعاً طبيعياً فى الإنسان ، واستعداداً قائماً فى العقل ، ومَلَكةً فى النفس الإنسانية تمكِّنها من الهجس أو سبق النظر بالمستقبل(3) .
ومن هنا ، كان من الطبيعىِّ أن يهتم الفكر الإسلامى بالنبوة والنبوات خاصةً أن حضارة الإسلام كلها ، قامت على دعامتين أساسيتين هما : الكتابُ والسنةُ ، وكلامهما منقولٌ عن النبى r ومن ثم ، فقد ظهرت فى الحضارة الإسلامية علومٌ كاملةٌ للحديث النبوى ، وطبقات الرجال (الرواة) والسيرة النبوية .. ناهيك عن البدائع والموشحات والمدائح النبوية ، التى تعدُّ باباً مهماً من أبواب تراثنا الأدبى .
وكان لابد للفرق الإسلامية أن تتلبَّث عند النبوة ، وتُفرد لها المباحث المطوَّلة، بحسب طبيعة كل فرقة ومنهجها ؛ وهكذا خلَّف المتكلمون تراثاً لا يُستهان به فى مسألة النبوة والنبوات ، باعتبارها ركناً أساسياً فى العقيدة الإسلامية .. حتى أن أعداء الدين الإسلامى ، والملاحدة ، كانوا يستهدفون النبوةَ أول ما يستهدفون ! وهو ما لاحظه د. عبد الرحمن بدوى وسجَّله فى بدء كتابه (تاريخ الإلحاد فى الإسلام) قائلاً إن ظاهرة الإلحادِ واحدةٌ من أخطر الظواهر فى تطور الحياة الروحية .. وإذا كان الإلحاد اليونانىُّ والغربىُّ يقوم على نقض الألوهية فإن الإلحاد العربىَّ هو الذى يقول بموت فكرة النبوة والأنبياء ، ذلك أن الإلحادَ العربى كان لابد أن يصدر عن الروح العربية .. والأنبياء هم الذين يعلبون أخطرَ دور فى الحياة الدينية عند الروح العربية . ومن هنا نفهم ، كيف كان الأنبياءُ جميعاً، من أبناء هذه الروح وحدها . وإذن : فالدين والتديُّن عامةً ،إنما يقومان على فكرةِ النبوةِ والأنبياء(4) .
ويتأكَّد عندنا ما يقرره د. عبد الرحمن بدوى ، مما نراه -مثلاً- لدى الخياطِ المعتزلىِّ فى ردِّه على أشهر ملاحدة الإسلام : ابن الراوندى . إذ حرص الخياط على أن يبدأ كتابه، بالرد على كلام ابن الراوندى فى إنكار الرسالة والنبوة(5) .. وبعد ذلك بقرونٍ طويلةٍ ، نرى شيخ الإسلام فى الآستانة ، وهو يكيد لجمال الدين الأفغانى ، فيتَّهمه بأنه يعتبر النبوة صنعةً ويذكرها فى معرض خطابٍ عن الصناعات(6) ! وتلك أمثلة دالة على حيوية وأهمية موضوع النبوة ، وحساسيته كركنٍ أساسىٍّ فى الشريعة ، على اختلاف العصور ولدى مختلف الاتجاهات .
بيد أن التصوف الإسلامىَّ ، فى بواكيره الأولى ، لم يكن يتوغَّل فى مسألة النبوة والنبوات ، حتى أنه يصعب إيجاد تصوُّر محددٍ لدى الصوفية المبكرين بصدد الأنبياء والرسل، بمن فيهم نبى الإسلام r ! وباستثناء بعض العبارات القصيرةِ والمواقف العابرة، لا نكاد نجد فى التصوف المبكر مفهوماً – أو اهتماماً خاصاً – بالنبوة والرسالة .. ربما لأن أوائل الصوفية انشغلوا أولاً ، بقضية النفس الإنسانية وطرق إصلاحها وتقويمها .
وكان أول تماسٍ صوفىٍّ مع موضوع النبوة ، هو ما نراه عند الحكيم الترمذى المتوفى سنة 320 هجرية ، فى كتابه ختم الأولياء الذى جاء فيه، للمرة الأولى فى تاريخ التصوف ، بفكرة أن للأولياء ختماً ، كما أن للأنبياء خاتماً .. وهى الفكرة التى اضطهد الحكيم الترمذى بسببها وأُخرج من دياره .
ثم تزايد الاهتمام الصوفى بالنبوة شيئاً فشيئاً ، حتى بلغ قمة تطوره عند ابن عربىِّ الذى قدَّم نظريةً كاملةً فى النبوةِ والرسالة والولاية ، على نحو ما سنعرض له فى هذا البحث . ولا يفوتنا هنا ، الإشارة إلى أن أول تعبيرٍ مشكلٍ ، قاله صوفىٌّ عن النبوة ، هو عبارة أبى الغيث بن جميل(7) الذى صدم الناس بقوله : خضنا بحراً وقف الأنبياء على ساحله(8) .. وقد كان ابن جميل معاصراً لابن عربى ، إذ عاش باليمن وتوفى بها سنة 651 هجرية ، بعد وفاة ابن عربىٍّ بثلاثة عشر عاماً. وقد راح الصوفية المتأخرون على ابن جميل يتفنَّنون فى تأويل عبارته بحيث لا يخرجون بدلالتها عن سياج الشريعة ، إشفاقاً منهم على الصوفية -والمسلمين عموماً- من صدمة العبارة .
ولم يعالج ابن عربى مسألة النبوة على هذا النحو الصادم المتجلِّى فى عبارة ابن جميل ، وإنما عرض المسألة من خلال نظريةٍ هادئةٍ بعيدة الغور ، لم يخصَّص لها كتاباً بعينه ، وإنما فرَّقها -كعادته- فى كثيرٍ من مؤلفاته .. وإن كانت الفصوص هى أكثر هذه المؤلفات ، ارتباطاً بنظرية ابن عربى فى النبوة .
ولقد اتبعنا فى بحثنا هذا ، المنهج التحليلىَّ ، مع بعض المقارنة والاقتران بين نصوص ابن عربى وأقواله المتفرقة فى مؤلفاتِهِ ، وما ورد فى شروح هذه المؤلفات أملاً فى استجلاء جوانب نظريته ، وسعياً وراء العثور على إجابات لأسئلة مثل : ماهى طبيعة النبوة فى مذهب ابن عربى ؟ وما ارتباطها بمسألة الولاية ؟ وكيف تجلَّى الأنبياءُ فى مؤلَّفات ابن عربى عموماً ، وفى فصوص الحكم خصوصاً ؟ ولماذا احتوت الفصوص على سبعةٍ وعشرين فصاً ، بالذات؟ وهل هناك نصٌّ غائبٌ مستورٌ ، مسكوتٌ عنه ؛ هو الفصُ الثامنُ والعشرون ؟
ولسوف نرى ، فى آخر البحث ، أن الإجابة على هذه التساؤلات ، من شأنِهَا إثارةُ مشكلاتٍ مترتبِّةٍ عليها ، وهى مشكلات تتصل مباشرةً بالعقيدة وبطبيعة تصوف ابن عربى .. ولكن الأمر يقتضى ، قبل الدخول إلى ذلك كله أن نتعرَّف قليلاً إلى هذا الصوفىِّ العارم .

الشَّيْخُ الأَكْبَرُ
لم يحمل محيى الدين (ابن عربى) لقب الشيخ الأكبر مصادفةً واتفاقاً ، وإنما حمله استحقاقاً لمرتبةٍ عالية فى الطريق الصوفىِّ ، ومكانةٍ لا يكاد يبلغها صوفىٌّ آخر فى تاريخ الإسلام – سواءً فى القرون الخالية أو الأيام الحالية ، وسواءً فى ديار المسلمين أو فى العالم أجمع(9) – فهو أكبر مؤلِّفٍ صوفىٍّ فى تاريخ الإسلام وهو صاحبُ أكبر موسوعةٍ صوفية : الفتوحات المكية . وهو أخيراً : أكبر الذين صاغوا التصوُّف فى عصره صياغةً تامة ، بعد قرونٍ من تطوُّر الرؤية واللغة الصوفية .
وُلد محيى الدين أبو بكر محمد بن على بن محمد الحاتمى الطائى المرسى الملقَّب بابن عربى ، المعروف بالشيخ الأكبر ؛ سنة 560 هجرية، بمرسية (من بلاد الأندلس) وتوفى سنة 638 هجرية بدمشق، ودفن بسفح جبل قاسيون .. وما بين المولد والوفاة ، عاش ابن عربى حياةً عارمةً وخاض دورباً أرضيةً وسماويةً لا حدَّ لها ، فتعدَّدت رحلاته وارتحالاته من الأندلس إلى الشام ، وتنوَّعت تآليفه ومصنفاته، من الرسائل القصار إلى المدوَّنات الصوفية المشتملة على عشرات المجلدات ، وتحيَّرت ألباب العلماء فيه من ناقمٍ عليه مكفِّــرٍ له ، إلى داعٍ إليه محدِّثٍ بفضائله ؛ حتى أن التراث العربى حفل بمجموعةٍ من المؤلَّفات – لايزال أغلبها مخطوطاً – وضعها منتقدو ابن عربى ومكفِّروه ، وفى المقابل : مجموعة من الكتب التى وضعها محبُّوه والمدافعون عنه ؛ فصار المجموع يقرب من ثمانين كتاباً ورسالة، حصر د. عثمان يحيى أغلبها ، وصنَّفها فى قائمتىْ : الخصوم ، المدافعون(10) .. من بينها كتاب السخاوى عن ابن عربى ، الذى أودع فيه أكثر من ثلاثمائة فتوىً تشهد للشيخِ أو تشهد عليه ، ابتداءً من سنة 620 إلى سنة 895 هجرية(11) .
ومع ذلك كله ، وكما لاحظ الدكتور عثمان يحيى – بحق- فإننا لو قارنَّا بين ابن عربى وغيره من أعلام الفكر الإسلامىِّ ، لوجدناه : أقلُّهم حظّاً ونصيباً من اهتمامات الدارسين ، حتى يومنا هذا . وهو ما يرجع فى المقام الأول ، إلى: الانبهار أو الدهشة التى تأخذ بتلابيب الباحث وهو ينظر إلى التراث الفكرىِّ والروحى المترامى الأطراف .. فهناك ما يزيد على 900 كتاب (تشتمل على 1395 عنواناً) قد نُسبت بالفعل إلى الشيخ الأكبر . كما يرجع -أيضاً – إلى تلك: الخاصة الغريبة التى تتميَّز بها مؤلفات الشيخ ، حيث تغزر المصطلحات الغامضة وتسود الأفكار المعقَّدة .. وأكثر من كل ذلك ، أيضاً ، فإن ابن عربى وقد ارتقى مكاناً متميَّزاً من المعارف الإسلامية ، لم يصوِّر مذهبه كاملاً فى كتابٍ محدَّدٍ ، ولم يطرحه فى صورةٍ منهجية(12) .
ويمكننا القول إن وما ينطبق هنا على ابن عربى، ينسحب -أيضاً- على كبار الصوفية من أمثال ابن سبعين والسهروردى الإشراقى وجلال الدين الرومى، وغيرهم ؛ فهؤلاء الصوفية الكبار ، عانى تراثهم من انصراف الباحثين والدارسيين. بل يمكن القول إن ابن عربى كان أفضل حظّاً من هؤلاء ، إذ عكف على تراثه عددٌ من كبار الباحثين والمستشرقين ، فنشروا عديداً من أعماله ، ودرسوا عديداً من جوانب فكره وتصوفه؛ على نحوٍ لم يتيسَّر لغيره من كبار الصوفية .. ناهيك عن هذا العدد الكبير من التراجم التى حظى بها الشيخُ الأكبرُ خلال القرون السبعة الماضية(13) .
ومع الشهرة الواسعة ، طويلة الأمد ، التى نالتها كُتب ابن عربى ورسائله الصوفية ؛ فإن كتابين بالذات من أعماله ، كان لهما النصيب الأوفر من الأهمية والمكانة فى نفوس الصوفية – وأذهان الباحثين- على مَرِّ القرون ، وهما : الفتوحات المكية ، فصوص الحكم .
وكتاب الفتوحات موسوعةٌ صوفيةٌ ضخمة ، تقع فى 37 سفراً تضم 560 باباً – الباب الأخير منها : وصايا للمريد – وهى أشبه بمحيطٍ هادرٍ من المعرفةِ الصوفية ، المشتملة على عديدٍ من العلوم الدينية والفلسفية التى سبكها الشيخ الأكبر فى مزيجٍ عرفانىٍّ بديع ، وبأسلوبٍ رمزىٍّ ساحر ، بدت معه الفتوحات كبحرٍ لا ساحل له .. وهو دائم التنبيه على أنه كتبها بمددٍ إلهىٍّ ونَفْثٍ إلهامىٍّ وإلقاء ربانىٍّ(14) .
ولدينا من الفتوحات طبعتان كاملتان -فى أربعة مجلداتٍ- صدرتا بمصر عامى 1293 ، 1329 هجرية .. وطبعةٌ أخرى ، محقَّقة ، عكف د. عثمان يحيى على إصدار أسفارها تباعاً ، وتوفى قبل إتمام النصف .. رحمه الله ! أما فصوص الحكم فلها سبع نشرات ، ثلاثةٌ منها صدرت فى اسطنبول أعوام 1287 1297، 1309 هجرية ؛ وثلاثةٌ صدرت فى القاهرة أعوام 1304، 1323 1365 هجرية .. والنشرة السابعة ، محقَّقةٌ ، أخرجها د. أبو العلا عفيفى أول مرةٍ سنة 1365 هجرية، وأُعيد طبعها من بعد ذلك عدة مراتٍ فى القاهرة وبيروت .
ولما كانت الفصوص هى موضوع تحليلنا لتجلِّيات النبوة ، فلسوف نتوقَّفُ عندها بشئ من التفصيل ، خاصةً وأنها نصٌّ مشكلٌ يحتاج إلى فحصٍ وتحليلٍ وتِبيانٍ، وقد هوجم عليه ابن عربى كما لم يهاجم صُوفِىٌّ على كتاب ! حتى أن الذهبىَّ وصفه بأنه من أردأ تآليف ابن عربى ، ثم أضاف : فإن كان لا كفر فيه فما فى الدنيا كفرٌ .. فواغوثاه بالله(15) . بينما وصف صدر الدين القونوى – تلميذ ابن عربى – الفصوص بأنها : من أنفس مختصرات شيخنا .. وهو من خواتم منشآته وأواخر تنزلاته ، ورد من منبع المقام المحمدى والمشرب الذاتىِّ والجمع الأحدى ، فجاء مشتملاً على زبدة ذوق نبينا(16) .

فُصُوصُ الحِكَمِ
يعدُّ هذا الكتاب واحداً من أعقد النصوص الصوفية وأكثرها كثافةً وترميزاً .. وسحراً ! وهو -كالفتوحات – تحتشد فيه معارف لا حدَّ لها ، وهو أيضاً كُتب بمددٍ إلهىٍّ ، عبَّر عنه الشيخ الأكبر بقوله فى مقدمة الفصوص : رأيتُ رسولَ الله r فى مُبشِّرةٍ أُريتها فى العشر الآخِر من محرم سنة سبعٍ وعشرين وستمائةٍ بمحروسةِ دمشق ، وبيده r كتابٌ ، فقال لى : هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به ، فقلت : السمع والطاعة(17) .. ثم يقول شعراً :

فَمِـــنَ الله فاسمعـــــــوا
وإلى اللهِ فارجِعُـــوا
فــــــإذَا مـــــا
سمِعـْــتـُـمْ
ما أتيتُ بــِـهِ فعُــوا(18)

وقد بالغ د. أبو العلا عفيفى فى تقديمه للكتاب ، حين قال : ولا مبالغةُ فى القول بأن كتاب (الفصوص) أعظم مؤلفات ابن عربى كلِّها قدراً ، وأعمقها غوراً، وأبعدها أثراً فى تشكيل العقيدة الصوفية فى عصره وفى الأجيال التى لحقته(19) .. ولعل هذا القول يصدق على الفتوحات بأكثر مما ينطبق على الفصوص ! فالفتوحات كانت دوماً ، وستظلُّ : أهم وأشمل ما كتبه ابن عربىّ بل أهم وأشمل ما كُتب فى تاريخ التصوف . وهو ما أشار إليه الشعرانى فى ديباجة الكبريت الأحمر حين قال : واعلمْ يا أخى إننى طالعتُ مِن كُتب القومِ مالا أُحصيه ، وما وجدت كتاباً أجمعُ لكلام أهل الطريق ، من كتاب الفتوحات المكية(20) . وقد أكَّد هذا الأمر ، كاتبٌ صوفىٌّ معاصر – جزائرىٌّ – علَّق على قول د. عفيفى : ولا مبالغة فى القول .. إلخ ، بقوله : ويبدو أن هذا القول فيه مبالغةٌ ، وهو يصحُّ على الفتوحات أكثر من صحته على الفصوص ، لأن كل ما فى الفصوص مبثوثٌ ومفرَّقٌ فى أبواب الفتوحات ، وفى الفتوحات كثيرٌ
جدّاً من العلومِ والحقائقِ التى لاتوجدُ فى الفصوص(21) .
ومن جهةٍ ثانيةٍ – وكما ذكرنا فى مقدمة تحقيقنا لشرح المشكلات(22) – فمن الصعب ، أيضاً ، قبول ما يذكره د. أبو العلا عفيفى من أنه : لم يكن ظهورُ (الفصوص) مجرد طفرةٍ لم يسبق لها تمهيد ، فقد مهَّد ابن عربى للأفكار الرئيسيةِ فيه بمؤلفاته الصغرى ، ولكن أعظم تمهيدٍ له ، كان بكتابه الفتوحات المكيَّةِ(23). وهذا (الرأى) يصعب علينا قبولُهُ ، لأسبابٍ : منها أن ابن عربى كَتَبَ الفتوحات بعد الفصوص (خرجت فصوص الحكم سنة 627 هجرية، أما الفتوحات المكيَّةُ فقد كتبها ابن عربى بخطِّه مرتين ، الأولى سنة 629، والأخرى سنة 636 هجرية) .. ومنها أن الكتابين يعكسان روح ابن عربى بشكلٍ متقاربٍ .. وأن كليهما ، كما يقول ابن عربى : كُتب بمددٍ إلهى !
والذى حدا بالدكتور عفيفى إلى الاعتقاد بأن الفتوحات (تمهيدٌ) للفصوص هو ما وجده بين ثنايا كلام ابن عربى فى الفصوص من إشاراتٍ إلى الفتوحات .. بيد أن إشارات الشيخ الأكبر ، لم تكن للفتوحات التى نعرفها ! فالفتوحاتُ – كما ذكر ابن عربى فى مقدمتها – كانت فى بداية الأمر رسالةً بسيطةً بعث بها ابن عربى إلى صديقه عبد العزيز المهدوى وذلك أثناء إقامة ابن عربى بمكة سنة 598 هجرية ، ثم لم يلبث أن شرع فى إكمالها بدمشق ، فأنهاها سنة 629 – بعد فصوص الحكم – ثم أعاد كتابتها مرةً ثانيةً خلال الأعوام الأربعة الممتدة بين عامىْ 632 ، 636 هجرية(24) .. وعلى هذا النحو ، فالأرجح عندنا أن ابن عربىّ حين أشار إلى الفتوحات فى الفصوص فإنما كان يشير إلى الرسالة الأولى، أو إلى المسودات الأولية لموسوعة الفتوحات التى أوجز د. عثمان يحيى فى وصفها وأبان، حين قال : هى أكبر مجموعة عرفانية لابن عربى ، وهى تضم كل مظاهر تفكيره ، وكل المعارف الصوفية فى عصره(25) .
أما الفصوص فمن الممكن وصفها بأنها : أوجز مؤلَّفات الشيخ الأكبر وأكثرها رهافةً وتكثيفاً من جهة الاصطلاح الصوفى وتطور اللغة الصوفية، حتى يصعب أن نجد لها نظيراً فى التراث الصوفى .. اللهم إلا بضعة أعمالٍ من نوع: بُدّ العارف لابن سبعين ، الإنسان الكامل للجيلى .
ونظراً لأهمية الفصوص فقد عكف عليها الصوفية شارحين ومعلِّقين ، مما خلف فى النهاية 122 شرحاً حصرها د . عثمان يحيى فى كتابه(26) ، ورأيتُ فى الخزانات الخطية شروحاً أخرى لم يحصرها ! وبين أيدينا اليوم شرحٌ جديدٌ مطبوعٌ ، وضعه عبد الباقى مفتاح بعنوان مفاتيح الفصوص سار فيه على طريقةِ حساب الجمَّلِ وأسرار الأعداد ، منطلقاً من أنه : لم يبيِّن أحدٌ من جميع شُرَّاح الفصوص ، سِرَّ ترتيب أبواب الفصوص ، الذى هو مفتاحٌ ضرورىٌّ للفهم العميق للكتاب . وبدون إدراكٍ لهذا المفتاح ، تبقى البنية الكلية للكتابِ مجهولةً، وتبقى كثيرٌ من الإشارات والتلميحات المبثوثة فى النص خفيةً .. وليس الغرض من هذا البحث شرح الفصوص ، بعد أن قام به عشراتُ الرجال ، وإنما الغرض منه ، هو كشف هذا المفتاح الذى بقى مسكوتاً عنه إلى اليوم(27) .
غير أن أهم شروح الفصوص هو الشرح الذى وضعه المؤلِّف نفسه بعنوان: مفتاح الفصوص(28) . ومن بعده فى الأهمية ، شروح : صدر الدين القونوى (= الفكوك على الفصوص) داود القيصرى (= مطلع خصوص الكلم فى شرح فصوص الحكم) عبد الرحمن جامى (= نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص) عبد الغنى النابلسى (= جواهر النصوص فى حل كلمات الفصوص) .. إلخ، وقد اعتمد د. أبو العلا عفيفى فى تعليقاته الشارحة للفصوص، على شروح القونوى والقاشانى وجامى : إلى حَدٍّ كبيرٍ ، مستأنساً فى بعض الأحيان بشرحىْ : بالى أفندى ، وعبد الغنى النابلسى(29) .
والعجيبُ أنه على الرغم من كثرة الشروح وتواليها على مر السنين ، فلا تزال الفصوص من النصوص المستغلقة ، الموارية المعانى بإيجازها المعجز وإسهابها المتعب(30) ، القادرة دوماً على توليد الدلالات الجديدة ، المبهرة .. وتلك الخاصة تتمتع بها النصوص الرمزية عموماً ، والدينية منها على وجه الخصوص ، والصوفية منها على وجهٍ أخصَّ .
وعن استغلاق الفصوص حكى د. أبو العلا عفيفى أنه فى بدء عكوفِهِ على الكتاب : قرأتُهُ مراتٍ ومراتٍ ، تارةً النص وحده، وتارةً النص مع بعضِ الشروح مثل شرح القاشانى وداود القيصرى وعبد الرحمن جامى وعبد الغنى النابلسى ، ولكن الله لم يفتح علىَّ بشئٍ ! كنتُ أقرأ كلاماً عربيّاً مبيناً ، وأفهم كل كلمةٍ على حِدَةٍ ، ولا استطيع فهم المضمون العام أو المعنى الكُلِّىِّ لما يهدف إليه المؤلف(31) !
وتتألَّف فصوصُ الحكم من ديباجةٍ قصيرةٍ وسبعةٍ وعشرين فصلاً ، كلُّ فصلٍ هو فصُّ – أو : جوهرةٌ – لحكمةٍ خفيةٍ رآها الشيخُ الأكبرُ فى حقيقةٍ نبويَّةٍ فارتبطت كلمة كل نبىٍّ ، بحكمةٍ ذوقيةٍ بعيدة الغور ، فجاءت الفصول (الفصوص) كالتالى :
1- فصُّ حكمةٍ إلهيةٍ فى كلمة آدميةٍ .
2- فصُّ حكمةٍ نفثيةٍ فى كلمةٍ شيثيةٍ .
3- فصُّ حكمة سبوحية فى كلمة نوحية .
4- فصُّ حكمة قدُّوسية فى كلمة إدريسية .
5- فصُّ حكمة مهيِّمية فى كلمة إبراهيمية .
6- فصُّ حكمة حقِّية فى كلمة إسحاقية .
7- فصُّ حكمة علية فى كلمة إسماعيلية .
8- فصُّ حكمة روحية فى كلمة يعقوبية .
9- فصُّ حكمة نورية فى كلمة يوسفية .
10- فصُّ حكمة أحدية فى كلمة هودية .
11- فصُّ حكمة فتوحية فى كلمة صالحية .
12- فصُّ حكمة قلبية فى شعيبية .
13- فصُّ حكمة مكية فى كلمة لوطية .
14- فصُّ حكمة قَدرية فى كلمة عزيرية .
15- فصُّ حكمة نبوية فى كلمة عيسوية .
16- فصُّ حكمة رحمانية فى كلمة سليمانية .
17- فصُّ حكمة وجودية فى كلمة داودية .
18- فصُّ حكمة نفسية فى كلمة يونسية .
9- فصُّ حكمة غيبية فى كلمة أيوبية .
20- فصُّ حكمة جلالية فى كلمة يحيوية .
21- فصُّ حكمة مالكية فى كلمة زكرياوية .
22- فصُّ حكمة إيناسية فى كلمة إلياسية .
23- فصُّ حكمة إحسانية فى كلمة لقمانية .
24- فصُّ حكمة إمامية فى كلمة هارونية .
25- فصُّ حكمة علوية فى كلمة موسوية .
26- فصُّ حكمة صمدية فى كلمة خالدية .
27- فصُّ حكمة فردية فى كلمة محمدية .
ولابد من الإشارة إلى أن ابنَ عربىّ فى عديدٍ من الفصوص السبعةِ والعشرينَ ،لم يُفصحْ بوضوح عن طبيعة كل حكمةٍ وارتباطها بهذا النبى أو ذاك. وهو أيضاً ، لم يقصد الإشارةًّ إلى الأنبياءِ بشخوصِهِمْ على نحو ما نجد فى سيرِ الرُّسُل ، وإنما تناول حقيقة النبى ، أو بحسب تعبيره : كلمة النبىِّ .. كما تجدر الإشارةُ إلى أن مفهوم النبوة لا يمكن إدراكه فى تصوف الشيخ الأكبر ، بعيداً عن نظريته فى الولاية والأولياءِ .

الوُلاَيَـةُ والنُّبُوَّةُ
تحت هذا العنوان ، نشر د. حامد طاهر مقالةً تشتمل على دراسةٍ موجزةٍ وتحقيقٍ لرسالةٍ فريدةٍ لابن عربى ، كان قد وجدها ضمن مجموعة رسائل خطِّيةٍ محفوظة تحت رقم 941/ حليم بالخزانة الأزهرية . ومع أن هذه الرسالة صغيرةُ الحجم ، وبدون عنوانٍ ، ولم تُعرف من قبل .. إلا أنها رسالةٌ بالغة الأهمية والدلالة ، لأنها – كما ذكر محقِّقها بحقٍ – تحتوى على الأفكار الأساسية التى عرضها ابن عربىّ بكثير من النضج والتركيز فى مؤلفاته المتأخرة(32) . وقد لاحظنا من جانبنا ، علاوةً على ما أشار إليه المحقِّق ، أن هذه الرسالة التى كتبها ابن عربىّ حينما كان فى الثلاثين من عمره ليشرح فيها عبارة عبد العزيز المهدوى : علماء هذه الأمة ، أنبياء سائر الأمم . نقول : إن هذه الرسالة عرضت على استحياءٍ للجوانب الأساسية لفكر ابن عربىّ . ونقول : على استحياءٍ لأن مؤلِّفها كان كثير التوقِّى والحرص فى تبيانِهِ للأمور ، وقد ذكر بين ثناياها ، ما نصُّه : ولولا قطع البلعوم ، لأظهرتُ هنا سرّاً يهتزُّ له العرشُ وما حواهُ(33) ! وهى عبارةٌ تشى بتردُّد المؤلِّف فى إظهار الأسرار ، وهو التردُّد الذى راح يتبدَّد يوماً بعد يومٍ ، مع عُلوِّ مكانة ابن عربىّ لدى أهل زمانِه – وقد كان من بين محبِّيه ومريديه ملوكٌ من أمثالِ : الملك المظفر غازى ، وعز الدين كيكاؤس ملك قونية – فأخذ ابن عربى فى مؤلَّفاتِهِ التالية ، يتوسَّع ويفيض بجرأةٍ أكثر وبلغةٍ أنضج ؛ وهو ما يظهر لنا من خلال مقارنة مواضع بعينها وردت فى تلك الرسالة تلميحاً ، ثم بُسطت تصريحاً بعد ذلك.. فمن ذلك قوله فى الرسالة : وفيه أيضاً سِرٌّ لطيفٌ لا يمكن كشفُهُ لقلَّة احتمال الخلق لهُ .. وقد نبَه عليه شيخُ الشيوخ سهلٌ بن عبد الله التسترى فى قوله : إن لكذا سرّاً لو ظهر لبطل كذا(34) . تلك هى الصورة (المتخفية) التى أورد بها ابن عربى قول التسترى فى الرسالة ، أما فى مؤلَّفاته المتأخرة -كالفتوحات – فلسوف يورد ابن عربى عبارة سهل التسترى بنصِّها : إن للربوبية سِرّاً لو ظهر ، لبطلت الربوبية(35) . بل ويمعن فى إظهارها وتأويلها فى الفصوص مقرراً : قال سهلٌ : إن للربوبية سرّاً – وهو أنت ، يخاطب كل عينٍ- لو ظهر ، لبطلت الربوبيةُ . فأدخل عليه (لو) وهو حرف امتناع لامتناع وهو لا يظهر ، فلا تبطل الربوبية ، لأنه لا وجود لعينٍ إلا بربه ؛ والعين موجودة دائماً ، فالربوبية لا تبطل دائماً(36) . وهنا يتجاوز ابن عربى الإخفاء والتمويه والتعمية ، إلى الإظهار والإبانة والتصريح.. بل يتجاوز دلالة عبارةِ التسترى إلى دلالةٍ أعمق ، يقرأ فيها كلمة (ظهرٍ ) بمعنى : زال ! متخطِّياً موقفه المتحفِّظ فى رسالته المبكِّرة ، ومتخطِّياً – أيضاً – شرح القاشانى تلميذه ، للعبارة نفسها .. فقد شرحها القاشانى بقوله : سِرُّ الربوبية هو توقُّفها على المربوب لكونها نسبةً لابد لها من المنتسبين(37).
ويتأكَّد الأمر بشاهدٍ آخر ، ورد فى رسالة ابن عربى المبكرة على نحوٍ ، وفى مؤلَّفاته التالية على نحوٍ أوضح وأشمل . ونعنى بذلك ، الإشارة إلى أنه يكتب بإلهامٍ ومَددٍ إلهيين ! وهو ما يظهر فى الرسالة – على استحياءٍ – حين يقول فى جملةٍ قلقة :
أما بعد ، أصلح الله سرائركم، وصفَّى من كدرات الشبه ضمائركم ووفَّق ظواهركم للإسلام ، وزيَّن بواطنكم بالإيمان الوافر التام ، وجلى خواطركم بالأسرار السنية الواردة من عين الحقيقة على أفئدة أهل الإلهام فإنى أُمرتُ ممن إليه آنفاً أشير .
وذلك أن الله ، جلَّت قدرته ، وعظمت مِنَّته، وعمَّت البَّر والفاجر نعمتُهُ، لما حجبنى عن تفصيلى ، ونزَّهنى عن تجميلى ، أدخلنى حضراتٍ جمةً ، على قدر ارتقاء الهمَّة ، حتى انتهيتُ وما انتهيتُ ، ورأيتُ وما رأيت، وأتانى فى حضرة الهوية الخطاب ، بإبراز هذا الكتاب ، وإخراجِهِ إلى العالم المحسوس ، وتعريفهم بإنزاله من حضرة التقديس ، على الجوهرِ النفيس لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطَّهروِن من التخييل والتلبيس ، وقيل لى : خُذْه بقوة ، وأَخبِرْ كل من تراه وحقَّقه ، وأمعن النظر فيه ودقَّقه ، إن وقف مع الأضداد فى ظاهره ، كان له رانٌ على قلبه لا يفتحُ باب ، ولا يبدو لِسرِّه لُباب . ولا ينبغى أن يقف عليه إلا الوارثون ، لا العارفون ولا الواقفون. إذ المعرفة حيرة ، ويثبت الواقف غيره .
فإن قيل لك : كلُّ خطابٍ حجابٌ . وهذا خطابٌ فهو حجابٌ وأنت تدّعى أنْ لا حجاب . فلتقل : لا تسع العبارة أكثر من هذا المقامِ وإلا لو تركنا وحدنا ، لما تصور خطاب ولا مراجعة(38) .
وقد أوردنا نصَّ ابن عربى السابق ، بتمامه ، لتكون فرصةً لتأمل هذا القلق الأسلوبى ، والعبارات القصيرة ، الاستدراكية ، وتوهُّم المعترض ، والرد عليه .. وكلُّ ذلك يختفى تماماً فى الفصوص والفتوحات ، حيث كان ابن عربى حاسماً فى الإخبار عن (حقيقة) أنه كَتَبَ ما كتبه ، بمددٍ إلهى وتكليفٍ ربانىٍّ أو أمرٍ نبوىٍّ .
وأما الولاية والنبوة فقد عرض لهما الشيخ الأكبر فى هذه الرسالة بعباراتٍ رقيقةٍ ، ملتحفةٍ بالأدلة العقلية والنقلية التى تمهِّد – بل تعبِّد الطريق – إلى نظريته بالغة الخطورة والأهمية ، وهى النظرية التى مفادها أن إلهام الله لعباده لا ينقطع بانقطاع الرسالات السماوية والكتب السماوية ، ولذا فإن هذه الكتب : لم تقتصر على كتابٍ واحد ! يقول ابن عربى : أما رأيتَ التوراة والإنجيل والصحف والتنزيل ، أما كان يكفى كتابٌ واحدٌ من أولئك ؟ فكذلك إلهامه(39) سبحانه ، لأوليائه(40) . وهنا يفترض ابنُ عربى أن ثمة معترضاً عليه سوف يستنكر مقالتهُ، وينكرها بحجة أنه : لا وحى بعد رسول الله .. وأن ابن عربىّ : ادَّعى النبوة بلسان الحال ! فيجيب على المعترض المفترض بأنه : إن كان انقطع جبريل عليه السلام ، فما انقطع عن صدور الأولياء الإلهامُ .. فالحقُّ سبحانه وتعالى لما زال ولا يزال يلهم أولياءَهُ أسراره .. فموارده على قلوبهم ليس لها حدٌّ ولا نهاية ، بحورٌ ليس لها سواحل(41) .
ثم يستدل ابن عربى على صدق دعواه بالأدلة الشرعية ، فيورد الحديث الشريف : العلماء ورثة الأنبياء(42) . والآية القرآنية يَرْفَعِ اللهُ الذينَ آمنوُا مِنْكُمْ والذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ(43) والوقائع المشهورة فى قصة موسى والعبد الصالح (الخضر) الذى بلغ من المقام ، أن قال للنبى المرسل : موسى لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ علَى مَا لَمْ تُحِطْ بِه خُبراً(44). وينطلق من ذلك إلى الكلام عن أوجه (الشبه) بين النبى والصوفى ! مهدِّئاً الخواطر بقوله : وأجمع المتصوفة ، أهل الحقائق ، وشيخنا صاحب مسألتنا(45) معهم ، أن آخر قـدمٍ يضعه الولى هو أول
قدم يضعه النبى ، فبداياتُ الأنبياء نهاياتُ الصدِّيقين والأولياء(46) .
وقد ظل الشيخ الأكبر ينوِّع ترنيمات هذا اللحن الغريب فى الولاية والنبوة فى سائر مؤلفاته . وإن كانت النبوة كما لاحظت د. سعاد الحكيم ، بحق : من المفردات والأفكار التى جلبت للشيخ الأكبر مختلف التهم ، تدرَّجت ألوانها من الاستياء إلى التكفير(47) . مع أن فكرة ابن عربى تبدو فى ظاهرها بسيطةً كلَّ البساطة، فالولاية دائرة تشمل دائرة النبوة ، بمعنى أن كل نبىٍّ لابد وأن يكونَ وليّاً، ولا يشترط فى الولىِّ أن يكون نبيّاً ، وإنما هو داخل مع النبى فى دائرة الولاية الكبرى . فالولاية على هذا النحو ، وبحسب تعبير الشيخ الأكبر : هى الفلك المحيط الجامع للكل (الأنبياء والأولياء) فهم وإن اجتمعوا فى منصب الولاية، فالولاة لهم مراتب(48) .
وعن اجتماع الأولياء مع الأنبياء فى دائرة الولاية ، التى هى مقام القربة من الله ، يقول ابن عربى فى كتاب القربة :
انظروا إلى حظ الورثة من هذه الرسالة فى قوله عليه السلام : العلماء ورثة الأنبياء.وقوله تعالى وأَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبَادِىَ الصَّالحِوُن فلهم الحكم فيها . وإذا سمعتم لفظة من عارفٍ محقق ، مبهمةً ، وهو أن يقول : الولاية هى النبوة الكبرى والولى العارفً مرتبته فوق مرتبة الرسول فاعلم أنه لاعتبار الأشخاص من حيث ما هو إنسان ، فلا فضل ولا شرف فى الجنس بالحكم الذاتى وإنما يقع التفاضل بالمراتب؛ فالأنبياء صلوات الله عليهم ما فضلوا الخلق إلا بالمراتب ، فالنبى r له مرتبة الولاية والمعرفة والرسالة ، ومرتبة الولاية والمعرفة دائمةُ الوجود .
ثم يقول :
ومرتبةُ الرسالة منقطعة فإنها تنقطع بالتبليغ والفضل للدائم الباقى والولى العارف مقيم عنده والرسول خارج ، وحالة الإقامة أعلى من حالة الخروج فهو r من كونه وليا وعارفا، أعلى وأشرف من كونه رسولا ، وهو الشخص بعينه واختلفت مراتبه ، لا أن الولى منا أرفع من الرسول نعوذ بالله من الخذلان(49) .
وإذا كان كتاب القربة يمثلُ حلقةً متقدِّمةً فى حلقات التنويع اللحنى على مقطوعة الولاية والنبوة عند الشيخ الأكبر ، فإن المعزوفة الكبرى لهذا اللحن كانت فى الفتوحات المكية .. غير أن ابن عربى لم يقدِّم معزوفته كاملةً فى الفتوحات ، بمعنى أنه لم يُفرد لها فصلاً أو باباً من الأبواب، وإنما فعل فيها ما كان قد وعد به فى بداية الفتوحات حين قال : وأما التصريح بعقيدة الخلاصة ، فما أفردتها على التعيين ، لما فيها من الغموض . ولكن جئتُ بها مبدَّدةً فى أبواب هذا الكتاب ، مستوفاةً ، مبينةً . لكنها كما ذكرنا ، متفرِّقة(50) .
ولما كانت نظريةُ ابن عربى فى الولاية والنبوة ، تقع ضمن عقيدة الخلاصة أو : خواص الأولياء ! فقد بدَّدها ابن عربى بين الأبواب ، ووشَّى بها الفصول والصفحات .. وحسناً فعلت د. سعاد الحكيم ، حين جمعت فى معجمها نصوص ابن عربى – المتفرقة – فى مسألة الولاية والنبوة ، فصار من الممكن التعرُّف إلى ملامح نظريته ، دون الوقوع فى خطر التشتُّت ومتاهة التشتيتِ . فكان مما حصرته من كلام الشيخ الأكبر – فى الفتوحات – أقواله الآتية(51) :
* وأما النبوة العامة ، فأجزاؤها لا تنحصر ، ولا يضبطها عددٌ ، فإنها غير مؤقَّتةٍ ، لها الاستمرار دائماً ، دنيا وآخرة (ف 2/9)
* والنبوة فى ذاتها اختصاصٌ إلهى ، يعطيه لمن يشاء من عباده ، وما عنده خبرٌ بشرعٍ ولا غيره (ف 2/595) .
* فالولاية : الفلك المحيط الجامع للكُلِّ (ف 3/14)
* والولاية لها الأولية ، ثم تنصحب وتثبت ولا تزول ، ومن درجاتها النبوة والرسالة .. انقطعت النبوة والرسالة ، لأنه لامستند لها فى الأسماء الإلهية ولم تنقطع الولاية ، فإن اسم الولى يحفظها (ف 3/101)
*الولىُّ لا يأخذ النبوة من النبى ، إلا بعد أن يرثها الحقُّ منهم ، ثم يلقيها إلى الولى ، ليكون ذلك أتمُّ فى حقِّه ، حتى ينتسب إلى الله لا غيره . وبعض الأولياء يأخذونها وراثةً عن النبى r وهم الصحابة (ف2/253)
* وأعلى الخواص من العباد : الرسلُ عليهم السلام ، ولهم مقام النبوة والولاية والإيمان (ف 2/5)
*الأكابر من عباد الله ، الذين هم فى زمانهم بمنزلة الأنبياء فى زمان النبوة، وهى النبوة العامة (ف 2/3)
* النبوة التى انقطعت بوجود رسول الله r إنما هى نبوةُ التشريعِ لامقامها (ف 2/3)
*الأنبياء على رتبتين : أنبياء شرائع ، وأنبياء أتباعٌ . فأنبياء الشرائع فى الرتبة الثانية من الرسل ، والأنبياء الأتباع فى الرتبة الثالثة . والرتبة الثالثة تنقسم قسمين : قسمٌ يسمَّى أنبياءً وقسمٌ يسمَّى أولياءً (ف 2/84)
*النبوة سارية إلى يوم القيامة فى الخلق ، وإن كان التشريع قد انقطع فالتشريع جزٌ من أجزاء النبوة ، فإنه يستحيل أن ينقطع خبر الله وإخباره من العالم ، إذ لو انقطع ، لم يبق للعالم غذاءٌ يتغذَّى به فى بقاء وجوده .
*وهذه النبوةُ سارية فى الحيوان ، مثل قوله تعالى وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلىَ النَّحْلِ لكنه لا ينطلق من ذلك اسمُ نبىٍّ ولا رسولٍ على واحدٍ منهم (ف2/ 254)
*فإن الله أخفى النبوة فى خَلْقه ، وأظهرها فى بعض خَلْقه ، فالنبوةُ الظاهرة هى التى انقطع ظهورها ، وأما الباطنة فلا تزال فى الدنيا والآخرة ، لأن الوحى الإلهى والإنزال الربانىَّ ، لا ينقطع ، إذ كان به حفظ العالم (ف 3/285)
* فالولاية نبوةٌ عامة ، والنبوة التى بها التشريع نبوةٌ خاصة (ف 2/24)
وقبل العكوف على تحليل هذه العبارات الواردة بنصِّها فى الفتوحات ونظراً لما نلمحه فيها من اتساعٍ للحقول الدلالية فى لفظىْ : النبوة والولاية ، فإنه يجدرُ بنا -أولاً- الوقوف عند المعانى اللغوية والاصطلاحية لهذين اللفظين :
من حيث اللغة ، وكما ذكر ابن منظور فى اللسان فإن النبوة كلمةٌ واسعة الدلالات ، فهى : الجفوة ، والإقامة ، والارتفاع . والنبىُّ : العَلَمُ من الأرض التى يُهتدى بها ، ومنه اشتقاق النبىِّ لأنه أرفع خلق الله ، وذلك لأنه يُهتدى به . وقد يكون لأنه أنبأ عن الله . وإن أخذت النبىَّ من النبوة والنباوة ، وهى الارتفاع .. فأصله غير الهمز ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، وتصغيره : نُبَىٌّ ، والجمعُ : أنبياء(52) .
أما الولى فهو الناصر ، ومن أسمائه تعالى الولى وهو المتولِّى لأمور العالم والخلائق ، القائم بها . ومن أسمائه عز وجل الوالى وهو مالك الأشياء المتصرِّف فيها . والولاية : الخطة – كالإمارة- وهى السلطان والنصرة ، يقال : هم علىَّ ولايةٌ أى مجتمعون فى النصرة .. والولاية على الإيمان واجبة ، المؤمنون بعضهم أولياءُ بعضٍ .. والمولى ، له مواضع كثيرة فى كلام العرب ، منها المولى فى الدين وهو الولىُّ .. والمولى : الحليفُ .. وقال أبو الهثيم : المولى على ستة أوجه : ابن العم والعم والأخ والابن ، والناصر ، والذى يلى عليك أمرك ، والذى يُسلم على يديك ويواليك ، والذى يُنعِم على عبده بعتقه ، والذى أُعتق .. فهذه ستة أوجه(53) .
وقد أفاض ابن منظور – وغيره من اللغويين أصحاب المعاجم(54) – فى الكلام عن المعانى المختلفة ومستويات الحقول الدلالية لكلمتىْ النبوة والولاية وما يشتق منهما من مفردات . وليست غايتنا هنا الخوض فى هذا الغمار ، وإنما أردنا الإلماح إلى أن الكلمتين – كلتاهما – من الاتساع الدلالى ، بحيث يسمحان للشيخ الأكبر بالحركة بين مستوياتهما اللغوية .
ومن حيث الاصطلاح ، وعلى ما ذكره التهانوى فى كشَّافه ، فإن النبىَّ لفظٌ منقولٌ فى عُرف الشرع عن معناه اللغوى .. وعند الأشاعرة ، هو من قال الله تعالى له – ممن اصطفاه من عباده – أرسلناك إلى قوم كذا ، أو إلى الناس جميعاً : ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على هذا المعنى . ولا يلزم قِدَمِ النبوة : وإن كان قول الله تعالى قديماً . وعندهم -الأشاعرة- لا يشترط فى الإرسال شرطٌ ولا استعدادٌ ذاتى : بل الله سبحانه يختص برحمته من يشاء من عباده .. ثم يقول التهانوى :
وعند الفلاسفة ، أى فلاسفة الشريعة ؛ هو من اجتمع فيه خواصٌ ثلاثٌ . الأول أن يكون له اطلاعٌ على المغيَّبات .. والثانى ظهور الأفعال الخارقة للعادة .. والثالث أن يرى الملائكة مصوَّرةً بصورٍ محسوسةٍ ويسمع كلامَهُمْ وحياً من الله .. والفرق بينه وبين الولى ، يجيئ فى فصل الياء التحتانية من باب الواو ، مع بيان أن الولاية أفضل من النبوة ، أو بالعكس(55) .
وفى الموضع المشار إليه ، أفاض التهانوى فى الكلام عن الوِلاء -بالكسر- والوَلاء ، بالفتح ، وما يتعلق بهما من معانى الموالاة والمولى والولى والأوليائية والتولية والتوالى .. وفى معنى الولى يستطرد صاحب الكشَّاف ويطيل ، جامعاً بين أقوال الفرق والجماعات الإسلامية من الفقهاء و المتكلمين والفلاسفة والصوفية ؛ فكان مما أورده فى بيان هذا المعنى الاصطلاحى :
الولىُّ هو الفانى من حاله الباقى فى مشاهدة الحق .. والولاية هى التصرُّف فى الخلق بالحق ، وليست فى الحقيقة إلا باطن النبوة ، لأن النبوة ظاهرها الإنباء وباطنها التصرُّف فى النفوس بإجراء الأحكام عليها ، والنبوة مختومةٌ من حيث الإنباء أى الإخبار – إذ لا نبى بعد محمد r – دائمةٌ من حيث الولاية والتصرُّف .. وما قيل من أن الولاية أفضل من النبوة ، لا يصح مطلقاً إلا بقيدٍ ، وهو أن ولاية النبىِّ أفضل من نبوته التشريعية .. والولاية لا تعلُّق لها بوقت دون آخر ، بل قام سلطانها إلى قيام الساعة(56) .
ويورد التهانوى ضمن كلامه السابق ، ما استدلَّ به الصوفية على مكانة الأولياء ، كالحديث الشريف : علماء أمتى كأنبياء بنى إسرائيل(57) .. وأنهم – أى الأولياء – دعوا الخلْق إلى الحق بتبعية النبى عليه الصلاة والسلام ، لأنهم مظاهرُ نبوته .
ومن هنا يتأكَّد الاتساعُ الدلالىُّ – اللغوىُّ والاصطلاحىُّ- لمفهومىْ الولاية والنبوة ، ومن هنا ندخل إلى تحليل أقوال ابن عربى التى أوردناها فيما سبق حيث يتضح لنا من تأمُّل نصوصه أنه ينطلق فى نظريته من قاعدتين : الأولى النبوة العامة والثانية الولاية .. ثم يدمج المفهومين معاً حين يقرر أن : الولاية نبوةٌ عامةٌ (ف 2/24) وهذه النبوة العامة يشترك فيها مع الأنبياء والرسل ، خلق الله كافة ! فهى سارية فى النحل الذى يوحى إليه الله ، كما يتجلَّى على قلوب أوليائه .. فالوحى لا ينقطع بانقطاع النبوة الخاصة ، وهو مظهرٌ من مظاهر النبوة العامة
(الولاية) التى يحفظ اللهُ بها العالم (ف3/285) .
وفقاً لما سبق، ففى الأنبياء والرسل جانبان ، الأول جانب النبوة العامة وفيه يقع الاشتراك فى المقام بينهم وبين الأولياء ، والآخر جانب النبوة الخاصة التى يشرِّعون بها الدين للناس (ف 2/5) فأكابر الأولياء بمنزلة الأنبياء فى زمانهم لأنهم جميعاً – الأنبياء والأولياء- مجلى العناية الإلهية .. وهم جميعاً يدخلون فى دائرة الولاية (النبوة العامة) المحيطة بالكل ، الجامعة لهم (ف 3/14) حتى وإن انقطعت الرسالات السماوية والنبوات الخاصة .
ثم يلمح ابن عربى إلى أنَّ استمداد الولىِّ من الله مباشرةً ، وقد يكون من الرسول – كما هو الحال فى الصحابة – وعندئذٍ فمقام الولاية أعلى من حيث مدده ، لأنه من الحق لا الخلْق (الرسل) وأن انقطاع الرسالة كان لابد من وقوعه لأنه ليس من بين الأسماء الإلهية اسم النبى أو الرسول بينما كان لابد من امتداد الولاية فى الخلق ، لأن الاسم الإلهى الولى يحفظ الولاية ، ويظل مستنداً لها إلى يوم القيامة .
والسؤال : أمقامَ الولىِّ أعلى أم النبى ؟ هو سؤالٌ ساذج فى هذا السياق لأن النبى – أو الرسول- إنما هو ولىٌّ حال كونه نبياً ، والولى مشارك فى دائرة النبوة العامة .. فليس الأمر على نحوٍ يتفاضل معه أولئك وهؤلاء ، وإلا فكيف نقبل الوقائع التى جرت بين موسى عليه السلام – وهو النبى المرسل صاحب الشريعة – والخضر ، الذى هو واحدٌ من الأولياء ، لا الأنبياء . وهو الموضوع الذى فصَّل ابن عربى الكلام فيه فى الفصوص حيث تقدَّم إلى المرحلة الأخيرة من نظريته فى النبوة.

أَنْبياءُ الفُصُوصِ
لم يترك الشيخ الأكبر قصة موسى والعبد الصالح تمرُّ عليه فى الفصوص دون أن يؤكِّد من خلالها نظريته فى الولاية والنبوة ، فهو يشير إلى أن موسى لم يكن يعلم ما عَلِمه الخضر ، ولذا قال له الأخير : أحطت بما لم تحط به خبراً (الآية) فأنصف الولى – الخضر – حين بيَّن للنبى موسى ، أنه : على علم لم يحصل لك عن ذوق ، كما أنت على علم لا أعلمه أنا .. ومن هنا : وقع الفراق ! ثم يقول الشيخ الأكبر : فانظرْ إلى كمال هذين الرجلين فى العلم وتوفية الأدب الإلهىِّ(58) .
القضية ، إذن ، أن النبوة – والرسالة – هى كمالٌ إنسانىٌّ مثلما الولاية كمالٌ ، فلا يقال : أيهما أعلى ، النبى أم الولى ؟ فإن سأل جاهلٌ هذا السؤال سَدَّ عليه ابن عربى الباب بإجابةٍ مبهمة ، من نوع قوله : وأما اليوم فلا يصل إلى درجة النبوة ، نبوة التشريع ، أحدٌ ، لأن بابها مغلق(59) .. أو قوله : النبى من كونه ولياً وعارفاً ، أعلى وأشرف من كونه رسولاً ، وهو الشخص بعينه اختلفت مراتبه ، لا أن الولى منا أرفع من الرسول ، نعوذ بالله من الخذلان(60) .. أو قوله : نبوة التشريع والرسالة منقطعة بمحمد r ، فلا نبىَّ بعدى ، يعنى مشرِّعاً أو مشرَّعاً له ، ولا رسول وهو المشرع(61) .
غير أن الشيخ الأكبر لا يلبث أن يُردف كلامه السابق ، بإشارةٍ إلى أن هذا
الحديث الشريف : لا نبى بعدى(62) ، بحسب تعبيره : قصم ظهور الأولياءِ ! لأنه أغلق باب الانفراد باسمٍ يختص به – النبى الرسول ، من دون الله .. ومع ذلك فقد لطف الله بالإنسان ، وترك للأولياء النبوة العامة ، وترك لهم – أيضاً- التشريع ، فى صورة الاجتهاد ، وفى صورة الوراثة فى التشريع على ما ورد فى الحديث الشريف : العلماء ورثة الأنبياء(63) .
ثم يتابع الشيخ الأكبر – فى الفصوص – عرض الصورة النهائية لنظريته مؤكِّداً بقاء الولاية كاسم لله تعالى (الولى) وكصفةٍ لخلقه (الأولياء) وأن النبوة والرسالة هى رتبةٌ مخصوصةٌ من الولاية ، وليست بأعلى الرتب فيها ! وإلا لما قال الله لعُزير : لئن لم تنته لأمحونَّ اسمك من ديوان النبوة . وهو وعدٌ فى صورة وعيد، وخبرٌ : يدل على علو رتبةٍ باقيةٍ .. وهى المرتبة الباقية على الأنبياءِ والرسل فى الدار الآخرة ، التى ليست بمحلٍّ لشرع(64) .
وعلى ضوء هذه النظرية ، توالى ذكر الأنبياء وتعدَّدت تجليِّاتهم فى فصوص الحكم .. فمن آدم إلى محمدٍ ، عليهما الصلاة والسلام ، يستعرض الشيخُ الأكبرُ حقائق النبوة كما تجلَّت على مرآة الولاية ؛ أعنى مرآة ولايته هو ! ومن هنا نفهم قوله فى الديباجة ، إن الفصوص كُتبت عن نفثٍ ربانىٍّ وتكليفٍ محمدىٍّ .. ومن هنا نفهم قوله فى الأبيات الافتتاحية :
فَمِنَ اللهِ فاسمَعُــوا وإِلىَ اللهِ فارْجِعُـوا
وكان صدر الدين القونوى قد أراد فكَّ رموز الكتاب ، فأورد فى مقدمة شرحه للفصوص ، جملة تعريفاتٍ دالةٍ على مراد أستاذه . فمن تلك التعريفات التى أوردها ، فزاد بها من مشكلات الفصوص ! قوله : الفصُّ عبارة عن خاتمة علوم كل مرتبة من المراتب المذكورة فى هذا الكتاب ، وصورة أحدية جمعها .. والفصُّ الذى هو خاتم علومها والحائز بأحدية جمعية أحكامها الكلية ، كالروح المنفوخ فى تلك النشأة المسواة (يقصد : الإنسانية) ونقش كلِّ فصٍ : الكلام المعرب عن معنوية ذلك الفصِّ ومعقوليته . والحكمة : عبارة عن ضوابط تلك المسائل العلمية والأحكام الكلية بطريق الحصر لها ، مع التنبيه على أصل محتدها ومستندها من مطلق علم الحق ، والتعريف لذاته من حيث تعيُّنه فى تلك المرتبة .. والكلمة : عين ذلك النبى المذكور ، من حيث خصوصيته وحظه المتعيِّن له ولأمته من حكم الحق الذى هو شريعته التى من حيثها يسمى نبيّاً .. إلخ(65) .
غير أن تعريفات القونوى – وقد اختصرناها فى الفقرة السابقة – من شأنها زيادة تعقيد النصِّ ، ويغلب عليها التكلُّف بلا داعٍ . وكان من الممكن له أن يكتفى بالإشارة إلى أن الشيخ الأكبر ، لم يكن يبغى فى الفصوص أن يتناول سير الأنبياء وشخصياتهم ، وإنما أراد الكلام عن حقائق النبوات من موقعه هو، وبيان ارتباط كل حقيقةٍ نبويَّةٍ برقيقةٍ إلهيةٍ هى أصلها ، وهذا الارتباط هو جوهرة هذه النبوة أو تلك .
ومع ذلك ، فالملاحظة المهمة التى استرعت انتباهنا فى الفصوص والتى يجب تأمُّلها طويلاً ، هى أنه من بين السبعة وعشرين فصّاً – فصول الفصوص- تحدَّث ابن عربى عن أنبياء غير متفقٍ على نبواتهم ، بينما استبعد من فصوصه – فصول كتابه – أنبياءَ متفقاً عليهم، وورد ذكرُهم فى القرآن ! فهو لم يعقد فصولاً للكلام عن فصوص أنبياء مثل : اليسع وذى الكفل ، بينما أورد فصوصاً لمن لم تُعرف نبوتهم مثل : شيت بن نوح ، إسماعيل بن إبراهيم .. ولمن لم تُشتهر نبوتهم كخالد بن سنان. وأطال فى الكلام عن (الخضر) بأكثر مما تكلَّم به عن أنبياءَ ورد ذكرهم فى القرآن ، والخضر -بالإجماع- ولىٌّ وليس نبياً .
من هنا نقول : إن الفصوص جاءت معبِّرةً عن نظرية ابن عربى فى الولاية والنبوة، تلك النظرية التى تكاد فيها الحدود تنمحى بين مفهومىْ : نبوةٍ ، ولايةٍ. بينما تتوثَّق بين المفهومين الصلاتُ ، حتى يكاد المفهومان أن يتطابقا .. ولذا ، لم يحصر ابن عربى أنبياء (القرآن) فى الفصوص وتعمَّد إيراد من هم ليسوا بأنبياء – فى العرف العام- بل أولياء .
ونقول أيضاً : إن أنبياء الفصوص هم الحقائق الأزلية للولاية ، ومظاهر التجلِّى الإلهىِّ الدائم فى الوجود .. منذ آدم ، وحتى ابن عربى نفسه !

الفَصُّ الثَّامِنُ والعِشْرُونَ
منذ وقت مبكر فى حياة ابن عربى وفكره ، كان للعدد 28 مكانة خاصة عنده ، وهى المكانة التى نلمحها فى إشارةٍ مبهمة وردت فى رسالته التى كتبها وهو فى الثلاثين من عمره – الرسالة التى حقَّقها د. حامد طاهر- إذ ورد فيها أن منازل القمر : ليس مسمياتها سوى هذه الثمانيةِ والعشرين(66) .. وقد علمنا من الفتوحات أن نبوة الوارث عند ابن عربى : قمرية (67) .
وقد تكررت فى الفتوحات المكية إشارات إلى العدد 28 مما دعا عبد الباقى مفتاح – فى شرحه على الفصوص- إلى عقد فصلٍ فى كتابه ، جعله بعنوان : بعض أسرار العدد 28 . استهلَّه بتأكيده أن ترتيب أبواب الفصوص تابعٌ لترتيب الأسماء الإلهية المتوجِّهة على إيجاد المراتب ، وهى المسألة التى فصلها ابن عربى فى الباب 198 من الفتوحات : وهى ثمانٍ وعشرون ، لسرٍ مخصوصٍ بهذا العدد(68) .. فمن بعض ملامح هذا (السر) أن أسماء الصفات الإلهية الدالة على النسبة بين الحق والخلْق ، لها الحضرة الوسطى (مرتبة العشرات) والعدد 28 يقع فى العقد الثالث من العشرات ، وهو بحساب الجمل مساوٍ لعدد الاسم الإلهى : كافى ؛ أى أن فى العدد 28 كل كفايةٍ لازمة لإظهار مراتب الوجود ! وهذا العدد، هو العدد التام(69) الوحيد فى مرتبة العشرات ، ففيه كل التمام والكمال . وهو يساوى مجموع الأعداد السبعة الأولى ( 1 + 2 + 3 + 4 + 5 + 6 + 7 ) والسبعة هو عدد الكمال .. إلخ(70) .
غير أن الأمر لا يحتاج هذه الشواهد الحسابية للدلالة على أهمية الرقم 28 عند ابن عربى ، فقد أبان هو بنفسه عن هذه الأهمية فى الفتوحات فقال ما ملخَّصه : المنازل التى قدَّرها الله للإنسان المفرد 28 .. واللغة التى ألَّف الله منها الكلمات ، حروفها 28 .. ومنازل النار 28 منزلاً .. وكل دركٍ من دركاتها به 28 منزلاً .. إلخ(71) .
وهنا يأتى السؤال : لِمَ اقتصر الشيخ الأكبر فى الفصوص على سبعة وعشرين فصّاً ، مع أنه كان من الممكن إضافة واحدٍ من الأنبياءِ الذين تركهم (اليسع، ذا الكفل) فيكتمل العدد 28 ؟ أم أنه يوحى للقارئ -من بعيد- بأن الفصوص ينقصها الفص الثامن والعشرون ؟ ولمن يكون هذا الفصُّ ؟
والحقيقة ، فلابد هنا من التنويه إلى تلك اللمحة الذكية التى رصدها عبد الباقى مفتاح ، حين انتبه إلى ما ذكره ابن عربى ضمن كلامه فى أسرار الحج – الباب 72 من الفتوحات المكية – من أن ارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعاً وذراع التحجير الأعلى ، فهو ثمانية وعشرون ذراعاً .. وانتبه إلى ما ذكره ابن عربى من رؤيا رأى فيها نفسه على شكل لَبِنتين ، لبنة ذهب ولبنة فضة – فى الباب 65 من الفتوحات المكية – وقد ذكر ابن عربى فى الكلمة الشيثية من الفصوص أن هذه الرؤية لا يراها إلا خاتم الأولياء ، يعنى نفسه ، وذكر حديثٍ رسول الله r : مثلى فى الأنبياء ، كمثل رجل بنى حائطاً فأكمله ، إلا لبنة واحدةً ، فكنتُ أنا تلك اللبنة ، فلا رسول بعدى(72) .. يقول عبد الباقى مفتاح: إذن ، فكل نبىٌ من أنبياء أبواب الفصوص ، هو عبارة عن لبنةٍ فى الكعبة التى ارتفاعها سبع وعشرون مقداراً على عددهم عليهم السلام . وذراع التحجير ، للخاتم الثامن والعشرين(73) !
ومن هذه الناحية ، راح صاحب المفاتيح يعيد تركيب الفصوص على نحوٍ عكسى ، بدأه بالمرتبة 28 التى وشى هامساً بأنها مرتبة ابن عربى نفسه ، فأعطى لها عبد الباقى مفتاح الاسم الإلهى : رفيع الدرجات .. وفى المرتبة 27 اسم : الجامع ، وهو لمحمد عليه الصلاة والسلام .. وفى المرتبة 26 الاسم : اللطيف ، وهو لخالد بن سنان .. وهكذا إلى المرتبة رقم 1 ولها اسم : البديع ، وهو للإنسان الأول (آدم)(74) .
ولاشك فى أن هذه النظرة لكتاب فصوص الحكم وتلك الفكرة القائلة بأن ابن عربى هو خاتم الأولياء الذى به اكتمل بنيانُ الولاية الكبرى واستُكمل بناءُ كعبة المعرفة ، وهو الذى استحقَّ الفصَّ الثامن والعشرين ، المستور .. كل ذلك له ما يؤكِّده فى نصوص ابن عربى ، وإذا ما قُرئت الفصوص من هذه الزاوية ، تأكَّد ما ألمح إليه عبد الباقى مفتاح . غير أن ثمة مشكلات أخرى سوف تترتَّب على هذا التناول ، وعلى تلك الفكرة . فلننظر أولاً فى (المؤكِّدات) ثم نستعرض (المشكلات) .
من المؤكِّدات للمنظور المذكور ، أن ابن عربىٍّ فى الفصوص كان يستعرض حقائق الأنبياء كما تجلَّت فى مرآته هو ، باعتباره داخلاً معهم فى الدائرة نفسها! وقد ظهر ذلك ابتداءً من الفص الأول (الآدمى) حيث أشار إلى أن آدم هو النفسُ الواحدة التى خُلق منها النوع الإنسانى ، ثم اتبع ذلك بالكلام عن مقامه هو .. يقول ابن عربى : ولما أطلعنى الله سبحانه وتعالى ، فى سِرِّى على ما أودع فى هذا الإمام الوالد الأكبر – يقصد آدم – جعلت فى هذا الكتاب منه ، ما حَدَّ لى، لا ما وقفت عليه ، فإن ذلك لا يسعه كتابٌ ، و لا العالم الموجود الآن .
ويظهر من الفقرة السابقة تأكيد ابن عربى عملية الإلهام الإلهىِّ و (الاطلاع) على حقيقة الكلمة الآدمية ، كما يظهر تأكيدهُ (الوقوفَ) على الحقائق ، وهو الوقوف الذى لن يصرِّح به ، إذ جعل الله له – أو جعل هو لنفسه- حدّاً فى التعبير عن الحقائق ، نظراً لأن العالم لا يحتمل إذاعة تلك الأسرار ولا يمكن أن يسعها كتاب .. وهو خطابٌ قدسىٌّ يتبنَّاه ابن عربى فى بقية الفصوص بل ويزيد عليه فى مواضع أخرى ، حين يعلو فوق إدراك بعض الأنبياء ! فيذكر ما غاب عنهم – بل وينتقدهم ! – وهو ما نراه على سبيل المثال فى الفص (النواحى) الذى يصرِّح فيه ابن عربى بأن قوم نوح لم يستجيبوا له ، لأنه دعاهم إلى التوحيد المطلق القائم على التنزيه دون التشبيه .. فنوح : دعا قومه مكراً ، فأجابوه مكراً كما دعاهم(75) . ولو أن نوحاً جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه ؛ فدعاهم جهاراً ثم دعاهم إسراراً فليس كمثله شئ(76) يجمع الأمرين فى أمر واحد، فلو أن نوحاً – بنص كلام ابن عربى – يأتى بمثل هذه الآية لفظاً ، لأجابوه!
ويوسفُ الصديقُ عليه السلام ، حين دخل عليه أخوته وأبوه وخالته ، قال : هذا تأويل رؤياى من قبل ، قد جعلها ربى حقاً (الآية) ظناً منه بأن ذلك هو معنى الرؤيا التى رآها فى صغره : أحد عشر كوكبً والشمس والقمر (الآية) غير أنه -كما يقول ابن عربى – كان فى المرتين راءٍ (حالم) فهو : لم يعلم أنه فى النومِ عينه، ما برح(77) ! إذ الحياة كلها منام وهو ما يستدل عليه ابن عربى بالحديث الشريف : الناس نيام فإذا ماتوا ، انتبهوا(78) .
النبى يوسف – إذن- لم يدرك أن دخول إخوته عليه كان فى منام الحياة الدنيويَّةِ ، وهو منامٌ فى منامٍ كان قد رآه وهو صغير ! فلم يأوِّل الرؤيتين .. وكذلك إبراهيم الخليل عليه السلام – فى الفصوص – رأى فى المنام أنه يذبح أبنه، فهمَّ بذبحه ! وكان عليه أن يأوِّل رؤياه .. ولذا خاطبه الله بقوله : أن يا إبراهيم قد صَدَّقت الرؤيا (الآية) ولم يقل له : صَدَقْتَ فى الرؤيا . يقول ابن عربى: لأنه ما عبَّرها ، بل أخذ بظاهر ما رأى ، والرؤيا تطلب التعبير(79) .
ثم يزداد الأمر فى الفصوص ليصل ابن عربى بالخطاب القدسىِّ الذى يتبنَّاه إلى درجةٍ مهولةٍ .. وهو ما يظهر من إعادته لقراءة النبوات السابقة ، منتهياً إلى نتائج عجيبةٍ . كما فى قوله إن عيسى -عليه السلام- خرج من التواضع إلى أن شرع لأمته أن يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وأن أحدهم إذا لُطِمَ خذه وضع الخد الآخر لمن لطمه .. يقول ابن عربى : هذا له من جهة أمِّه ، إذ المرأة لها السفل ، فلها التواضع لأنها تحت الرجل حكماً وحسّاً(80) .
والنبى إلياس الذى كان هو إدريس فرُفع إلى السماء ، ثم نزل فى صورة إلياس! شهد انفلاق جبل لبنان ، فسطقت عنه الشهوة ، وصار عقلاً بلا شهوة: فكان على النصف من المعرفة بالله(81) . وموسى : غفل عن تزكية الله ، وعما شرطه عليه (الخضر) فى اتباعه(82) .
وعلى هذا النحو ، تجلى الأنبياءُ على مرآة ابن عربىّ فى الفصوص باعتباره إنسان كامل عصره الذى به اكتملت الدائرة ، دائرة الولاية أو النبوة الكبرى – لا الصغرى – وباعتباره اللبنة التى أكملت الجدار .. وهو الأمر الذى لايفتأ الشيخ الأكبر يذكِّرنا به فى ثنايا الفصوص مضيفاً إلى التأكيدات التى ذكرناها تأكيداتٍ جديدةً . فيقول – على سبيل المثال – فى معرض كلامه عن علو مرتبة إدريس عليه السلام ، الذى أخبرت الآيات عنه قائلةً ورفعناه مكاناً علياً إن: العلو نسبتان ، علو مكانٍ وعلو مكانةٍ .. علو المكان ورفعناه مكاناً علياً .. وأما علو المكانة فهو لنا ، أعنى المحمديين ، قال تعالى وأنتم الأعلون والله معكم(83) .
وحين تخبر الفصوص عن حقيقة الخلافة التى لداود عليه السلام ، يقول ابن عربى: هنا دقيقة ، لا يعلمها إلا أمثالنا(84) .. وحين يتوقف عند حكمة (موسى) يقول الشيخ الأكبر ، ما نصه : حكم موسى كثيرةٌ ، وأنا إن شاء الله ، أسرد منها فى هذا الباب ، على قدر ما يقع به الأمر الإلهى فى خاطرى .. فكان أول ما شوفهت به من هذا الباب .. إلخ(85) .
ثم تصل جرأة التعبير والإفصاح غايتها فى الفصوص حين يُخبر ابن عربىّ عن معراجه الموازى لمعراج النبى r ، وهو المعراج الذى عاينه لما كان فى السادسة والعشرين من عمره ! وصرَّح به فى الفصوص بقوله :
واعلمْ أنه لما أطلعنى الحق وأشهدنى أعيانَ رسلِهِ عليهم السلام وأنبيائه كلهم من البشريين ، من آدم إلى محمد r أجمعين ، فى مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ستٍ وثمانين وخمسمائة ، ما كلَّمنى أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام ، فإنه أخبرنى بسبب جمعيتِهِمْ .. وأىُّ بشارة للخلق أعظم من هذه ؟ ثم من امتنان الله علينا ، أن أوصل إلينا هذه المقالة(86) عنه فى القرآن(87) .. إلخ .
ومع ذلك كله ، فقد احتاط ابن عربى للأمر بأن أحاط عبارته بأسوار الرمز وجعل (عقيدته) مشتتةً بين الفصول – فصول الفصوص وغيرها من مؤلفاته- بل وتعمد التمويه عليها والتعمية ، بعباراتٍ مثل قوله فى ديباجة الفصوص : ولستُ بنبىٍّ رسول ، ولكنى وارثٌ ولآخرتى حارث !(88) وذلك هو المقول .. أما المسكوت عنه فهو معنى الوراثة ، والقول بالنبوة العامة ، والإلماح إلى دخوله فى دائرة الولاية التى تكاد تطابق دائرة النبوة ، وهمسه بالمعراج ، وقراءته لحقائق الأنبياء – والأولياء – وإخفائه للفص الثامن والعشرين .
وتبقى من بعد ذلك مشكلاتٌ كثيرةٌ ، ومزالق عقائديةٌ وفقهيَّةٌ لا آخر لها.. فمن ذلك : إذا كان الشيخ الأكبر قد حَلَّ فى المرتبة باعتباره وارثاً من ورقة الحقيقة المحمدية ، فإنه قد تجاوز حدود (الوراثة) وتطاول بالمقام إلى دائرة الأنبياء ، حتى كاد أن يحشر نفسه فى زمرتهم ! وهو ما يتعارض مع صريح القرآن وصحيح الأحاديث ، وكافة المنقول من الأصول الشرعية التى أكدت انغلاق باب النبوة .
وإن كان الولوج إلى هذا المسلك الوعر ، من باب الولاية التى امتدت لتشمل النبوة والتشريع – فى شكل الاجتهاد – فإن ثمة تناقضاً من ناحية المعقول .. إذ لو كان محمد r هو خاتم الأنبياء ، وابن عربى هو خاتم الأولياء – وصاحب الفص الثامن والعشرين ، المسكوت عنه – فما بال كبار الصوفية الذين جاءوا من بعده ، وكانوا أقطاب عصورهم ؟ هل استمدوا من ابن عربى ، مثلما استمد هو من مشكاة النبوة ؟ وإذا صدق ذلك على صوفية من نوع عبد الكريم الجيلى -المتوفى 826 هجرية- الذى يمكن تلمُّس الصلة بينه وبين ابن عربى ، فكيف يصدق الأمر ذاته على صوفية من أمثال أبى الحسن الشاذلى ، الذى كان قطب زمانه باتفاق الصوفية ، ولم يكن له استمدادٌ من ابن عربى ، وليس ثمة صلاتٌ روحيةٌ بينهما ؟ بينما تدل عبارات ابن عربى الساريةُ فى شتى مؤلفاته ، أنه خاتم الولاية .. وهو ما لاحظه د. نصر حامد أبو زيد ، وعبَّر عنه بقوله : الولاية المحمدية الخاصة تختصُّ بالعلماء العارفين من أتباع الشريعة الإسلامية ، ولها دوْرتُها، وهى دورةٌ سرية لا يُعرف على التحقيق ممثلوها .. ولا نعرف من ممثلى هذه الولاية . سوى البداية والختم ، فالبداية هى محمد من حيث كونه ولياً ، لا من حيث كونه نبياً ، أى من جانبه الباطن لا الظاهر ، أما الختم – ختم الولاية المحمدية- فهو ابن عربى نفسه(89) .
كما يتبقى الإشكال العددى قائماً ، أعنى استبعاد ابن عربى فى الفصوص لأنبياء مثل اليسع وذى الكفل وإدخاله شيث وهارون وخالد بن سنان، بحيث صار العدد فى نهاية الأمر سبعةً وعشرين ، لتظل اللبنة النهائية- أو الفص الثامنُ والعشرون – مسكوتاً عنه ، متولِّداً فى نفس القارئ ! ولو اختلف عدد الأنبياء فى الفصوص لما دَلَّ عددهم على الفص المسكوت عنه .. فهل القضية فى أساسهَا أن ابن عربى أخذ من النبوات ما يؤدى -فقط- إلى ما يريد هو أن يلقيه ، أعنى تأكيد مقامه كخاتمٍ للأولياء ؟
وبعد .. فإن المشكلات المترتبة على بحث تجليات النبوة فى فصوص الحكم من شأنها أن تترى كلما أمعنا النظر فى جوانب هذه التجليات . وبالمناسبة ، فإن التجليات عنوانٌ لكتابٍ آخر -بديع- لابن عربى ، استحضر فيه كبار الصوفية الذين عاشوا فى القرون السابقة عليه ، وحاورهم ، وبيَّن ما قصَّروا فيه ! وهى علامةٌ أخرى ، دالةٌ على موقع الشيخ الأكبر فى سماء الولاية ، وتأكيدٌ جديد أنه ختمها .
بيد أن القضية ، فى نهاية الأمر ، ليست قضية قياسٍ منطقىٍّ أو استدلالٍ ظاهرىٍّ .. وإنما تظل تجليات الألوهية والنبوات والشريعة – والحقيقة- والولاية وغيرها مما نراه فى كتابات ابن عربى ؛ هى بتعبير صوفىٍّ : أسراراً للخاصة من أهل الله ، لا مدخل إليها إلا من باب الذوق . وهى من زواية فلسفيةٍ : رؤيةٌ إنسانية عميقة ، حاولت أن تعيد للإنسان مكانته فى الكون ، بإسباغ سمة الكمال عليه ، وبوصله بالله الذى خلق الإنسان على صورته ، وتجلى عليه بأسمائه وصفاته .. فكان الإنسان مرآةً مجلوة تنعكس على صفحتها – وتتلألأ- الأنوار الإلهية. فها هو ابن عربى فى القرن السابع الهجرى ، القرن الذى بدأ فيه سقوط مشارق العالم الإسلامى تحت وطأة الغزو المغولى ، وتداعى القلب تحت وطأة الحملات الصليبية وأخذت الأندلس طريقها للاندثار .. وتزعزع الإنسان ، فجاء ابن عربى ليرد إليه الاعتبار بجعله مرآةً للإله ، ومختصراً شريفاً للكون :
لما شاء الحق سبحانه ، من حيث أسماؤه الحسنى التى لايبلغها الإحصاء ، أن يرى أعيانها ، وإن شئتَ قلتَ : أن يرى عينهُ ، فى كونٍ جامعٍ يحصر الأمر كلَّهُ .. وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كلَّهُ وجود شبحٍ مسوًّى لاروح فيه ، فكان كمرآةٍ غير مجلوة .. فاقتضى الأمرُ جلاء مرآة العالم ، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورةِ(90) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :
(1) القشيرى : الرسالة القشيرية ، تحقيق د. عبد الحليم محمود (دار الكتب الحديثة- القاهرة) 1/187 .
(2) د. على مبروك : النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ ، محاولة فى إعادة بناء العقائد (دار التنوير – بيروت 1993) ص 56 .
(3) المرجع السابق ، ص 58 .
(4) د . عبد الرحمن بدوى : من تاريخ الإلحاد فى الإسلام (سينا للنشر – القاهرة 1993) ص7 .
(5) الخياط : كتاب الانتصار والرد على ابن الراوندى الملحد ، تحقيق د. نيبرج (الدار العربية للكتاب – بيروت 1993) ص 25 .
(6) د. حسن حنفى : جمال الدين الأفغانى ، المائوية الأولى (الهيئة المصرية العامة للكتاب – مكتبة الأسرة 1999) ص 25 .
(7) انظر ترجمته فى : طبقات الخواص ، للشرجى الزبيدى ، ص 406 وما بعدها – مرآة الجنان لليافعى 4/136 – الصوفية والفقهاء فى اليمن ، للحبشى ص 32 .
(8) راجع بخصوص هذه العبارة وتأويلها الصوفى :
– عبد الكريم الجيلى : الإنسان الكامل فى معرفة الأواخر والأوائل (مطبعة صبيح بالأزهر) 1/74.
(9) أثناء إعداد هذه الدراسة ، قمتُ بعمل بحث عن (ابن عربى) على شبكة الإنترنت – عبر برنامج Copenic المتطور – فكانت النتيجة : العثور على 84 ملفاً معلوماتيّاً عن ابن عربى وتصوُّفه .. ليس من بينها ملفٌ واحد باللغة العربية ! ومع كثرة عدد هذه الملفات، فقد لاحظنا أنها لاتقدم هذه الملفات مــادةً كافية عن ابن عربى فهى تكاد تقتصر على التعريف بابن عربى ، وتقدِّم ترجمات لنصوصه وأشعاره وتذكر برنامج الندوات والمؤتمرات التى عقدت حوله . غير أننى وجدت موقعاً بديعاً بعنوان : وحدة الوجود Pantheism اشتمل على مجموعة مقالات جيدة فى وحدة الوجود عبر التاريخ من بينها مقالة مطولة عن وحدة الوجود عند ابن عربى .
(10) د . عثمان يحيى : مؤلفات ابن عربى ، تاريخها وتصنيفها . ترجمة د. أحمد الطيب (دار الصابون- دار الهداية ، القاهرة 1992) ص 135 : 144 .
(11) المرجع السابق ، ص 20 .
(12) المرجع السابق ، ص 16 .
(13) راجع قوائم التراجم – المخطوطة والمطبوعة – الخاصة بابن عربى ، فى :
– خير الدين الزركلى : الأعلام (دار العلم للملايين ، بيروت) 6/281)
– عمر رضا كحالة : معجم المؤلفين (دار إحياء التراث العربى -بيروت) 11/40 ، 13/ 419.
– Brockelmann : Geschishte der arabischen Litteratur (Leiden- Brill) 1,790 . =
= وقد ذكر د. صلاح الدين المنجد كثيراً من مظان ترجمته فى مقدمة كتاب الدر الثمين فى مناقب الشيخ محيى الدين وزادها د. بشار عواد فى تعليقه الهامشىِّ على ترجمة ابن عربى الواردة فى سير أعلام النبلاء للذهبى (مؤسسة الرسالة – بيروت 23/48) .
(14) راجع أقوال ابن عربى الدالة على ذلك ، فى مقدمة تحقيقنا لشرح عبد الكريم الجيلى على الفتوحات المكية (دار سعاد الصباح – القاهرة 1992 – ص 15،16) .
(15) الذهبى : سير أعلام النبلاء (مؤسسة الرسالة – بيروت ، الطبعة الأولى 1985) 23/ 48.
(16) القونوى : فكوك خواتم الفصوص (مخطوطة بمكتبة د. حسن عباس زكى) الورقة الأولى .
وهذا الشرح معروف للقونوى بعنوان : الفكوك على الفصوص (انظر : مؤلفات ابن عربى، ص 479) . وقد عثرنا على شرحٍ آخر للفصوص ، وضعه القونوى بعنوان : النصوص فى مفاتيح الفصوص . توجد منه نسخة فريدة محفوظة بالمكتبة المركزية / جامعـة الإسكندرية رقم 10/ الأميرة فايزة .
(17) ابن عربى : فصوص الحكم ، تحقيق د. أبو العلا عفيفى (دار الكتاب العربى – بيروت) ص 47.
(18) المصدر السابق ، ص 48 .
(19) د. أبو العلا عفيفى : مقدمة فصوص الحكم ، ص 7 .
(20) الكبريت الأحمر فى علوم الشيخ الأكبر .. وهو مختصرٌ للمختصر الذى لخص فيه الشعرانى الفتوحات ، وجعله بعنوان : لواقح الأنوار القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية .
(21) عبد الباقى مفتاح : مفاتيح الفصوص (دار القبة الزرقاء – المغرب) ص 14 .
(22) شرح مشكلات الفتوحات المكية وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنية . مقدمة التحقيق ص 14 .
(23) د. أبو العلا عفيفى : الفتوحات المكية (مقال بمجلة تـراث الإنسانيـة ، المجلـد الأول) ص 160.
(24) انظر :
د. عثمان يحيى : مؤلفات ابن عربى ، ص 434 .
ابـــن عربــــى : الفتوحات المكية (تحقيق د. عثمان يحيى) السفر الأول ، ص 72 .
(25) د. عثمان يحيى : مؤلفات ابن عربى ، ص 434 .
(26) مؤلفات ابن عربى ، ص 479 : 500 .
(27) عبد الباقى مفتاح : مفاتيح الفصوص ، ص 14 .
(28) فى هذا الشرح إشكالٌ كبير ، فقد ذكره غير واحد من الصوفية ، وأورده د. عثمان يحيى فى كتابه (مؤلفات ابن عربى – ص 479 ، 574) اعتماداً على جملة مخطوطات من بينها مخطوطة مؤرَّخة بسنة 690 هجرية – كُتبت بشيراز – واعتبره د. عثمان يحيى : مقدمة المؤلِّف لكتابه فصوص الحكم . غير أنه لاحظ فى إحدى مخطوطاته ، اسم (ابن تيمية) مما يوحى بأن مؤلِّف هذا الكتاب من أبناء منتصف القرن الثامن الهجرى .
وقد وقعنا أثناء إعداد هذا البحث ، على مخطوطة من هذه الرسالة ، محفوظة بمجموعة مخطوطات جامع الشيخ (بالمعهد الدينى بسموحة ، تحت رقم 18030/د ) وقد لاحظنا فيها -أيضاً- ذكر اسم ابن تيمية ! والراجح أن يكون بعض مريدى ابن عربى ، قد استطرد بالنص ، وزاد عليه من عنده .. وبإذن الله ، سوف نعكف على تحقيق هذه الرسالة المهمة ، ونشرها محققةً .
(29) د. أبو العلا عفيفى : مقدمة فصوص الحكم ، ص 23 .
(30) وصف ابن عربى الفتاة التى أُعجب بها (النظام بنت رستم الكيلانى) بأنها : أديبة بليغة ، إن أوجزت أعجزت ، وإن أسهبت أتعبت .. (ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق ، المقدمة)
(31) د. أبو العلا عفيفى : ابن عربى فى دراساتى (مقالة بالكتاب التذكارى فى الذكرى المئوية الثامنة لميلاد محيى الدين بن عربى – الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1969) ص 6 .
(32) د. حامد طاهر : الولاية والنبوة عند محى الدين بن عربى ، تحقيق و دراسة لنصٍّ لم يُسبق نشره (مجلة ألف – الجامعة الأمريكية بالقاهرة ، العدد الخامس 1985) ص 12 .
(33) ابن عربى : رسالة فى شرح عبارة المهدوى (المصدر السابق) ص 23 .
(34) المصدر السابق ، ص 22 .
(35) انظر على سبيل المثال : الفتوحات المكية (الطبعة الكاملة) المجلد الثانى ، ص 631 ، 632.
(36) ابن عربى : فصوص الحكم ، ص 90 .
(37) القاشانى : اصطلاحات الصوفية ، تحقيق د. محمد كمال جعفر (الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1981) ص 102 .
(38) ابن عربى : رسالة فى شرح عبارة المهدوى (ديباجة الرسالة) ص 19 .
(39) فى النص المطبوع : ألهمه . والراجح أنها من أخطاء الطباعة، أو أنها كُتبت كما وردت فى المخطوطة بحسب الإملاء القديم .
(40) المصدر السابق ، ص 20.
(41) المصدر السابق ، الموضع نفسه .
(42) أخرجه البخارى فى صحيحه ، كتاب العلم . والترمذى فى سننه، كتاب العلم (رقم 2606) وأبو داود فى سننه ، كتاب العلم (رقم 3157) وابن ماجه فى سننه، المقدمة (رقم 219) والإمام أحمد فى مسنده ، مسند الأنصار (رقم 20723) والدارمى فى مسنده ، المقدمة (رقم 346) .
(43) سورة المجادلة ، آية 11 .
(44) سورة الكهف ، آية 67 (رسالة ابن عربى ، ص 23 )
(45) يقصد أبا محمد عبد العزيز المهدوى ، الذى يشرح ابن عربى فى الـرسالة عبارته القائلة : علماء هذه الأمة ، أنبياء سائر الأمم .
(46) ابن عربى : الرسالة السابقة ، ص 22 .
(47) د. سعاد الحكيم : المعجم الصوفى ، الحكمة فى حدود الكلمة (دندرة – بيروت، الطبعة الأولى) ص 1040 .
(48) ابن عربى : الفتوحات المكية (طبعة بولاق) 3/ 14 .
(49) ابن عربى : كتاب القربة (ضمن رسائل ابن عربى – حيدر آباد) ص 8 ، 9 .
(50) ابن عربى : الفتوحات المكية ، تحقيق د. عثمان يحيى (الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1985) السفر الأول ، ص 173 .
(51) د. سعاد الحكيم : المعجم الصوفى ، ص 1038 : 1053 .
(52) ابن منظور : لسان العرب ، إعداد وتصنيف/ يوسف خياط (دار لسان العرب – بيروت) 3/573)
(53) المصدر السابق 3/ 984 : 988 .
(54) انظر :
* ابـــن فارس : معجم مقاييس اللغة ، تحقيق عبد السلام هارون (دار الجيل – بيروت ، الطبعة الأولى 1991) 5/ 384 وما بعدها ، 6/141 .
* الفيروزآبادى : القاموس المحيط (البابى الحلبى – القاهرة 1371) 4/395، 404 .
(55) التهانوى : كشَّاف اصطلاحات الفنون (دار قهرمان للنشر – استانبول 1984) ص 1359 .
(56) المصدر السابق ، ص 1529 .
(57) لم نجد تخريجاً لهذا الحديث – ولم نر نصه- فى الكتب التسعة .. وفى مسند الإمام أحمد ، ورد حديث طويل ، فيه ما يمكن الاستدلال به فى هذا السياق ؛ إذ : تقول الأمم – يوم القيامة- كادت هذه الأمة – المسلمون- أن تكون أنبياء كلها ! (مسند بنى هاشم ، حديث رقم 2415) وهو الحديث الذى أوله ، قوله r : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، ولا فخر .
(58) ابن عربى : فصوص الحكم ، ص 206 .
(59) ابن عربى : الفتوحات المكية (الطبعة الكاملة) 3/101 .
(60) ابن عربى : كتاب القربة ، ص 9.
(61) ابن عربى : فصوص الحكم ، ص 135 .
(62) فى الكتب التسعة ، سبعة وثمانون حديثاً فى ختم النبوة بمحمد r ويضيق المقام هنا من عرضها وذِكْر تخريجها .. وعلى الجملة ، فالحديث : لانبى بعدى . حديثٌ مشهورٌ .
(63) راجع تخريج الحديث فيما سبق .
(64) ابن عربى : فصوص الحكم ، ص 137 .
(65) القونوى : فكوك خواتم الفصوص ، ورقة 3 وما بعدها .
(66) ابن عربى : رسالة فى شرح عبارة المهدوى ، ص 20 .
(67) ابن عربى : الفتوحات 4/ 330 .
(68) عبد الباقى مفتاح : مفاتيح الفصوص ، ص 24 .
(69) العدد التام ، هو العدد الذى يساوى مجموع الأعداد التى يمكن قسمته عليها ، حيث : 1 +2 + 4 + 7 + 14 = 28 .
(70) مفاتيح الفصوص ، ص 25 .
(71) انظر : الفتوحات المكية 1/ 302 . وأيضاً : مفاتيح الفصوص ، ص 28 .
(72) أخرجه البخارى / المناقب 3270 ، 3271 ومسلم / الفضائل 4238 : 4240 والترمذى / الأمثال 7173/ باقى المكثرين 7768/ الأنصار 20291 ، 20292.
(73) مفاتيح الفصوص ، ص 29 .
(74) المرجع السابق ، ص 37 : 56 .
(75) فصوص الحكم ، ص 72 .
(76) يقصد قوله تعالى ليس كمثله شئ باعتبارها آية دالة على التشبيه والتنزيه ، معاً !
(77) المصدر السابق ، ص 101 .
(78) لم يرد لهذا الحديث تخريج فى الكتب التسعة ، وورد فى غيرها .. والصوفية يكثرون من الاعتماد عليه (راجع شرح النابلسى على قصيدة : النادرات العينية ، بتحقيقنا – دار الجيل، بيروت ، 1988) .
(79) فصوص الحكم ، ص 85 .
(80) المصدر السابق ، ص 140 .
(81) المصدر السابق ، ص 181 .
(82) المصدر السابق ، ص 206.
(83) فصوص الحكم ، ص 75 .
(84) المصدر السابق ، ص 162 .
(85) المصدر السابق ، ص 197 .
(86) يقصد قوله تعالى ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها .
(87) فصوص الحكم ، ص 110 .
(88) فصوص الحكم ، ص 48 .
(89) د. نصر حامد أبو زيد : فلسفة التأويل ، دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربى (دار التنوير – بيروت 1983) ص 236 ) .
(90) ابن عربى : فصوص الحكم ، ص 48 .

المصدر: موقع الدكتور يوسف زيدان للتراث والمخطوطات