أموتُ، والناسُ نيامٌ/ محمد عيد إبراهيم

تَرتَمي على فِراشٍ مِن أوراقِ الفَراولةِ، مُربَّعاتٌ مُوشّاةٌ فَوقَها مِسْحَةٌ مِن بياضٍ، وسطَ ليلِ اللّمبةِ، فهي كالنارِ على هَشِيمٍ راحَ في الظلِّ يَسعَى. يبدو أنهُ كالظهيرةِ التي تدنو مِن بقايا الشمسِ، كي تتناولَ أَشِعَّتَها كَشَرابٍ حارّ. مَجدٌ يفتِّشُ عن وَجهٍ استَطالَ، فلَم يعُد له قَوامٌ، بل هالةٌ كقدِّيساتِ العصورِ الوسطَى، حينَ يفلَقنَ ما بينَ الجِبالِ، لِتَمضي في مَمَرٍّ نَحِيلٍ، يُقالُ بعدئذٍ شَقَّهُ الزلزالُ. تنظرُ لأعلى كأنّ اللهَ يَحرسُ عينَيها، وعيناها كيومِ الحزنِ في متَناولِ الوَحشةِ، على رحلةٍ لا تعودُ.

 .

قُرْطٌ من عَقِيقٍ أخضرَ في حَلقةٍ سوداءَ، بِمنتَصفِ الخَطِّ الذي يمتدُّ، وما هو خَطٌّ، بينَ حَنيتَين، كَجِسمِ الطائرِ المَهزومِ في الطيرانِ حامَ، مِن غيرِ ظِلٍّ، أو تَهادَى بمَشَقَّةٍ. في مُربَّعاتٍ تنطوي أوراقُ الفَراولةِ، تنطوي الشمسُ في خِفَّةٍ، ينطوي كلُّ مَصِيري بتَدافُعٍ، لا أنقَطِعُ، كمُرَقِّقِ العَجينِ، فهي دافِئةٌ، والطَيشُ حانَ بضَربَةٍ. كانَ فَمي كالسمكةِ، نَهَّاشٌ يغنّي كالرَّضِيعِ “ابعِدي عنكِ هَمَّكِ”. كَوْنٌ على مِحوَري. ولآلئُ تَتَعرَّى. في نُزهةٍ، سأُمثِّلُ الخُطوةَ. نُسخةٌ من روحي، تدبُّ، فتَشكو، تنفَتح فوقي:

 .

(كتَبَ “رولان بارت” 1967 عن الملابسِ في “نظامِ المُوضَةِ”، في مَعرِضِ كلامِهِ عن “شانيلَ”، وهي “شانيلُ”، ينتَقِدُ البورجوازيَّ في الملبَسِ، ولم يُكمِل تَحَدِّيَهُ…

وأردَفَ “أكتافيو باثَ” بكِتابٍ عن الحُبِّ والحِسيَّة “اللّهبُ المزدَوَج” 1994، فمِن أفلاطونَ إلى كُبرَى الحَضاراتِ، الحُبُّ مسألةُ الكائنِ ومَظلَمَتُه…

أما رَبيبي “جورج باتاي” فكتَبَ في الجزءِ الرابعِ من أعمالهِ الكاملةِ، الأعمالِ الشّعريَةِ، 1939، قصيدةَ “إيروتيكا”، عن “حُلقومُ حُبكِ الورديُّ، طائرُ الغابةِ، وعزلةُ الغابةِ”…)

 .

 (قبلَهم، كتَبَ اليَمنيُّ الضِلِّيلُ “امرؤ القَيسِ” من 1450 ونَيِّفٍ، بمُعلَّقَتهِ، عن فاطِمَ، وقد عادَ من قَصرِ القُسطَنطِينيةِ، بعدَما كَسَّرَ وَجهَ الصَّنمِ، ثأراً لأبيهِ، خائِباً أو خائِناً: “سُلِّي ثيابي من ثيابِكِ تَنسُلِ”.

كما كتَبَ “دَوقَلةُ” بقَصيدتهِ “اليتيمةُ” عن مَلِكَةٍ، وقد آلَت على نفسِها ألاّ تَتَزوَّجَ إلا مِمّن يَقهَرُها شِعراً، “ولَها هَنٌ” فإلخ، تَزَوَّجَتهُ، على أن يترُكَ الشِعرَ: “دَعدُ؟”، … وتَركَ!

أما النُواسِيُّ فكتَبَ إلى “جِنانٍ” في خِدْرِها، بعدَما حَجَّ “إلا لِيَجمَعَهُ المَسِيرُ”: “إن جُدتِ… لم تقطُر السماءُ دماً”.)

 .

طَيفٌ تَوَهَّجَ على حَبَّاتِ صَدرٍ، يكشِفُ اللّونَ في صَيفٍ، سعيدٍ، هنيئاً لمَن طافَ أو حَنا شَفَتَيهِ كي يقطِفَ من الجَفنَينِ التَحَسُّرَ، أو يرشُفَ ما وراءَ النظرةِ كرسولٍ بَحِريٍّ يتَجلَّي فوقَ فَرعِ الذراعِ، وكانَ رَيَّاناً تَخلَّفَ عن وَقتِ الحَصادِ. دمٌ طَرِيٌّ في يَدِي وتَسرَّبَ، إلى مُسنَدِ الرُّكبَةِ. لم أنتَبه كَصَبايا الحُقولِ مِمّن جاءَ أو صابني. فتذَكَّرتُ بنتَ المَهدِيِّ “قَفْرٌ غيرُ مأنوسٍ”. أتوبُ إلى حَفِيفِ الحُبِّ، كالخادمِ أنضو الثوبَ، ورأسي يتدلَّى قبلَ مَعركةِ النابِضِ الحَجَريِّ في الغرفةِ.