الفصل الأول
بلد العميان
يلوح اللا منتمي من النظرة الأولى مشكلة اجتماعية، إنه الرجل الغامض. وعلى سطح الترام، في الهواء الطلق، تجلس فتاة، ترتفع أذيال ثوبها قليلاً، إلا أن توقفاً في حركة المرور يفصلني عنها، فيبتعد الترام شيئا فشيئا مختفيا وكأنه كابوس.
الشارع مملوء بالأثواب المتأرجحة المنطلقة في الاتجاهين والتي تعلن عن نفسها بمرح، والأذيال ترتفع، الأذيال التي ترتفع ولا ترتفع. “اني أرى نفسي في المرآة الطويلة الضيقة المعلقة في واجهة ذلك المحل قادماً يلوح علي الشحوب والنعاس. لست أريد واحدة، أريد النساء جميعا. انني أبحث عنهن بين من حولي من النساء واحدة بعد الأخرى”. هذه السطور من قصة هنري باربوس “الجحيم” تدلنا على مظاهر معينة في اللا منتمي، فبطله يسير على شارع من شوارع باريس، تفصله الرغبات المشتعلة فيه عن غيره من الناس بحدة، وان الحاجة التي يحسها في نفسه للنساء ليست حيوانية تماماً، فهو يستمر قائلا:” ولم استطع المقاومة، فتبعت دوافعي بصورة عرضية، تبعت امرأة كانت ترقبني من زاويتها ثم سرنا جنبا إلى جنب، وقلنا بعض الكلمات، وأخذتني معها إلى بيتها، ومر المشهد المعروف، ومر وكأنه سقوط عنيف مفاجىء.
ورأيت نفسي على الرصيف ثانية، لا أشعر بالطمأنينة التي كنت أمني نفسي بها، وإنما أحس باضطراب مربك. كنت وكأنني لا أرى الأشياء على حقيقتها. كنت أرى أكثر من اللازم وأعمق من اللازم”.
ويظل البطل بلا اسم خلال صفحات الكتاب، انه الرجل اللا مسمى الذي يعيش خارجا. يأتي إلى باريس من الريف ويجد وظيفة في أحد البنوك، وغرفة لدى أحد الأسر. ويجلس في غرفته وحيدا متأملا، وليس لدى هذا الرجل شيء من النبوغ، لا غاية يحققها ، لا مشاعر ذات قيمة ليمنحها:” لا أملك شيئا ولا أستحق شيئا، وبالرغم من ذلك، أشعر بحاجة إلى تعويض”. وهو لا يكترث للدين، ” أما البحث الفلسفي فانه يلوح عديم المعنى، لا شيء يمكن اختباره، لا شيء يمكن تنويعه، اما الحقيقة، فيا ترى ماذا يعنون بها؟”.
وتنطلق أفكاره بصورة غامضة عن حب قديم، وما فيه من ملاذ جسدية، إلى الموت…” الموت أهم الأفكار اطلاقا”. ثم يعود إلى مشاكله اليومية يجب أن أكسب مالا، وفجأة يرى ضوءا منعكسا على الجدار. انه منبعث من الغرفة التالية. ويقف على الفراش و يراقب الغرفة التالية ” انني انظر وأرى … الغرفة التالية تدعوني إلى عريها”. وهكذا تبدأ القصة، فهو يقف على الفراش كل يوم ويراقب الحياة الدائرة في الغرفة التالية من ثقب الجدار، ويظل على تلك الحال شهرا كاملا، يراقب من مكانه الجانبي مكانه المتسلط_ كانت مغامرته الأولى هي ان يراقب امرأة كانت قد شغلت تلك الغرفة لتقضي فيها الليل، وكان يلتهب ويحتدم بينه وبين نفسه كلما رآها تتعرى. ان هذه الصفحات تتميز بالاثارة المتعمدة المتهم بها كتاب فرنسا بعد الحرب. بحيث يستطيع كيدو روجيرو ان يكتب قائلا:” تعالج الوجودية الحياة كما تعالجها القصة”. وتأتي المرحلة المهمة فيحاول في اليوم التالي ان يعيد تمثيل ذلك المشهد في خياله،…..
اللّا منتمي / كولن ولسون ص”9، 10″
ترجمة، علي مولا_ دار الآداب