الخصائص التركيبية في القصة القصيرة/ د. إبراهيم عوض

 

الخصائص التركيبية في القصة القصيرة

“خصائص أسلوب القاص طاهر لاشين”

….

أول ما يلاحظ فيه أنه أسلوب قوي محكَم، وإن خف ذلك كلما تقدم بكاتبنا الزمن، ففيه احتفاء باختيار اللفظ وتجويد العبارة، واهتمام بالفخامة والرنين، وهذه مثلًا فِقرة يحكي فيها لاشين عن امرأة أب تسوم ابن زوجها الهوان، وتكلفه ما لا يطيق، آمرة إياه أن يحمل زكيبة قمح لا يستطيع أن يزحزحها من مكانها: “ولكن المرأة أصرَّت، فهوى الفتى على حمله يعالجه فكأنما كان يعالج شيئًا آخرَ؛ لأن الحمل لم يتزحزح، فأرغَتِ المرأة وأزبدت؛ لأنها لا تطيق أن ترى مِثل هذا الرِّخْو البليد الكسلان، ثم عادت تندِّد بوالدته، وتستنزل عليها في قبرها الويلاتِ واللعنات”[1]، إنه يقول مثلًا: “يعالج” بدلًا من “يحاول”، كما يستخدم جملة “يعالجه” الشديدة القصر في مكان “يحاول أن يحمله”، ثم هناك لفظة “رخو” وهي لفظة غير شائعة، وكذلك هذان التعبيران: “أرغت وأزبدت”، و”تستنزل على قبرها الويلات واللعنات” بما فيهما مِن رنين ومبالغة.

وهذه فقرة ثانية من أقصوصة “الشيخ محمد الياماني”[2]: “وبينما أنا أتمتع من شميم الأريج الفياح يهب بروائح القَلْي والشَّي إذا بالخادم يحمل إليَّ خطابًا قد التهمت وجه الغلافة منه تلك الديباجة التي توجت بها رأس هذا المقال”، فهذا التعبير: “وبينما… إذا…” بما فيه من قصد الإدهاش، وقوله: “شميم الأريج الفياح” بدلًا من “الرائحة المنتشرة”، ثم “الديباجة” و”الغلافة”، وكذلك “توجت” بدل “صدرت”، كل ذلك يبين اهتمام الكاتب بعباراته وتجويدها لتبهر القارئ وتعجبه.

إن الكاتب مهتم بتوفير إيقاع عالي النغمة في أسلوبه؛ ولذلك فإنه كثيرًا ما يلجأ إلى السجع والجناس، والتوازن والتقابل، وهذه المحسِّنات تجعل الأسلوب منسقًا ذا رنين، يقول في “أحرج ساعة في حياتي المدرسية”[3]: “ولكن ناظر تلك المدرسة استطاع أن يحك أنفَه لذلك الفيلسوف الفرنسي الكبير عبر الأجيال والأميال، ففتح مدرسة فيها من مبتكرات الوبال، ومستحدثات النَّكال، ما يجعل السجون إلى جانبها رياض الأطفال”؛ فالعبارة هنا مسجوعة للتهويل، وهناك لون من السجع يمكن أن نسميه “السجع الداخلي”؛ لأنه لا ينشأ من توافق الكلمات في نهايات الجمل المختلفة، بل من توافق كلمتين في نفس الجملة، مثل قوله: “ساهمًا واجمًا”، وقوله: “يداعبهم ويلاعبهم”، وقوله: “مَكْدُودين مَنْهُوكين”[4].

 

وقد يسوق لاشين هذه المحسنات لا لشيء إلا لإظهار مهارته في اصطياد الكلمات المتوافقة الجرس، مثل قوله: “وما هي إلا أن يرى على بعض القهوات أحد البهوات…”[5]، وقد تأتي هذه المحسِّنات في مواقف السخريَّة والتهكم فتزيدها لذعًا؛ كقوله في “الشاويش بغدادي”[6]: “لقد فاتني أن أقرر صراحة أن الشاويش بغدادي خفيف الروح رغم منظره الخشن، بل الحقيقة أنه لم يفُتْني ذلك، ولكنني لم أكن أعرفه قبل ذلك؛ فقد هز رأسه ذات اليمين وذات اليسار بأناقة، وحرك حاجبيه الكثيفين برشاقة، وقال:…”، فالتقابل بين “ذات اليمين” و”وذات اليسار” والسجع… “أناقة” و”رشاقة” وما يستتبعان من تطويل تتعلق معه أنفاسنا قبل أن يحكي لنا ما قاله الشاويش بغدادي، كلُّ ذلك يوحي بأن الأمر له خطره وجلاله، وأن ما يقوله الشاويش بغدادي ينبغي أن تعيه الآذان جيدًا، لكننا ننصت فنجد ما قاله لا يستحق هذه الأهمية التي أوحاها إلينا الكاتب، ومن هنا المفارقة والسخريَّة.

وقد يسوق محسِّناته هذه في جو حزين، فتُكسِب لونَ الحزن وضوحًا؛ كقوله في وصف زوجة الرجل السِّكِّير التي انحرفت لقسوة زوجها وفظاعته وإهماله لبيته في أقصوصة “في قرار الهاوية”: “هنالك هنالك في قرار الهاوية، حيث ضحايا الشهوة والجهل والإغواء، وحيث ضحكات البكاء، هنالك هنالك حيث ترقص الطيور المذبوحة، وتترنم القلوب الجريحة، هنالك هنالك حيث البِغاء جِدٌّ ليس بالهزل، تجلس من أجله تلك التي كانت امرأة تحت رحمة المساوم والمقاوم، هنالك جلست امرأة أحبت زوجها فكرهها، وتهافتت عليه فعافها، وتحمَّلت أذاه فنكَّل بها”.

وقد يلجأ أديبنا إلى المحسِّنات لتُشِيع في وصفه للطبيعة رقرقة وشاعرية؛ كقوله في أقصوصة “الوطواط”[7]: “عندئذ رفع الأستاذ حمدي بك رأسه وسهم إلى مصدر الصوت مليًّا، ثم قام فأوصلته خطواته متثاقلة إلى نافذة الغرفة، وكانت تطل على حديقة المنزل، وكان ربيعًا: فالزهر فيَّاح، والطير صدَّاح، وللسماء الزرقاء بهاء، وللأرض الخضراء نضرة ورُواء”.

وقد تأتي المحسِّنة البديعية لمجرد ما تحدِثه من موسيقا لا أكثر؛ مثل قوله في نفس الأقصوصة: “وأيقن حمدي بك بأن لا فائدة من ذلك.. ولا عائدة”، والنقطتان اللتان فصل بهما الكاتب بين قوله: “ذلك” وقوله: “ولا عائدة” تدلان على أن الجملةَ كانت قد انتهت بعد أن تم المعنى ولم تعد هناك حاجة إلى لفظ آخر، كذلك يبدو لي أن الكاتب قد تعمد الفصل بهاتين النقطتين لإبراز ما بعدهما؛ ليتنبه القارئ إلى ما يريد أن يُحدِثه من رنين.

وقد تقوى هذه الرغبة فتستحيل تكلفًا؛ كقوله: “ومضَتْ فيما أوحى إليها وجدانها تُذاكر وتُثابر، غير حافلة بإشفاق جَدتها عليها من مرض وحسد، فبان تفوقها وأصبحت بارزة، في اتزانها مميزة”[8]، وقد تكون العبارة المسجوعة من الكلام المحفوظ الدائر على الألسن؛ كقوله: “هشٌّ وبش”، وقوله: “أحق وأدق”.

ولكاتبنا غرامٌ بالموازنات والمقابلات، وأغلب ما تكون ثنائية، وهي منتشرة بكثرة في قصصه، وهذه ظاهرة تَلفِت النظر، بل إن هذه الثنائية لا تقتصر على التوازن والتضاد، بل تكثُرُ في الجُمَل الطليقة؛ ففي “منزل للإيجار”[9] نجد هذه العبارة “عمر سرور! إن أَنْسَ لا أَنْسَ هذا النوبي ذا الوجه المريح الأسود، والشارب المستقيم الأبيض، والعمامة الأسطوانية الحمراء”، فالجملة مقطعة ثلاثًا، وهناك توازن بين هذه الأقسام الثلاثة، وهو قائم على إيراد صفتين في كل منهما: فالوجه مريح أسود (ألا يقبل صفة ثالثة مثلًا؟)، والشارب مستقيم أبيض (صفتان)، والعمامة أسطوانية حمراء (صفتان أيضًا)، كذلك نجد العبارة التالية التي يقابل فيها بين “ليلًا سرًّا” و”نهارًا جِهارًا”: “وها هم السادة المتزوجون يضِجُّون بالشكوى إلى الله ليلًا سرًّا، وإلى خَلْق الله نهارًا جِهارًا”.

أما الثنائيات في غير التوازن والتقابل، سواء أكانت اسمين أم فعلين، صفتين أم حالين أم خبرين، فهي كثيرة؛ كقوله: “التهَب في وجهه البخل والغضب”[10]، وقوله: “قال وهو يرتعش وينتفض:…”، وقوله: “إلى أن أدركني الخجل لي والإشفاق عليه”[11]، وقوله: “قال في لهجة تذوب رقة وسماحة:…”، وقوله: “غيرَ أن الضيفة استيقظت في بهيم الليل خائفة مذعورة؛ لأنها آنسَتْ أنفاسًا تتردَّد على خدها، فقالت بصوت أبح مختنق:…”[12].

وهناك مع ذلك عبارات لا تطَّرد فيها هذه الثنائية؛ كقوله: “وما إن فعلت ذلك حتى نهض بكل ما بقي له من نشاط وقوة، ثم دس قدميه المصفرتين المعروقتين في بُلْغته العتيقة”[13]، فقد ثنَّى بين “نشاط وقوة”، وكذلك بين “المصفرتين والمعروقتين”، ولكنه أفرد وصف البلغة بـ”العتيقة”، ومثل ذلك أيضًا قوله: “أنا الطاهرة، أنا القوية العاقلة”[14].

 

 

 

قلنا: إن الكاتب مهتم بتوفير إيقاع عالي النغمة في أسلوبه، وأوردنا شواهد على الإيقاع اللفظي؛ كالسجع والجناس، والتوازن والتقابل، والتثنية بين النعوت والأخبار… إلخ، لكن علو نغمة الأسلوب عنده لا تقتصر على اللفظ وحده، وإنما قد توجد في المعنى كذلك: ففي قوله: “وهي نوبية تمادى الزمن عليها في خدمة البيت حتى بلغ الهَرَمُ بتكوينها عامة وبوجهها خاصة حدًّا يجوز للمرء حياله أن “يموت في جلده” أو أن “يموت على نفسه” من شدة الضحك حسب مزاجه الشخصي”[15]، نجد مبالغة شديدة في وصف القُبْح الموجود في وجه تلك المرأة النوبية، ولا ينبغي أن يفوتنا هذا الشغف بترديد كلمة “يموت”، سواء في حالة الخوف أو في حالة الضحك، ولا أقل من الموت بحال، والهدف بالطبع من وراء ذلك هو الإضحاك، وفي قوله: “فانحدرت الدموع في قنوات وجه العجوز”[16] نجد أن لفظة “قنوات” ذات لون فاقع، ولكن الكاتب لم يستهدف بمبالغته هذه شيئًا، إنما يبدو أن طبيعته في الإغراق قد غلبته هنا.

ومن علوِّ الإيقاع أيضًا عنده استخدامه للألفاظ التي تدل على الإطلاق؛ مثل: “جدًّا، لا ينتهي، كل الضرورة، كل التناسب”؛ كما في العبارات التالية: “هذا ما تكرَّم به الشاويش بغدادي بقوله حينما وقف حيال المتشاجرين ونصب في الفضاء قامته الطويلة جدًّا، كما نشر فيه أكتافه العريضة جدًّا، وأرسل في الفضاء كرشه البارز والبارز جدًّا”[17]، “على أن هذه الفعلة من جانب النوبي المتهيِّج كانت ضرورية كل الضرورة، ومتناسبة كل التناسب مع قوله:… إلخ”[18].

وقد يظهر الإيقاع العالي في وصف جمع غير العاقل لا بنَعْت المفرد المؤنث كما هو الشائع، بل بنَعْت الجمع؛ مثل قوله: “وصفَّ الأطباقَ الجُدُد على الطاولة”[19]، وقوله: “وتحجَّبْن عنا بخِرَقٍ بَوَالٍ”[20]، إلا أن ذلك ليس كثيرًا.

وقد يكون اللون الفاقع تعميمًا في الوصف؛ كقوله: “وإن ما أحدثته زهرة إثر سماع النبأ من ضروب الجزع لمعقَّد وفظيع، وعبثًا حاول الشيخ عبدالمولى أن يهدِّئ ثورانها الجنوني”[21]، فالجزع ضروب، ومن هذه الضروب المعقَّد والفظيع، والثوران جنوني، لكن كيف تكون الفظاعة؟ وكيف تكون الثورة الجنونية؟ لا تخصيص! ومن ذلك أنه يُكثر من التعجب؛ كقوله: يا لها من أعجوبة! وعجبًا! ويا لها من ذكرى لذيذة، ولكن كان لنا كذا[22].

وهو يستخدم لام التأكيد كثيرًا: بِدَاعٍ حينًا، وبدون داعٍ في أكثر الأحيان؛ مثل قوله: “حتى ليحسبها الرائي”[23]، وقوله: “حتى لينخلع”، وقوله: “وإنه ليمضي الساعات في ترتيبها وإعادة ترتيبها”[24].

ويدخل تحت هذا إسرافه في استخدام المفعول المطلق؛ كقوله: “وكان جسدها ينتفض انتفاضًا”[25]، وقوله: “نهبت الطريق نهبًا”[26]، على أنه قد يخصص المفعول المطلق ويحوِّله من مجرد أداة للمبالغة إلى أداة تبين الهيئة؛ مثل: “وأمسكت بتلابيبه مسكة احتقن لها وجه الرجل”[27]، و”رأيت الفتاة تتهكم بي تهكمًا مُرًّا محرجًا”[28].

كما أنه يلجأ إلى الترادف كثيرًا، مثل قوله: “لإظهار أسَفِه على فِراق زوجته وإشفاقه عليها”[29]، وقوله: “شرعت تقوم على خدمة المنزل بانشراح وارتياح وهي تتداخل في شؤونه بلباقة ورشاقة”[30].

ومِن سمات أسلوب لاشين أيضًا كثرة الاقتباسات والتضمينات؛ كقوله: “وقد تجيش مشاعره فيرى رأي العين جنازته تسير”[31]، وهي مأخوذة من قوله تعالى: ﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾ [آل عمران: 13]، وقوله: “فناولوه كأسًا دهاقًا”[32]، على أنه في الغالب لا يضمِّن أسلوبه عباراتٍ من القرآن الكريم أو الشِّعر القديم أو الأمثال العربية لمجرد التضمين، وإنما يستغلها لإبراز لون انفعالي معين في كلامه؛ كالسخريَّة والتهويل؛ كما في العبارة التالية: “السبب يا رفاق هو الحب مرة أخرى، السيد يحب ابنة الأندلفت مستهامًا بها صبًّا”[33]، فالجزء الأخير من هذه العبارة مأخوذ مِن بيت المتنبي المشهور:

أرى كلَّنا يَبْغي الحياةَ لنفسِه ♦♦♦ حريصًا عليها مُستهامًا بها صبَّا

وكقوله: “ولطالما غالب في هواها نفسه، وغلبت نفسه الـ… شيطان نفسه، فلم تكن تلك المعارك النفسية إلا لتزيد الحب إمعانًا في أعشار قلبه”؛ فالصورة الأخيرة مأخوذة من بيت امرئ القيس التالي، وهو مِن معلَّقته الشهيرة:

وما ذرفت عيناكِ إلا لتَضْربي ♦♦♦ بسهمَيْك في أعشار قلبٍ مقتَّلِ.

لكن يلاحظ أنه لا ينقل تضميناته دائمًا كما هي، بل غالبًا ما يُدخل عليها تغييرًا بحيث تنطبع بطابع شخصيته، وتلتحم بأسلوبه التحامًا عضويًّا، فلا تكون قلقة في مكانها؛ كقوله: “وأم سيد هذه هي ابنة المرحوم يونس السقا، وأرملة المرحوم الأسطى إبراهيم الشباشبي، ووالدة المرحوم سيد المجهول الصناعة؛ فقد أبى أن يحمل القِربة كجَده، وحاول أن يشابه أباه فما أطاق”[34]، فالعبارة الأخيرة مأخوذة من قولهم: “مَن شابه أباه فما ظلَم”، وكقوله: “ولكثرة افتضاح أمر أم سيد واضطهاد الناس لها تراها لا تعمر طويلًا في مكان واحد، على أنها تسكن الآن مندرة لا تبعد كثيرًا عن مندرة الزوجة التعيسة، وأم سيد تعرف أين تأخذ مجراها، وأين تُلقِي مرساها”[35]، مما يذكرنا على الفور بسفينة نوح عليه السلام وهي تمخر عباب الطوفان[36]، ومن الواضح أن الكاتب يسخَر هنا من تلك المرأة كما سخر من ابنها سيد من قبل، ومن ذلك أيضًا قوله: “وهذا صِهر الفاني، ذو المفاصل الصاخبة، والقلب اللاغب والمعدة الفاسدة، والشرايين الجامدة، يعيث في الأرض معيشة لا يموت فيها ولا يحيا”[37]، من قولهم: “يعيث في الأرض فسادًا”.

وهذا التحويرُ الذي يُدخله على ما يقتبسه من القرآن أو الشِّعر أو الأمثال يُدخله كذلك على كثير من العبارات الشائعة التي يسوقها في كلامه؛ كقوله: “أبناء بشرته” بدل “أبناء جِلدته”[38]، وقوله: “وقعت وسَطًا بين الحيص والبيص” بدل “في حيص بيص”،[39] وقوله عن إبليس: “فأُسقط في حوافر مفستوفوليس”[40] من قوله: “سُقط في يده”، وقوله: “وأي أوتومبيل يسوِّل له بنزينه مس الحكومة في شخص الشاويش بغدادي؟!”[41]، من قولهم: “سولت له نفسه فعل كذا”.

وهناك تراكيبُ وعبارات بعينها تتكرر عنده كثيرًا؛ مثل: “وما هو إلا أن… حتى…”، ومثل “يجوز خلال…”، ومثل “ما كان وما سيكون”، ومثل “على نحو ما ذكرنا”، أو “كالذي أسلفنا”، أو”كالذي مر ذِكره”، ومثل: “الحثالة والرعاع”، ومثل: “حياله” (بدلًا من “معه” أو “تجاهه”، ومثل: “نظيره، ونظيرتها”، ومثل: “شوشرة”، ومثل: “هذا وذاك”، ومثل: “تارة، وتارة أخرى”.

وفي تكوين جُمل لاشين وبناء عباراته احتفاءٌ بالأدوات التي تربط بين الجُمَل، فلا نجد، إلا فيما ندر، جملة مستأنفة في وسط الفقرة، ومن الأمثلة على ذلك قوله: “خرج من الحديقة فأخذ الطريق الضيق المحاذي للنيل، اختاره لأنه أقل ما يكون مارةً، وأصلح ما يكون لتفكيره، فلما صار إلى المسجد القائم هنالك وقَف يضرَع إلى الله حتى امتزجت دعواته بدموعه! وتابع السير، ثم تابع التفكير، فاستقر رأيه على ألا يُلقِيَ بنفسه في الماء، ولن يجعل من نفسه بطل رواية قبل أن يقف مع والده الموقف الأخير”[42]، إن لغة القصة يجب أن يكون فيها من الحيوية ما يجعلها تضيق بكل هذه الروابط التي تقيدها، وتحدُّ مِن حريتها، فتُفقدها القدرة على التعبير الدقيق، وبخاصة عن المشاعر والخواطر التي لا تخضع لنظام منطقي، والملاحظ أن أغلبَ جمُل لاشين فعلية، ولا شك أن التنويع في الجُمَل يقضي على رتابة الأسلوب.

كذلك يلاحظ في سرده بخاصة أنه يقوم على الجُمَل الخبرية، ومع ذلك فقد تقابلنا جملة طلبية هنا أو هناك فتَنفي عن الأسلوب ركوده؛ مثل: “وتلك الثالثة فتاة اسمها نعيمة، على جانب عظيم من الجمال، ولكنه جمال لا يدركه الكثيرون… ولكن كيف يتسنى لمخلوق هذه نشأته وتلك جِبلَّته كالذي مر ذِكره أن يدرك سر هذا الجمال؟”[43].

وهو كثيرًا ما ينوِّع الأخبار والنعوت والأحوال ما بين مفردة وجملة، وقصيرة وطويلة؛ مثل: “وإنها لشابة تخطت الثلاثين، طروبة النفس، جذلة الطبيعة، تصف أشدَّ مواقف حياتهم ألمًا بكيفية تستثير الضحك”[44]، فهذا التنويع يكسب الأسلوب نبضًا وحرارة، ويبدِّد الجمود الذي يعتريه من مراعاة التناظر والموازنة باستمرار.

 [1] من أقصوصة “سخريَّة الناي” (مجموعة “سخريَّة الناي”).

 [2] من مجموعة “يحكى أن”.

 [3] من مجموعة “النقاب الطائر”.

[4] سخريَّة الناي (مجموعة “سخريَّة الناي”).

[5] في قرار الهاوية (سخريَّة الناي).

[6] من مجموعة “يحكى أن”.

[7] من مجموعة “سخريَّة الناي”.

[8] حواء بلا آدم/ 44.

[9] من مجموعة “سخريَّة الناي”.

[10] الانفجار (سخريَّة الناي).

[11] جولة خاسرة (سخريَّة الناي).

[12] مفستوفوليس (سخريَّة الناي).

[13] منزل للإيجار (سخريَّة الناي).

[14] حواء بلا آدم/ 137.

[15] منزل للإيجار (سخريَّة الناي).

[16] ولكنها الحياة (يحكى أن).

[17] الشاويش بغدادي (يحكى أن).

[18] منزل للإيجار (سخريَّة الناي).

[19] الشبح المائل في المرآة (يحكى أن).

[20] حديث القرية (يحكى أن).

[21] الكهلة المزهوة (يحكى أن).

[22] منزل للإيجار (سخريَّة الناي) مثلًا.

[23] حواء بلا آدم/ 55.

[24] المرجع السابق/ 57، وانظر كذلك “لون الخجل” و”الكهلة المزهوة” في مجموعة “يحكى أن”، و”الوطواط” من مجموعة “سخريَّة الناي”.

[25] حواء بلا آدم/ 130.

[26] المرجع السابق/ 55.

[27] جولة خاسرة (سخريَّة الناي).

[28] المرجع السابق، وانظر “ألو” من مجموعة (يحكى أن)، ففيها على الأقل سبعة من المفاعيل المطلقة.

[29] مفستوفوليس (سخريَّة الناي).

[30] منزل للإيجار (سخريَّة الناي).

[31] سخريَّة الناي (مجموعة “سخريَّة الناي”).

 [32] منطقة الصمت (سخريَّة الناي)، والعبارة مأخوذة من الآية رقم 34 من سورة “النبأ”.

[33] منطقة الصمت (سخريَّة الناي).

[34] في قرار الهاوية (سخريَّة الناي).

[35] المرجع السابق.

[36] وهو قريب مما جاء في الآية 41 من سورة “هود”.

[37] ألو (يحكى أن).

 [38] منزل للإيجار (سخريَّة الناي).

[39] جولة خاسرة (سخريَّة الناي).

[40] مفستوفوليس (سخريَّة الناي).

[41] الشاويش بغدادي (يحكى أن).

[42] الانفجار (سخريَّة الناي).

[43] بيت الطاعة (سخريَّة الناي).

[44] منزل للإيجار (سخريَّة الناي).

…..