تبدأ الحياة في اليوم الأخير/ وديع سعادة

 

تبدأ الحياة في اليوم الأخير.

الأيام كثيرة، لكن الحياة قليلة. تتأجَّل من يوم إلى يوم. وحين لا يبقى غيرُ يوم تتدفق كلها إليه علَّها تحيا فيه… وهكذا تبدأ الحياة، فقط حين انتهائها.

ولذلك، لن تعاش الحياة أبدًا!

لديَّ نهارٌ واحد بعد، ماذا أفعل؟ أبدأ الحياة؟ وبأيّ شيء أبدأها هذه الحياة؟ مع مَن؟ كيف؟ بأيّ فعل و أيّ كلام؟

وإذا صدَفَ أن التقيتُ أحدًا ماذا أقول له؟

الآن أبدأ بك حياتي؟ وإذا قلتُ و استجاب، كيف أعيش حياةً أودّعها؟ كيف أحيا موت الحياة؟!

استيقظتُ باكرًا جدًا. على الراحلين أن يستيقظوا باكرًا جدًا ليملأوا نهارهم. عليهم، على الأقل، أن يروا الفجر قبل أن يذهبوا.

في فضاء هذه الغرفة نثارُ بشرٍ عاشوا قبل آلاف السنين، أودّعهم، وأصير مثلهم نثارًا.

أودّع نبضَ الكواكب الذي وصل إليَّ عبْر التيه الفضائي، من مجرَّات بعيدة. الوشوشات الكونيّة، غبارَ النجوم، الهواءَ المولود من ملايين السنين، القاطعَ بصمت فضاءً هائلاً ليصل إليَّ.

أودّع شهقات البراكين، رذاذَ المستنقعات البعيدة. الصورَ الكراسي المرايا الساعات، عيونَ أطفالي، أحذيتَهم المرميّة كيفما كان على البلاط.

أودّع الأمواج التي تخترق جسدي، الذبذبات الآتية من أقدم مكان، من الارتطام العظيم!

هل كان عليَّ أن أرتطم بنفسي كلَّ هذا الوقت، ويرتطمَ كلُّ شيء بي، لكي أصير في النهاية فريسة صامتة؟ ألم يكن في وسعي، من زمان، أن أخفّف عن هذا العالم الضاجّ، صوتًا؟

الكون، يجب أن يرتاح. على الأصوات كلّها أن تصمت.

آه، الهدوء!