الرومانسية في الأدب الروسي

 

بدأت الحركة الرومانسية تظهر في الأدب الروسي في أواخر القرن الثامن عشر، وفي البداية كانت أقوى نزعة رومانسية هي النزعة العاطفية التي طغت في العقد الأخير منه، وركزت على المشاعر والخيال، ولكنها استمرت في استخدام الأشكال الشعرية الكلاسيكية. كما عرف عدد من كتاب العقد الأول من القرن التاسع عشر باسم أدباء ما قبل الرومانسية، وامتازوا عن العاطفيين باهتمام أكبر بالطبيعة وبالأمزجة المختلفة.

وفي العقد الثالث من القرن التاسع عشر ظهر جيل جديد من الشعراء يمثل البداية الحقيقية للرومانسية وبداية العصر الذهبي في الشعر الروسي. وقد جمع هؤلاء أيضًا بين المشاعر الرومانسية والأشكال الكلاسيكية لكن مواضيعهم كانت أكثر تنوعًا، وأبدوا اهتمامًا أشد بحرية الفرد، وتأثرًا كبيرًا بالشاعرين الإنجليزيين شكسبير وبايرون.

كان ألكسندر بوشكين أعظم شاعر غنائي روسي وأبرز كاتب في مرحلة الرومانسية المبكرة. وتميزت أشعاره بلغتها الموجزة وبلاغتها الفائقة في التعبير. والأسلوب الموجز لبوشكين يجعل شعره يستعصي على الترجمة. ويبحث بوشكين في قصائده السردية عن موقع الإنسان في المجتمع. وكثير من شخصياته الرئيسية مثل البطل يوجين أونيجين (1825-1832م) ليسوا قادرين على إيجاد هدف للحياة وهم ينتهون ضجرين وبعيدين عن مشاعر الحب.

كتب بوشكين عام 1825م مسرحية تاريخية بعنوان بوريس غودنوف في شعر مرسل. وكانت تلك محاولة منه لإدخال الأسلوب الشكسبيري في عرض الأحداث، حسب التسلسل الزمني، في المسرحية الروسية. والفارس البرونزي قصيدة قصصية كتبها بوشكين عام (1833م) تعتبر إحدى أعظم قصائده السردية، ويلقي فيها الضوء على محاولة بطرس الأكبر لإدخال المدنية الغربية إلى روسيا وتأثير ذلك على الروس العاديين ويوضح النتائح العظيمة والمأساوية أيضًا التي تنتظرها روسيا من وراء هذه الرغبة الجامحة.

كتب بوشكين أيضًا رواية وعددًا من القصص وكانت روايته بنت القبطان (1836م) شبيهة بالروايات التاريخية للسير وولتر سكوت الكاتب الرومانسي الأسكتلندي. ومن أجمل قصصه قصة ملكة البستوني (1834) التي تدور أحداثها حول مقامر يصاب بالجنون، بعد أن يفشل في الحصول على بعض الأموال في لعب القمار.

أديب آخر من البارزين في عشرينيات القرن التاسع عشر الميلادي هو ألكسندر غريـبو يدوف، وأشهر أعماله ويل من الفطنة (1825م)، والقصة ملهاة هجائية كتبها في قصيدة مقفاة. وبطل القصة تشاسكي، كما هي الحال في رواية يوجين أونيجن لبوشكين، يجد نفسه عاجزًا عن الانسجام مع مجتمعه. وقد اشتهر كل من تشاسكي وأونيجن بأنهما من طراز الرجال عديمي الفائدة الذين تحول طبائعهم الضعيفة دون السعي والكفاح لأجل الوصول إلى أهداف بناءة. واستخدم الأدباء هذه الشخصية بعد ذلك في وصف النبلاء الروس، العاجزين عن إيجاد زعامة تحررية قوية تدعم الإصلاحات السياسية والاجتماعية. وظهرت هذه الشخصية الخالية الوفاض في الأدب الروسي مرات عديدة، خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

شهد الأدب في هذه الفترة حرية أوسع في الشكل والأسلوب وإعجابًا بالمشاعر والانفعالات الإنسانية. وهذه الحركة التي بدأت في ثلاثينيات القرن التاسع عشر الميلادي ركزت أيضًا على تعميق أهمية الأحلام والرؤى والخيال. وكان الفساد السياسي والأخلاقي ضمن المواضيع السائدة في بعض الكتابات الرومانسية المتأخرة في الأدب الروسي، غير أن الرقابة اشتدت في عهد القيصر نيقولا الأول الذي بدأ حكمه سنة 1825م واشتدت الرقابة بشكل خاص على جميع الأعمال الأدبية الناقدة للمجتمع الروسي ولا سيما ما يتعلق منها بعبودية الأرض. ومن أبرز كتَّاب هذه المرحلة: ميخائيل ليرمنتوف وفيودور تيوتشيف ونيقولاي جوجول.

كان ليرمنتوف من الشعراء والروائيين البارزين. ويعبر كثير من أشعاره العاطفية عن الإحباط الشديد والتبرم بالحياة في روسيا وكان ليرمنتوف يحلم في شعره بفردوس بعيد المنال. إن الشموخ والرغبة الجامحة يؤديان بالبطل في قصة ديمون (نحو عام 1839م) إلى إضاعة هذا الوضع المثالي. وكانت قصة بطل من عصرنا (1840م) التي كتبها ليرمنتوف أول رواية نفسية في الأدب الروسي. والبطل بتشورين مثال آخر للرجل خالي الوفاض، إذ أنه يضيع حياته في مغامرات لامعنى لها، لأن الطبيعة القاسية للحياة الاجتماعية والسياسية في روسيا تحول بينه وبين أي نشاط مفيد سوى القيام بواجباته العسكرية. وكتب تيوتشيف، وهو شاعر رومانسي لامع آخر، عن مثل هذه المواضيع، مثل موقع الكائنات البشرية في الكون ومدى فهمهم للطبيعة المحيطة بهم ومقدرتهم على الاتصال بعضهم ببعض لغويًا. ومن ضمن قصائده الشعرية سيلانتيوم (1830م)؛ حلم في البحر (1833م)؛ ليست الطبيعة ماتظنها أنت (1836م).

وكان جوجول أحد أشهر الأدباء الروس. وقد قدم في أعماله الأدبية المبكرة أوصافًا تنبض بالحيوية عن الحياة في أوكرانيا، مسقط رأسه. وتاراس بولبا وهي رواية تاريخية يمجد فيها جوجول عظمة القوزاق الأوكرانيين الأوائل. واعتبر نقاد الأدب كثيرًا من أعمال جوجول المتأخرة هجاءً سياسيًا غير أن جوجول، كان يهدف أصلاً إلى السخرية من ضعف الإنسان الروحي. وتمثل الشخصيات الواردة في قصة المفتش العام (1836م) العيوب الشائعة في الطبيعة البشرية وقصة الأرواح الميتة (1842م) رغم عدم اكتمالها فإنها تعتبر من أروع سخريات جوجول، إذ نجد أن بطل القصة يتنقل داخل روسيا وهو يشتري سندات التملك لعبيد الأرض المتوفين، الذين لا تزال أسماؤهم مدونة في السجلات وهو يخطط لاستخدام تلك السندات في عملية احتيالية. وهذه الحكاية وهي هجوم على تفشي الفساد الأخلاقي، وقد أساء القرّاء في عهد جوجول فهمها وعدُّوها انتقادا للفساد السياسي.

 

نقلا عن الموسوعة الأدبية والعلمية