شجر الصفصاف/ الأخضر بركة

مُتهدّجَ الأنفاسِ، أخضرَ،
يصعدُ الصفصافُ، منفلتا من الأوصافِ،
مُحتكّا بأشباحِ الرّياحِ،
غصونُهُ ترنيمَةُ العُبّادِ في أبديّةٍ زرقاءَ، تقطرُ حيرةً
في ماء مرآةِ التأمّلِ،
ربّما قد مرّ عشّاقٌ قريبا من مساء الِّجذْعِ يوماً
تاركين قلوبَهم مجروحةً بخناجرِ الأنفاسِ في جلدِ اللّحاء.
شجرٌ يُرى
متبعثرَ الأوراقِ في حمُّى عناق الأفْقِ
مثل كمنجةٍ مجنونةٍ يهذي هنالكَ وحدهُ،
ثوبُ الظلالِ ممزّقٌ بسيوف ضوءِ الشمسِ،
للصفصاف صمتٌ يشبهُ الغَيْمَ المُعلّقَ فوق حبلِ الوقتِ،
تسكنهُ طيورُ خواطرِ البَّرِ المُدوّرِ حوله كالمسْرَحِ الحجريِّ،
للصفصاف صوتُ تنهّدِ امرأةٍ تعضّ النّارِ
صوتُ تكسّر الأوراقِ تحت النّعلِ،
صوتُ اللّيل في أذنِ المكان المنتمي لخريطة الأرواحِ،
حشرجةُ الحصى في الماءِ،
***
يمكن أن يفيض النسغُ فوق مُعدّل المعنى
ويمكن أن يغيضَ النسغُ تحت معدّل المعنى.
***
ذراع الغصنِ أطول من ذراع النّصِ
وهو يحاول الإمساك بالكلمات
وهو يحاول الإفلات من قفصِ البلاغةِ،
***
وَيْكَأَنَّ الريحَ خمرٌ تسكنُ الأشجارَ،
يمكنُ..
أيّها الصفصافُ أن تهبَ الهبوب
ليغرف المخيالُ منك نبيذَهُ،
ليتوبَ عن صلفِ الكلامِ الصمتُ،
يمكن أن تعيرَ الاستعارةَ
كي يخيطَ وميضَهُ المثقوبَ ضوءٌ.
***
تسقط الأوراقُ في حمّى العناق..
كأنّما امرأةٌ تبعثر ثوبها شبقاً على أرضِ الفصول
تميلُ بي، وبها أميلُ
إلى جهاتِ أربعٍ منّي ومنها، ليس يمسكني الوصول
يا أيّها الصفصاف صُبّ نبيذ الانخطاف الحرِّ،
كأسُ الروح ليس يملأها شرابُ الشّعر،
كأس الروحِ هاوية الذهول
***
قد يعبرُ الحطّابُ، يجمع ما تكسّر من ضلوعكِ،
قد تشبُّ النّارُ فيما
قد تساقط من يَبَاسِ العُمْرِ حولكَ
ذاتَ نزهةِ عابرين.
دوائرُ الجذع التي سأعدُّ
بعد عبور منشار القيامةِ فيكَ هل تكفي
لإحصاء اختبارات الجسدْ..؟
***
يتهودج الصفصاف أعلى
دائما أعلى
على إيقاع أوجاع اندفاع النسغ
للأعماق عبر مجرّة الأوراق موسيقى العددْ
نافورة العدمِ المدثّر باحتمالات الوجود
خطاطة للشكل يخلع شكلَهُ
سفرٌ يسافر في مكانٍ واحدٍ عبر انبثاقات الصعود
***
يتكلّمُ الصفصافُ أسماءَ المتاه،
يتكلّمُ الصفصافُ صمتَ الأبجديّةِ،
لا يقولُ، ولا يحيلُ سوى إلى..
ما اخضرَّ أو ما اصفرَّ من عود الحياه.
مرتبط
2023-05-27