استعباد النساء_جون ستيورات مل/امام عبد الفتاح امام

 

ولكن ربما قال البعض أن هناك دليلا من علم التشريح على تفوق القدرة العقلية عند الرجال إذا ما قورنت بالقدرة العقلية عند النساء، فالمخ عند الرجال أكبر في حجمه من حجم المخ عند النساء. وأجيب أولا بأن هذه الواقعة نفسها مشكوك فيها. فلم يثبت مطلقا أن مخ المرأة أصغر من مخ الرجل . بل هو مجرد استنتاج من أن جسم المرأة بصفة عامة أصغر حجماً من حجم جسم الرجل، و إن كان هذا المعيار سوف يؤدي إلى نتائج غريبة. فالرجل الطويل الجثة لا بد أن يكون، على هذا الأساس، متفوقاً جداً في ذكائه على الرجل صغير الجسم. و لابد أن الفيل أو الحوت متفوقان تفوقاً هائلاً على أفراد البشر. ويقول علماء التشريح أن حجم المخ في الموجودات البشرية يختلف بدرجة تقل كثيراً عن حجم الجسم، أو حتى عن الرأس، ولا يمكن استنتاج حجم أحدهما من حجم الأخر. ومن المؤكد أن لبعض النساء مخاً في حجم مخ أي رجل. ويقال ، على ما أعلم، أن رجلا وزن أنواعا كثيرة من المخ البشري. وانتهى في نهاية بحثه إلى أن أثقل مخ وزنه (أثقل حتى من المخ الذي وزنه كويفييه Curver. وكان معروفا أنه (أثقل مخ حتى ذلك الوقت)_ كان مخ امرأة. ولابد أن أقول من ناحية أخرى أن العلاقة بين المخ والقدرات العقلية لم تفهم بعد فهما سليماً حتى الآن، بل هي محل جدل كبير. وأن كنا لا نستطيع أن نشك أن بينهما علاقة وثيقة. فمن المؤكد أن المخ هو العضو المادي للتفكير والشعور، وأنا أسلم(بغض النظر عن النزاع العظيم الذي لم يحسم بعد بخصوص الأجزاء المختلفة من المخ وقدراتها الذهنية المختلفة). بأن المسألة ستكون غير طبيعية واستثنائية بالنسبة لكل ما نعرفه من قوانين الحياة والتنظيم العضوي، وإذا كان حجم العضو لا صلة له على الإطلاق بالوظيفة التي يؤديها، وإذا لم تكن ضخامة الأداة عاملاً في زيادة القدرة. ولكنه يكون استثناء أيضا، غير طبيعي بنفس القدر، إذا ما كان تأثير العضو يتم عن طريق ضخامته وحدها. ففي جميع العمليات الدقيقة في الطبيعة- التي تعتبر من أدقها عملية خلق الحياة، وعمليات الجهاز العصبي أكثر هذه العمليات دقة بما لا قياس له تتوقف اختلافات الأثر على الفروق الكيفية لجسم الفاعل بقدر ما تعتمد على الفروق الكمية سواء بسواء: وإذا كان الكيف في الأداة يقاس بدقة العمل الذي تستطيع أن تقوم به واتقانه، فإن الدلائل تشير إلى أن الجهاز العصبي والمخ لدى النساء أدق، في المتوسط، منهما لدى الرجل. بغض النظر عن الاختلاف في الكيف فهو أمر يصعب التحقق منه، ومن المعروف أن كفاية العضو لا تتوقف في الكيف فهو أمر يصعب التحقق منه، ومن المعروف أن كفاية العضو لا تتوقف على حجمه فحسب، بل على نشاطه أيضاً، ولدينا مقياس لذلك يتمثل في القوة أو الطاقة التي يدور بها الدم فيه، حيث أن كلاً من الإثارة وقوة التعويض تتوقفان أساساً على الدورة الدموية. ومن ثم فلن نندهش- إذ الواقع أنه افتراض ينسجم مع الاختلافات التي تمت ملاحظتها بالفعل بين العمليات الذهنية لدى الجنسين- إذا تبين أن الرجال في المتوسط يتفوقون في حجم المخ، وأن النساء يتفوقن في نشاط الدورة الدموية للمخ. و النتيجة التي ننتهي إليها، على أساس التماثل، ستجعلنا نتوقع أن هذا الاختلاف في التنظيم يتطابق مع بعض الظواهر الشائعة التي نشاهدها بكثرة. فأولا وقبل كل شيء من حقنا أن نتوقع أن تكون العمليات الذهنية عند الرجال أبطأ، فلن يكونوا سريعي التفكير مثل النساء، ولا سريعي الشعور مثلهن. فالأجسام الضخمة تحتاج إلى وقت أطول لتصل إلى مرحلة العمل التام، فإنها تستطيع أن تتحمل عبئاً أكبر من العمل. وستكون أكثر مثابرة في الخط الأول الذي سارت فيه، ويكون من الصعب عليها أن تغير أسلوب عملها إلى أسلوب أخر. وإن كانت تستطيع الاستمرار فيما تقوم به من عمل فترة أطول دون أن تشعر بالضعف أو تحس بالإرهاق. ألا يعني ذلك أن الأمور التي يتفوق فيها الرجال على النساء هي تلك التي تتطلب أعظم قدر من الكدح، والطرق المستمر على فكرة واحدة، في حين أن أفضل ما تفعله النساء هو ما يجب أن يؤدى بسرعة؟. فمخ المرأة يتعب بسرعة، ويصيبه الإنهاك أسرع مما يصيب الرجل. غير أن درجة الإرهاق تجعلنا نتوقع أن يسترد عافيته ويستعيد قواه أسرع مما يصيب الرجل أيضا. وأود أن أكرر أن هذه الفكرة مجرد افتراض خالص، وهي لا تمثل أكثر من مجرد اقتراح خط معين للبحث. ولقد سبق أن رفضت فكرة إننا يمكن أن نعرف على وجه اليقين أن هناك اختلافاً طبيعياً على الإطلاق في متوسط القدرة العقلية عند الجنسين، وأكثر من ذلك أن تعرف كنه هذا الاختلاف. و لا يمكن أن تعرف ذلك ما دامت القوانين السيكولوجية المتعلقة بتكوين الشخصية لم تنل من الدراسة إلا أقل القليل، حتى ولو بطريقة عامة، فضلاً عن أنها لم تنطق على هذه الحالة الجزئية بطريقة علمية على الإطلاق. فما دمنا نهمل، عادة، أوضح الأسباب لاختلاف الشخصية، كما أن المراقب لا يلقى إليها بالاً، وتنظر إليها المدارس السائدة في كل من التاريخ الطبيعي والفلسفة العقلية بشيء من الازدراء: فمن ذا الذي يوافق- سواء أكان يبحث عن المصدر الذي يميز أساساً الموجودات البشرية بعضها عن بعض- سواء في عالم المادة أو في عالم الروح- أقول من ذا البشرية بعضها عن بعض- سواء في عالم المادة أو في عالم الروح- أقول من ذا الذي يوافق على مواجهة أولئك الذين يضلون تفسير هذه الاختلافات باختلاف علاقات الموجودات البشرية بالمجتمع و بالحياة.

 

استعباد النساء، جون ستيورات مل/ ترجمة وتعليق و تقديم أ.د. امام عبد الفتاح امام ص،120،121،122

دار النشر/ مكتبة مدبولي