كأننا أودعنا قطعة سكر في ماء/ عبير عبد العزيز

     

 

 

لعلني بجعةٌ في حلم هذا الرجل

الذي أسند رأسه على البندقية

فقط لينظر للسماء

هذا الرجل الذي أفرغ بندقيته بيديه

قال لهم : ليست فارغة

للبندقية نجوم تحيا بها الآن.

الذي تحسس البندقية

رأى بها أمراً آخر

غير الذي تدرب عليه وحفظه عن ظهر قلب

كأنه رأى فتاة للمرة الأولى

تجلس فوق عباد الشمس

تحدثَ للعساكر والقادة وللطيور والعناكب

للعفاريت البيضاء لغبار جنود المعارك

عن تلك البندقية التي جعلته مضمحلاً

أمام مخاوفه ومخاوف أصدقائه الطيبين

فأفرغ البندقية.

صمتُ البندقية لا يُقاوَم

تلك العاجزة المشلولة

سمحتْ للموسيقى بفراغ يناسبها

سمحتْ للأحلام بمساحة تتسع

فلعلني بجعة في حلم هذا الرجل

لا تملُ الرقص له فوق تلك المساحة

الشاسعة التي زرعها وهو يموتُ

نائماً على بندقيةٍ فارغة.

  ***

الواقفون على الطريق

الواقفون في الممر الضيق

الواقفون على أطراف أصابعهم في غرفهم العلوية

الواقفون في شُرفاتٍ مغلقةٍ لأبوابٍ أُقفلت بإحكامٍ

أنفاسٌ سُدَّت عليها بِفلةٍ معدنيةٍ

الواقفون أمام التلفاز يشاهدون الواقفين

تمنوا جميعاً أن يحصلوا على مسحوقٍ

لا لون له ولا رائحة

لا بصمة يُستَدل عليها

ليتحولوا لأشباحٍ على الطريق

عندما تمر العربات بجانبهم أو أمامهم

تلك العربات المملوءة بأصواتِ الجنود

رائحة حديد الطلقات الفارغة

في أفواه مُعداتِها

تعلو على رائحةِ التبغ

الذي يُقاوِم أحلامَ هؤلاء الرجال

الميتةَ بموتِ الواقفين.

   ***

ألسنا ننسى المثلث

عندما نرسم دائرة

ألا نتذكرُ الزوج

عندما نحكي عن أيام الأرملة الطويلة

هذا الزوج الذي رحل بعيداً وسريعاً

ليعود محمولاً على الأكتاف

ملفوفاً في راية يحوطه الهتاف

راية قماشها جديد وألوانها زاهية

ودعناه كأننا أودعنا قطعة سكر في ماء

ألسنا ننسى الحياة عندما نخطط لمعركة ما.

                

 ***

الحكماءُ موجودون في العالم

لضبط الإيقاع

الشعراء يهبونهم تلك الأغنيات الكثيرة

ما يبحثون فيها عن ذاك الإيقاع

المحاربون بين هؤلاء

يصنعون جداراً سميكاً

كى لا تمرُ الأغنيات إليهم

أو لا يخترقُ الإيقاع حياتهم

وكلما علا الجدار

صار يُصدر أصداء عالية وقوية

لتلك الأغنيات وذاك الإيقاع.

  ***

لعل المحارب يلهو ويلهو

حتى يتفرغ له الموت

في مقابلة وحيدة

لا ادعاء فيها

لكن للهو آثارا لابد أن تُزال يوماً

للمقابلة تاريخ لابد أن نذكره

في سيرة انتظار.

..