الذكريات هي الجحيم/ عماد فؤاد

 

 

الذكريات هي الجحيم

تستطيعين استعادتها بالمخيّلة، لكنّكِ لا تستطيعين الرّجوع إلى لحظة وقوعها، تحرقكِ بنارها في الحالتين

وكنتُ أظنّ أنّني بعد كلّ هذه السّنين، أصبحت صانع زجاج عجوز ومدرّب، يعرف كيف يتفادى اللسعات من كتلة الذّكريات السّائلة التي تضعها الماريجوانا بين كفّيه، لكنّني اكتشفت أنّني مازلت أتعلّم كلّ يوم من رعونة كتلة الذّكريات

صحيح أنّني كنت أستمتع بحالة بلورتها وتشكيلها من جديد، بحالة الاقتراب منها وتلمّس نتوءاتها التي سرعان ما تصل بي إلى مواضع نعومتها أو خشونتها، إلا أنّها لم تحرمني متعة اللسعات من وقت إلى آخر، متعة الوجع المفاجئة التي تلسعكِ في الموضع الذي لم تتصوّري أنّها قادرة على الوصول إليه.

 كان يمكن أن تكون لحظة استعادتي لملمس الدّفء الذي اختزنته شفتاكِ من فنجان القهوة السّاخن، عاديّة، لو أنّني رأيتها كذكرى مرّت كغيرها من الذّكريات، كان يمكن ألا تترك في نفسي شيئاً، لو أنّ فكرة أخرى طغت عليها، وحلّت مكانها، كان يمكن أن تصيبني بالأسى لا بالنّشوة، لو أنّني استعدتّها في اللحظة ذاتها التي أدرك فيها غيابكِ عنِّي، اقتنعت بأنّ عليَّ أن أتعامل مع نفسي على أنّني مجرّد صانع زجاج مبتدئ، عليه أن يؤمن بأنّ حرفة يديه المدرّبتين، ليست كلّ شيء، عليه أن يتعلّم أن يترك الكتلة السّائلة بين أصابعه على سجيّتها

ليرى إلى أين ستوصّله

أن يتركها تستنّ قوانينها بنفسها

وله أن يطاوعها أحياناً

أو يردّها أحياناً.

هكذا..

كانت استعادتي للحظة تلامس شفتينا على شاطئ مارماريس، وأنا أنفث دخان الماريجوانا الطّازجة التي تفوح رائحتها من بين أصابع يدي اليسرى الآن، كدّت أن أتذوّق شفتيكِ، أتلمّس لسانكِ، واستعدت بكامل الصّفاء، اللحظة التي ميَّزت فيها طعم ريقكِ المعبّق بطعم البنّ، ولسانكِ يتحرّك بين شفتيّ

فيما تخرج يدي عن سيطرتي

لتنسلّ خلف عنقكِ

وتجذبكِ إليّ

أكثر.

استعادة ذكرى القُبلات الجميلة شيء حزين، لا أحبّ أن أستسلم له، خاصّة استعادة قبلات امرأة مثلكِ، لذلك رميت رأسي تماماً إلى الخلف، وغبت في دخّان سيجارتي الخامسة.