تجولت اليوم في محل الملابس المستعملة
رأيت الملابس ذاتها التي كنا نشتريها
من محلات المستخدم في بلادنا
لم نكن فقراء
كانت لدينا عقد تافهة
وكلما ارتدينا الماركات الأجنبية
تفاخرنا بأن عمنا المغترب أرسلها لنا من أوروبا…
نحن الآن في أوروبا
أصبحنا فقراء هنا
نرى كل يوم في طريق مدرستنا محل الماركات الأصلي
ونشتري من محلات المستخدم
لا بأس
يقول باشلار : إن الوجود مدور.
*
وضعت رأسي اليوم في سلة واحدة مع ثلاث لاجئات
قفز الى يدي فستان بأكمام منفوشة
يعود في أقل تقدير إلى مئة عام مضت
الأمر طبيعي
يعيش الناس هنا طويلاً
ويموتون وحيدين
غالباً لا تعرف العائلة بهذا الموت
الأمر طبيعي أيضاً في كل المجتمعات المتشيئة
لن تجد ابنة تدافع بشراسة أمام زوجة الأخ عن أحقيتها بالفستان
لمجرد أنها ملعونة -مثل كل من يسكن الشرق-
حتى بالتراث الشخصي.
*
تجولت في قسم الأطفال كذلك
الأمر بالطبع مجرد مصادفة
لا علاقة لها بطنين الأمومة المزمن في رأسي
أيقنت أن هذه الملابس لأطفال
ماتوا في الحرب العالمية الثانية
كانوا في متحف ما
قرروا إغلاقه وتحويله مسكناً للاجئين
ولأن اتصالي الروحي بهم كان قوياً
انتابهم شعور طيب بعد خذلان الوطن لهم!
فجأةً وجدت نفسي محاطة بعشرات الأطفال
طبعت إنغريد قبلة على خدي وقالت لي: شكراً
هانز كان أكثر خجلاً لكنه خلع قبعته وأعطاني إياها
بينما اكتفى الرضيع هاتموت بالتحديق بوجهي بسعادة
طلبوا مني أن اصطحبهم إلى منزلي
لا أدري من أين عرفوا
أني نفسي أقيم في متحف واسع
تم إغلاقه وتحويله مسكناً لعائلتي
أخبرتهم:
منذ أن بدأت الحرب في بلادي
تعلمت أن الخلاص فردي
بحكم عملي معلمةً للأطفال
تخليت عن كل أبنائي في ريف حلب الساخن
وفي القارب المطاطي وسط بحر إيجه
صرخت بدم بارد في وجه شام
لأنها كانت تزعجني ببكائها الهستيري
أعرف أن طعم الخذلان في المرة الثانية أقسى
لم أنظر في عيونهم
غادرت مسرعة بعد أن ددست في يد الكبيرة زلكا
رسالة مقتضبة:
“آسفة على استدعائي لأرواحكم ، هذا فقط لزوم الكتابة: عملي”.