الإسلام في الأسر/ الصادق النيهوم

 

الفصل الرابع و العشرين

اقطعوا هذه الشعرة

كلمة (Nationalism) لها معنيان في قاموسنا السياسي المعاصر، كلاهما صحيح، وكلاهما يناقض الآخر على خط مستقيم، فهي من جهة، يمكن أن تعني (القومية) التي تجمع كل العرب تحت هوية واحدة، بموجب ” اقامتهم” في وطن واحد. لكنها_ من ناحية أخرى_ يمكن أن تعني ( الشعوبية) التي تقسم العرب بين اثنين وعشرين شعباً، كل واحد منها يختلف عن جاره، ويناصبه العداء أحياناً، بقدر ما تشاء أهواء السياسة.
سبب هذا التناقض، ان الكلمة نفسها لا تملك نسباً شرعياً في تراثنا العربي. فهي مجرد لفظة لقيطة، تبناها العرب قسراً، عندما دعتهم ظروف المقاومة ضد الاحتلال العثماني، إلى البحث عن شعار اعلامي من شأنه أن يميز بين العرب وبين الأتراك، ويحدد الخط الفاصل_ وشبه المطموس_ بين متشابهين في جميع التفاصيل، كليهما مسلم وفقير ومتخلف، وكليهما خاضع للسلطان العثماني. وهي مهمة أدتها كلمة ( القومية العربية) بنجاح مؤقت على محورين: على المحور الأول، اكتسب العرب لأنفسهم شخصية جديدة، تميزهم عن الأتراك، من دون أن تفرق بين المسلم وبين المسيحي. وهو إنجاز فاز برضاء عرب المشرق، حيث يشكل المسيحيون نسبة عالية بين السكان في الشام ومصر. لكنه لم يرق للأقليات العرقية الأكراد والدروز والزنوج والامازيغ الذين سوف يكتشفون بدورهم أن لهم لغات وقوميات أخرى، وسوف يتحولون خلال القرن العشرين إلى مصدر دائم للتمرد ودعوات الانفصال. هذه الشخصية الجديدة، استمدت شرعيتها من وحدة اللغة، وظفرت بتأييد عقائدي في أحاديث نبوية منها:” ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية، فهو عربي”.
_ وفي حديث موجه لاحتواء الأقليات:” مولى القوم منهم”.
_ وفي حديث آخر:” الولاء لحمة، كلمة النسب، لا يباع ولا يوهب”.
_ وفي كتابات فقيه من أهل الفتوى مثل الأفغاني:” وحدة اللغة هي الأساس الذي تقوم عليه الجنسية_ يقصد القومية واللغة أشد ثباتاً، وأكثر دواماً من الدين..”.
على المحور الثاني، اكتشف العرب في شعار ( القومية العربية) قوة سحرية قادرة على نقلهم بكلمة واحدة، من جحيم العصور الوسطى في مملكة السلطان العثماني، إلى فردوس الدولة القومية التي كانت قد ولدت في غرب أوربا، وارتبطت بقيام أمم صناعية متطورة مثل المانيا وايطاليا. وهو شعار نسف نظرية الخلافة الاسلامية من أساسها، وعمل على تبرير التحالف مع دول الغرب، حيث تزدهر مبادىء جديدة_ ومثيرة_ منها مبدأ فصل الدين عن الدولة الذي تبناه عبد الرحمن الكواكبي لأول مرة في تاريخ العرب بالدعوة إلى ( أسس راسخة للاتحاد الوطني، دون الديني. والوفاق الجنسي_ يقصد القومي_ دون المذهبي. والارتباط السياسي، دون الاداري..).

الإسلام في الأسر/ الصادق النيهوم ص”207،208،209″
رياض الريس للكتب والنشر