آنَستُ نارَ الأُنس/ ابن دانيال الموصلي

 

 

ما زلتُ في طَوري أُخاطبُ ذاتي

من غير ما طَورٍ ولا ميِقات

حتى تَفَقّهْتُ الخطابَ كأنّهُ

قد كانَ يُسْمَعُ منْ جميع جهاتي

آنَستُ نارَ الأُنس من وادي طُوى

سرَّي فَضَاءَتْ بالهدى ظُلُماتي

قَسَماً بنون الكون والقَلَم الذي

قد خَطَّ في لوح البقاء صفاتي

وَبمَنْ بَقيتُ على الفناء لحُبه

حتى غدا موتي عَليْه حياتي

إنّي رأيَتُ به وجودي في الورى

عَدمي وآلامي به لَذَّاتي

عَن كُلِّ شيءٍ قَدْ خَفيتَ وإنَني

لأراكَ في الأشياء بالآيات

حَسْبي وصالُكَ فَهْوَ أوَّلُ بُغيتي

أملاً وأخرُ مُنتهى طَلباتي

إنَّ النزوعَ إلى لقائكَ حجَةٌ

يَرمي فؤادَ الصّبِّ بالجمرات

حَجي بجُثماني إليكَ بحجَتَي

بالأين إذ لا أينَ منكَ لآتي

وَمُنايَ أنتَ إذا أَقامَ على منى

قوم ومَعرفَتي ذُرى عَرَفات

وَلَبَيْتُ قَلْبٍ أنت ساكنُ خلبه

لأحقُّ بالتّطواف والعمرات

لَسْتُ المروَّعَ بالجحيم ولا الذي

يبغي جناناً غَضّة الثَمرات

تَرْكُ الشّهيِّ لما يُحَبُّ دوامُه

شَرَه وَحرص في اقتنا الشّهوات

والخوفُ من شيءٍ سواكَ تَشَاغل

بسواكَ في عُمُري وَبَعْدَ مماتي

بل بُغيتي صلَتي بحَضْرَتكَ اللتي

جَلّتْ عن الحركات والسَكَنَات

وَتَخلُّصي من آلتي لأنالَ ما

لا يَنبغي بتناوُل الآلات

وَتَمَتُّعي بجَمالكَ الفَرد الذي

هو غايةُ الحُسن البديع الذاتي

حَسَنٌ على الأكوان منهُ بهجةٌ

معشوقة للنّاس من لمحاتي

روحُ البريّة نَفْحَةٌ من روحه

نَسَمَتْ فأحيَتْ مَيِّتَ النّسمات

لم أدعُ هزّاً للعطاء ولم أزدْ

علماً بحالي حالةَ الأزمات

إنْ كانَ علْمُكَ حاضراً ذاتاً وما

توليه فيّاضاً على الأشتات

لكنْ أُوَطدُ للتّلَقّي مُهْجَةً

قَلقَت بما أُبديه من دَعَواتي

ولأَنتَ أقرَبُ حينَ أدعو مُخلصاً

في الخطب من ريقي إلى لهواتي

فَلكَ الثّناءُ السّرْمَديَ مؤبّداً

لم يحُصه مُتَكلم بصفاتِ.