اعلم أن المعرفة نعت إلهي لا عين لها في الاسماء الإلهية من لفظها وهي أحدية المكانة لا تطلب إلا الواحد والمعرفة عند القوم بحجة فكل علم لا يحصل إلا عن عمل وتقوى وسلوك فهو معرفة لانه عن كشف محقق لا تدخله الشبه بخلاف العلم الحاصل عن النظر الفكري لا يسلم أبدا من دخول الشبه عليه والحيرة فيه والقدح في الأمر الموصل إليه واعلم انه لا يصح العلم لأحد إلا لمن عرف الأشياء بذاته وكل من عرف شيأ بأمر زائد على ذاته فهو مقلد لذلك الزائد فيما أعطاه وما في الوجود من علم الأشياء بذاته إلا واحد وكل ما سوى ذلك الواحد فعلمه بالأشياء وغير الأشياء تقليد وإذا ثبت انه لا يصح فيما سوى الله العلم بشئ إلا عن تقليد فلنقلد الله ولا سيما في العلم به وانما قلنا لا يصح العلم بأمر ما فيما سوى الله إلا بالتقليد فان الانسان لا يعلم شيئأ إلا بقوة ما من قواه التي أعطاه الله وهي الحواس والعقل فالانسان لا بد ان يقلد حسه فيما يعطيه وقد يغلط وقد يوافق الأمر على ما هو عليه في نفسه أو يقلد عقله فيما يعطيه من ضرورة أو نظر والعقل يقلد الفكر ومنه صحيح وفاسد فيكون علمه بالأمور بالإتفاق فما ثم إلا تقليد وإذا كان الأمر على ما قلناه فينبغي للعاقل إذا أراد ان يعرف الله فليقلده فيما أخبر به عن نفسه في كتبه وعلى ألسنة رسله وإذا أراد ان يعرف الأشياء فلا يعرفها بما تعطيه قوة وليسع بكثرة الطاعات حتى يكون الحق سمعه وبصره وجميع قواه فيعرف الأمور كلها بالله ويعرف الله بالله إذ ولا بد من التقليد وإذا عرف الله بالله والمور كلها بالله لم يدخل عليك في ذلك جهل ولا شبهة ولا شك ولا ريب فقد نبهتك على أمر ما طرق سمعك فان العقلاء من أهل النظر يتخيلون أنهم علماء بما أعطى لهم النظر والحس والعقل وهم في مقام التقليد لهم وما من قوة إلا لها غلط قد علموه ومع هذا غالطوا انفسهم وفرقوا بين ما يغلط فيه الحس والعقل والفكر وبين ما لا يغلط فيه وما يدريهم لعل الذي جعلوه غلطاً يكون صحيحاً ولا مزيل لهذا الداء العضال إلا من يكون علمه بكل معلوم بالله لا بغيره وهو سبحانه عالم بذاته لا بأمر زائد فلا بد ان تكون انت عالماً بما يعلمه به سبحانه لانك قلتدت من يعلم ولا يجهل ولا يقلد في علمه وكل من يقلد سوى الله فانه قلد من يدخله الغلط وتكون إصابته بالإتفاق فان قيل لنا ومن أين علمت هذا وربما دخل لك الغلط وما تشعر به في هذه التقسيمات وانت فيها مقلد لمن يغلط وهو العقل والفكر قلنا صدقت ولكن لما لم نرى إلا التقليد ترجح عندنا ان نقلد هذا المسمى برسول والمسمى بانه كلام الله وعلمنا عليه تقليداً حتى كان الحق سمعنا وبصرنا فعلمنا الأشياء بالله وعرفنا هذه التقاسيم بالله.
قال صلى الله عليه وسلم : فقال “من عرف نفسه عرف ربه” وقال أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه فجعلك دليلاً على معرفتك به فإما بطريقة ما وصفك بما وصف به نفسه من ذات وصفات وجعله إياك خليفة نائباً عنه في أرضه وإما بما انت عليه من الإفتقار إليه في وجودك وأما الأمر ان معاً.