ودعت مصر اليوم الاثنين الموافق 1/ 7/ 2024م بمزيد من الحزن والأسى شاعرا من أهم شعراء العامية المصرية، وهو الشاعر محمد خميس، ابن دمنهور، الذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز الخمسين عاما.
كان الشاعر الراحل يمثل صوتا فريدا في عالم الشعر العامي المصري بما يحمله من رؤية إنسانية عميقة، تؤصل للهوية المصرية الخالصة، تلك التي تتجلى في صياغته الشعرية متعددة الروافد .. فقد كان شعره ينهل من روحه الصوفية الحالمة، وتجربته الإنسانية التي تميزت بالكفاح والجلد والإصرار على التحلي بصدق القيمة ونبل المقصد والترفع عن طلب الشهرة وذيوع الصيت، كانت كلماته في سائر دواوينه الشعرية تنطق بصوت القرية المصرية الأصيلة، التي تنضح عفويتها وعراقة وجدانها من ارتباطها بأمومة الوطن وجذور حقائق الروح التي تشكل وعي وتكوين الفلاح المصري الأصيل صاحب القلب النقي والرؤية المنفتحة، وعراقة الأصول، والتدين السمح.
لقد كان محمد خميس في شعره وحياته ابن الماء والتراب .. ابن سماء مصر وأرضها، تتراءى روحه الكاتبة في خضرة حقولها، وأبراج حمامها، وكتاتيب قرآنها، ووجْد حضراتها ومجالس الذكر وأوراد المحبة والفناء الصوفي؛ الزاهد في الترف، المترفع عن الدنايا، المحتفي والمكتفي بذاته، فقد كان رحمه الله قنوعا راضيا، معطاء محبا، كريم الخلق ، نقي السريرة، تقي الطوية، سمح المعاشرة، شهد بنقائه كل من عرفه من الأصدقاء والشعراء والكُتّاب، حتى كان عالما وحده، في خلوته وبعده عن الأضواء، وفي نزوعه للإبداع الشعري المتفرد معجما وتصويرا ورؤية، فكان شعره انعكاسا لإنسانيته الثرية وعطاء روحه الصافية ونقاء قلبه المحب.
ترك الراحل رحمه الله ميراثا شعريا ثريا متنوعا، تمثل في عدة دواوين شعرية أهمها : “شاعر بلا جواد”، و “حروف شاردة” و “خمسينية شعر”، و”أوكازيون الحياة”.
وخلف وراءه من القيم والمعاني النبيلة ما أدمى قلوب أحبابه بالوداع .. وداعا يا صديقي الحبيب .. وداعا يا محمد .. أسأل الله لك أن يتغمدك بفضله وعفوه ورضوانه وأن يسكنك جنة قربه، كما كنت قريبا دوما من قلوب أحبابك.