الهبوط من تل الزعتر : أفضال أحمد سيد | ترجمة : هاني السعيد

 

الهبوط من تل الزعتر*

أنا قطعة الغيم

المربوطة بحجر

والملقاة للغرق

ليس لي قبر عائلي

من أسرة مرتزقة

عادتها الموت بعيدًا عن الوطن

 .

في بلاد الطواحين

قد ينتابني الخوف من الرجال

أستحم في بركة

تغتسل فيها البهائم

 .

قد تدعك أمي رأسي بزيت جوز الهند

فأبدأ أنا التعتعة

لم أسمع قط تهويدة

بل لعلي لم أنم قط

 .

أركض خلف الفراشات كالشعراء

لكن قد أُمنع من مواساة أشقائي المُعاندين الأوساخ

 .

لم يكن يزورنا ضيف

ولا مُناسَبة

لم نكن نُحيي حتى مُناسَبَات الوفاة

 .

لعبتي المفضلة

لا بد أنها ظلت مصيدة الفئران

لا بد أن ظَهائِري انقضت في الاستماع إلى العويل في بلاد الأوبئة

مع نعيق طيور الشُؤُم في المساء

أعود إلى بيتي

وأحفر الأرض بقدمي

فثمة كنز مدفون تحت بيتنا

لكن أبي يُدميني

 .

لا بد أنني أحببت أبي

ما دام قد نبت على قبره كل هذا العشب الأخضر

ربما انقضت طفولتي بين الأمطار العارية

مكتوب على المستنقعات شوارع عامة

أنا الأُيَّلُ

الذي قد تَعلَق قرونه في غابة الليل

 .

قد أصير حَطَّابًا

لكن لا بد أن كل الأشجار منقوشة بأسماء العشاق

قد أزرع زهرة عَبَّاد الشمس

لكن لا بد أن الشمس مُنعت من العبادة

 .

حين كانت الأميرات

تهربن مع الأغاوات

لم أستطع أن أستوقفك تحت أية شجرة

وأهز إلينا بثمار الجامن([1]) النيّئة

 .

حين كانت الجاريات

تطعمن الطيور المحبوسة في قفص بأوراق خضراء ناعمة

لم أستطع أن أحولكِ إلى مَحَارَة

أضعها على أذني

فأسمع هدير بَحْري الهائج

.

أنا لم أَجُف على حبل غسيلك

من جَرَّتِكِ لم أنسكب

من قفاكِ إلى أخمص قَدَميك لم أستطع أن أَسِمكِ باسمي

 .

عند هجرة بلدك

قبل الطوفان

قطعت إصبعي وأعدت إليك تذكار يوم المُقربين

 .

لكن عندما بدأ الطين يتوهج بلفح الربيع

لم تستطيعي مقاسمتي رغيفكِ المحروق

ونصف ملعقة شوربة

 .

كل القطن

استهلك في صناعة أكفان الأمراء

كل الحرير

لجوارب الأميرات

الجنود المنتصرون والمهزومون

التهموا الغنم بصوفه

الكلاب اليتامى في الحارة

لا بد أنهم ملتحفون بجلودهم مزدوجة

الأطفال النائمون على الطوب المُتجمد

يُرضَّعون بلبن مخلوط بسُكَّر ميت

 .

قد يَخُزُّ الضوء الأمعاء كالإبر

المُرقَّدون كل أيام العام الماضي في قبر واحد

دُفنوا بالخطأ أيضًا

في اليوم الأول من العام الجديد

الآن عدوى الموت تُصيب كل الأيام

 .

عندما كانت الذئاب تحوم بالخارج

قلت لأمي

اجمعي الحطب من الغابة

 .

عندما كان قطاع الطرق يحومون بالخارج

قلت لأختي

أحضري الماء من البئر

 .

عندما حان أوان نشر الغيوم في السماء

والغِراس في الحقول

ربما كنتُ أدق وحدتي بالمطرقة

عندما يحل موسم صد الغيوم عن الحقول

والطيور عن السنابل

ربما أكون على دولاب الخزاف

أشكِّل من وحدتي فنجانًا فاخرًا

 .

قد يزرع أصدقائي

أيديهم في الجدران

ورؤوسهم في قيعان القوارب الملقاة على الساحل

إنهم قد يذوبون مثل السمك المتعفن

عند مشاهدتهم الشمس وهي تغرب

إنهم لم يشعلوا زَنْد الأرض قط

ويحرثوا المشاعل

 .

بعد أن يأكلوا في حوض واحد

مع أسرهم ومواشيهم

قد لا ينتظرون للنوم مع زوجاتهم

أن يُغمض أطفالهم العيون

قد تفوح رائحة كريهة

من أفواه زوجاتهم الملبوسات كجوارب لسنوات

أطفالهم

قد يكونون قطرات مُتَّقِدة حية من الدماء

 .

القمر قرص عسل في السماء

أنا خارج لحمايته من هجوم دببة الغيوم

 .

رماحي تنطلق أسرع من الضوء

السحاب أشرعة قواربي

مدافعي تقصف الشمس

البحر مُتحفِّز إلى الجموح

سأُسْرِجُه بجِياد الريح

الضوء المُنَكَّس على أعمدة هذه المدينة

سوف أجلده حتى أدفعه إلى أعلى

 .

سوف أُرْغِمُهم على البحث عن أعضائهم في نهر التراب والغبار

أولئك الذين تسقط رموشهم من هبوب الرياح

الذين تتشقق أعينهم في الضوء

الذين تُدر أبقارهم لبنًا حالكًا

 .

سوف أكتب بالكبريت في جروحي

إعلان النصر

و

عيناكِ جميلتان جدًا

سأُعَلِّقُهما على مقبض سيفي

 ….

*(مخيم للاجئين الفلسطينين في بيروت حتى سنة 1976م)

([1]) الجامن: شجرة موطنها الأصلي جنوب شرق آسيا، وتنتمي إلى العائلة الآسية، وقد يبلغ طولها عشرة أمتار، وثمارها حلوة المذاق تشبه حبات الزيتون، لها أسماء متعددة منها: البامبوزيا، والجمبولان، والزام، وغيرها. لها خصائص طبية كثيرة، وتحتوي ثمارها على نسبة عالية من فيتامين إيه وسي.