ديوان بنات للألم. أمينة عبد الله/علياء سروجي

 

حين تنظر إلى أمينه في لحظة ما يشدك مرأى وردة بيضاء تحت مزراب من ماء يغلي. تحتار في توازن كمية القسوة مع كمية الرقة التي تبقي على هذه الوردة بلونها الأبيض وذلك ما يفسر لي اختيارها لكلمة بنات في عنوان ديوانها على كلمة نساء. اعتراف ضمني بالنقاء.
حين تقرأ الديوان يخطر ببالك عدة تفسيرات لتلك الطفلة التي تجلس في زاوية ما تراقب كل هؤلاء النسوة ولنقل تلك الشاعرة التي تختزن كل هذه الأحاسيس المكبوتة والمخفية في عالم النساء. حقيقة تشهد الفترة الزمنية الأخيرة انفتاحا وجرأة نسوية كبيرة عما كان عليه من قبل، حيث لم تعد المرأة تطالب بحقوقها في التعليم أو الحرية الجنسية أو غير ذلك من الموجات التحررية فقط بل وبدأت الأخذ بزمام أمورها بعد أن كانت تعتمد على الرجل في نجاح مطالبها وتعتبر أمينة في ديوانها الأخير بنات للألم ضمن تلك النساء.
الديوان في مجمله يكشف لنا الصندوق المغلق والموروث الدفين المتناقل بين النساء والذي يعد من أسباب تلك الثورة التي لا تهدأ في عقل المرأة وتخيلاتها. لقد اعتدنا أن نسمع عن مشاعر المرأة من الشعراء الرجال كما هو في شعر نزار وما قاله على لسانهن
ومما لاشك فيه أن المرأة هي الأقدر على نقل صوت ومشاعر المرأة
حين تستطيع الحديث عن نفسها بنفسها وايصال رسالتها الشعرية
تبدأ أمينة ديوانها ” أنا ووحدتي أسدان في قفص” تشبيه واقعي لحال النسوة اللواتي يفكرن لوحدهن في عالم ابتلع نسائه وجعلهن يواجهن الواقع متفردات عن قريناتهن
سلام علينا
طوبى لجروحنا من ثقب الأذن. الختان
غشاء البكارة
الحمل. الولادة. الرضاعة
سلام علينا بحجم النزيف
يركز الديوان على الفئة الضعيفة من النساء حيث يبدأ بقصيدة تسرد لقطات تصويرية لعدد من المتضررات  نفسيا و المتواريات وراء طاعة إجبارية للواقع
تلك المقاطع الأقرب لأسلوب الهايكو في تأملاته تملأ الديوان مثل سريان حمم بركانية متقدة بالألم الحارق
النساء عندما يمتلكن المال لاصطحاب رجل
لابد أن يصغرهن بسنين عديدة
ليصبح قادرا على إبدالهن لحظات العشق
بسنوات جمع المال
هكذا أتت أشياء جميلة في أوقات غير لائقة
الديوان يحوي العديد من الرسائل الفكرية والمجتمعية لكلا الجنسين وإن بدا في مواجهة الرجل المتعسف بهويته الجندرية تجاه المرأة فيقدم صورا مشتبكة مع الشعور في تبسيط الوصول إلى المعنى لتأتي الجملة غالبا مباشرة وصريحة دون مواربة في وعي المتلقي
نساء يكرهن العادات التي تجعل منهن مجرد رحم
يستمني فيه الزوج شهوته
بامرأة أخرى
يتطرق الديوان لمفهوم الزواج حين يكون عائقا لنساء يعانين الضعف والحرمان ويتم ازلالهن واخضاعهن بقناع الزواج
تشاركت معه الأعمال المهنية الشاقة
رحلات البحث عن عمل
البحث عن كلمة ومرادفاتها في القاموس
أو مناقشة عاصفة في التأويل وسلطة الجنس
التي يؤمن بها إيمانا مطلقا
كثير من الوقفات الصغيرة والكبيرة التي يذكرها الديوان عن عالم المرأة تقدم توضيحا لأمور تبدو لغزا أمام الرجل في فهم المرأة
أنا امرأة إذا قبلها حبيب
تصير شجرة
إشارة إلى الهوية الروحية التي تحملها القبلة وأهميتها للمرأة في العلاقة العاطفية المتبادلة بين الجنسين

محافظة أمينة على الموسيقا الضمنية في مضمر النص اعطى الديوان توازنا مجنحا في فضاء الفكر الذي تصطحب فيه القارىء تحت سهام لا تعرف الهوادة تأخذ بلب القارىء ليمعن التفكير في جدال يتأجج داخل رأس الشاعرة المنصهرة بين حياتها المليئة بالخيبات و حياة الأخريات ممن سحقهن التفكير وتركهن وحيدات داخل أجسادهن
أما أمي المسكينة
تعيش خيبة الأمل
في حقيبة ملابسي
التي خرجت بها من منزل الزوجية ولم أعد إليها
كل هذه الخيبات أحملها وأبتسم
مكاشفات متعاقبة بين مسمى نحن النسوة وبين مسمى أنا دون التفات لما قد
تحدثه تلك المكاشفات من ردود ذكورية. مكاشفات غير أبهة بكمية الجرأة في تعرية العلاقات المريضة بين الطرفين
يجدر بالذكر ما أحدثه الديوان من بلبلة في طرحه الديني مما تسبب بالإشارة إلى أهمية دور المجتمع في مناقشة الأسئلة والرد عليها سواء كانت أسئلة من الشعر أو غير الشعر أو من الدين نفسه بأسلوب واع يخدم تقدم المرأة والرجل داخل المجتمعات المحافظة .
ختمت الشاعرة الديوان بقصيدة تتحدث عن عدة تصنيفات من النساء من وجهة نظر شخصية توافق الشخصيات التي ذكرها الديوان وتزيده تنوعا
و ختمت أمينة تلك التصنيفات بتصنيف لامرأة أخيرة تقدم فيها نفسها منهية القصيدة والديوان كاملا بكلمة أنا كتوقيع عن كل ما جاء من بلاغ شخصي وعلى لسان كل من ذكرن داخل طيات الديوان المشتعلة والمسكوت عنها.

 

المصدر/ مجلة عالم الكتاب