نظام التفاهة/ د. آلان دونو
هل السبب وراء عدم حديث وسائل الإعلام والأحزاب السياسية عن البرولتياريا هو كون الأخيرة لا تنخرط في الحياة العامة، أم أن الأمر على العكس من ذلك؟ في الرابع من نوفمبر2014، تساءل عنوان في موقع راديو كندا Radio-Canada:” هل أنت تنتمي إلى الطبقة الوسطى؟”، و طُلِب من القراء أخذ اختبار لمعرفة الإجابة. وفقاً لباحثي جامعة شيربروك Université de Sherbrooke المشار إليهم في هذا الموقع، فإن نصف الكنديين ينتمون إلى هذه الفئة الاجتماعية الواسعة. ولكن ماذا عن البقية؟ لم تذكر كلمة واحدة عنهم، هم، ببساطة، خارج الإطار: لا أغنياء ولا فقراء، لا برجوازيين ولا بروليتاريين، لا مستعمِرين و لا مستعمَرين. تقوم مجلة ” الأعمال” Les Affaires بمهمة أفضل: كان السؤال الذي طرحته في 21 أكتوبر 2015 هو:” إلى أية طبقة وسطى تنتمي أنت؟”. هناك عدة أنواع ممكنة من الوجود, ولكن فقط ضمن ” الطبقة الوسطى” Middle Class. لو كنت أنت شخصاً منتمياً إلى الطبقة الوسطى في أمريكا الشمالية وتقرأ صحيفة عادية أوتستمع إلى محطة بث ذات قيمة، فما زلت لا تعرف أي شيء حول الوجود اليومي لشخص يعيش على نظام الإعانة الاجتماعية Welfare في بلدك. في كيبيك Quebec مثلاً، كيف يتدبر الناس أمر المعيشة بدخل يبلغ 623 دولاراً، في الوقت الذي يواجهون فيه بازدراء عام؟ سوف تكون جاهلا أيضا بعالم العمل. وإن اتفق أن نهضت باكراً في يوم ما، فسوف تكتشف وجود أُناس – كثير منهم مهاجرون- يبدأ يوم العمل لهم من قبل أن تغادر أنت للحاق بمكتبك. كما أنك لن تعرف أي شيء حول أسلوب الحياة المنحط للطبقة الحاكمة، تلك التي تتملك الثروة المنتجة من قبل أُجَرائها – فيما تتظاهر بخلقها- من أجل أن تشبع رغبتها في الأبهة والسلطة. كما أنك لن تشك في أنهم هم وأسلافهم كثيراً ما استخدموا وسائل إجرامية لمراكمة ثرواتهم. في هذه الأثناء، سوف تكون أمامك آلاف الفرص لتستمع إلى صحافيين أو كتاب أعمدة يناقشون الأجهزة التي يمكنك الحصول عليها، الأموال التي يمكنك اقتراضها، الوظائف العادية التي سوف تُستَحدث أو تُفقد، وباقات الإجازات التي يبدو أن الجميع يحبونها. إن وسائل الاعلام تدعوك إلى ترك كل ماعدا ذلك على ركام قمامة العالم، هذا الذي لا ذاكرة له. هذا هو مايدور الأمر حوله، بالنهاية: جعل أفراد الطبقة الوسطى ينسون أنهم لن يكونوا أي شيء سوى بروليتاريين ذوي مال، ليس إلا، وأنه لا سيطرة لهم على المتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية التي تشكل مستويات حياتهم. بعناد، تراوغهم الكثير من الأشياء: نموذج التخطيط الحَضَري الذي يعيشون فيه urban planning model، أسعار البترول والمواد الأولية التي تحدد حياتهم، معدلات الفائدة وأسواق العملة التي تبقيهم في الدّين، العادات الاستهلاكية والمزايا المهنية التي يوفرها أرباب العمل، كالملابس والهواتف والسيارات، والقاصدة إلى إلهائهم. إن وضع “الزبانة”. clientele الذي يرغمون على التحوّل إليه لا يسمح لهم باختيار جميع “نكهات الشهر” هذه، الأمر أقرب إلى كونها تحشى في أفواههم حشواً. إن العالم الذي يشغلونه ليس لهم إلا على سبيل الدّين، فمثل هذه ” الطبقة الوسطى” مثل بواب الفندق في فيلم” الرجل الأخير” Der Letzte Mann للمخرج ف. دبليو مورنو F.W.Murnau، الذي يترك حيّه الفقير كل صباح ويرجع إليه كل مساء، فيعجب به رفاقه بسبب ملابسه الفاخرة: لأنه يعمل في فنادق البرجوازية، فإنه يكون دائماً بكامل أناقته. ولكن هذا اللباس الموحد الذي يرتديه ما أُعطي له إلا لأعراض العمل، هو لا يمتكله. وفي أحد الأيام، قام رئيسه بتخفيض درجته الوظيفية، فأخذ منه هذا اللباس، لينصرف الرجل خجلاً، وهو يرتدي- للمرة الأولى- الخرق التي تعكس مرتبته الاجتماعية بشكل أصيل. في ذلك اليوم، هزّه فهم أن الملابس لا تصنع الرجل، ولكن هذا الإدراك لم يكن من القوة بحيث يدفعه إلى تطبيقه على أفراد الفئات الاجتماعية الأخرى إلى درجة القول بأن الملك، هو أيضا عارٍ من الملابس. إن بطل الفيلم هذا يشبه الأشخاص الذين لا يصوتون لأحزاب من الوسط المتطرف extreme centre
إلا لأنهم لا يريدون المساس بسراب الملكية الخاصة، كجزء من إيمانهم بهؤلاء الذين لا يحمل النظام معنى إلا لهم…
نظام التفاهة/ د. آلان دونو_ ص”333،334،335″
ترجمة وتعليق/ د. مشاعل عبد العزيز الهاجري
دار سؤال
مرتبط
2023-06-23