سَمِعتُ صوتًا هاتفًا في السَّحر/ عمر الخيام

سَمِعتُ صوتًا هاتفًا في السَّحر

نادى من الغيبِ غُفاةَ البَشَر

هُبّوا املأوا كأسَ المُنى قبل

أن تملأَ كأسَ العمرِ كَفَّ القَدَر

لا تُشغل البال بماضي الزمان

ولا بآتِ العيشِ قبلَ الأوان

واغنم من الحاضرِ لَذَّاتهِ

فليسَ في طَبعِ الليالي الأمان

غَدٌ بظهرِ الغيب، واليومُ لي

وكم يَخيبُ الظن في المُقبِلِ

ولستُ بالغافلِ حتى أرى

جمالَ دُنيايَ ولا أجتلي

القلبُ قد أضناه عشقُ الجمال

والصّدرُ قد ضاقَ بما لا يُقال

ياربُ هل يرضيكَ هذا الظّما

والماءُ ينسابُ أمامي زُلال

أولى بهذا القلبِ أن يخفِقَ

وفي ضِرامِ الحُبِّ أن يُحرَقَ

ما أضيَعَ اليومَ الذي مَرَّ بي

من غيرِ أن أهوى وأن أعشقَ

أفق خفيفَ الظلِ هذا السَّحَر

نادى دع النومَ وناغِ الوَتَر

فما أطالَ النومُ عمرًا ولا

قَصَّرَ في الأعمارِ طولُ السَّهر

فكم توالى الليلُ بعدَ النهارِ

وطالَ بالأنجمِ هذا المدارِ

فامشِ الهُوينا إنَّ هذا الثرى

من أعينٍ ساحرةِ الإحورار

لا توحِش النَّفسَ بخوفِ الظنون

واغنم من الحاضرِ أمنَ اليقين

فقد تساوى في الثّرى راحلٌ

غدًا وماضٍ من ألوفِ السنين

اطفئ لظى القلب بشهدِ الرِّضاب

فإنما الأيامُ مثلُ السّحاب

وعيشُنا طيفُ خيال، فَنَل

حظك منه قبلَ فَوتِ الشباب