إن أول عمل دشن لحظة استقبال المفهوم الغربي “الهرمونيطقا” /التأويل في الخطاب العربي المعاصر، يتمثل في دراسات، كان قد أنجزها نصر حامد أبو زيد تناولت الهرمونيوطيقا /التأويل/ تفسير النص”. شكلت هذه الدراسات زمن ظهورها، وما زالت، حدثاً تأسيسياً في الخطاب النقدي العربي، وفي التعريف بنظرية غربية وتقديم أبرز أصولها، ومبادئها إلى النقاد العرب. على اعتبار الهرمينوطيقا، هي البديل النظري والمنهجي في تجاوز معضلة تفسير النص. لذلك شرع في تقديم مبادئها وأصولها، كما تشكلت مع شلير ماخر وديلتاي، ثم هايدجر وجادامار، وصولاً إلى بيتي وهيرش وريكور.
يعد الأستاذ الدكتور سعيد علوش من المغرب الأقصى؛ من المهتمين بقضايا الحداثة وما بعد الحداثة في الأدب والنقد والترجمة، وفي الدراسات المقارنة وانفتاحها على فضاءات جديدة من الدرس المقارن، ويبدو أن كتابه هرمنوتيك النثر الأدبي”، بطابعه التنظيري، يمثل مقدمة لمشروع نقدي في هذا المجال/ التأويل.
يرصد علوش في كتابه هذا مظاهر التنوع في الصورة الاصطلاحية، التي ظهر فيها المفهوم الغربي للهرمونتيك/ التأويل. وهذا التنوع في اقتراح المقابلات العربية ناتج بالضرورة، عن تنوع في الأطر المعرفية، والمرجعيات النظرية والفكرية، التي يصدر عنها أصحابها، بل إن المصطلح المقترح، لاسيما في صيغته الدخيلة، ينطق ويفصح بالمرجعية الأجنبية، التي تأثر بها الناقد علوش، فمن مرجعية أنجلوسا كسونية مع “نصر حامد أبو زيد” بالمشرق العربي، إلى مرجعية فرانكوفونية مع سعيد علوش بالمغرب العربي.
في هذا الإطار الفكري والنقدي، يأتي كتاب “نظرية التأويل” لمصطفى ناصف، الذي اهتم فيه بقضية التأويل في الثقافة الغربية المعاصرة، وفي التراث العربي. أثار في هذه الدراسة العديد من القضايا، وناقش بعض المناهج والنظريات النقدية، داعياً إلى تبني المنهج التأويلي في قراءة تراثنا مستعمِلاً تارة مصطلح التأويل، وتارة أخرى نظرية التأويل.
وتوقف عند أصل الكلمة في التراث الإغريقي والقديم على وجه العموم، وفي الفينومولوجيا الألمانية والفلسفة الوجودية. ويتناول من المغرب عبد العزيز بومسهولي “أدونيس” بقراءة تأويلية في كتابه الموسوم بعنوان: الشعر والتأويل، قراءة في شعر أدونيس، حيث يشير إلى أن أدونيس يبلغ ذروة تفجير الرؤيا الإستبطانيى، بخلقه لكون شعري متميز سمته التشاكل، حيث تتداخل في تجربته الفريدة، تشكيلات خطابية متعددة، بعضها يمكث في التراث الصوفي الإنساني القديم، تراث النفري على وجه الخصوص، وبعضها الآخر يطفح من رؤية معاصرة، ومن خلال هذا التشاكل، يتمكن الشاعر من اختراق الخطابين معاً: القديم والمعاصر.
مرجعيات التأويل.. الهرمينوطيقا
تترجم عادة كلمة Hermeneutique بـ “فن التأويل”، وتعني فن تأويل وتفسير النصوص بتبيان بنيتها الداخلية والوصفية ووظيفتها المعيارية والمعرفية، والبحث عن حقائق مضمرة في النصوص، وربما المطموسة لاعتبارات تاريخية وإيديولوجية، وهذا ما يجعل فن التأويل يلتمس البدايات الأولى والمصادر الأصلية، لكل تأسيس معرفي وبرهاني وجدلي. وهي الدلالة التي يمنحها “لسان العرب” لابن منظور: “التأويل المرجع والمصير، مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه”.(1).
وتطلق كلمة “هرمينوطيقا” على الاتجاهات المختلفة، التي يعتنقها بعض الفلاسفة والمفكرين، الذين يعطون اهتماماً خاصاً لمشكلات “الفهم”، و”التأويل” أو التفسير، فالكلمة إذن تصدق على نظرية التفسير ومناهجه.
واللفظ اليوناني المستمدة منه يشير في وقت واحد إلى عملية الكلام وعملية التفسير، مما قد يعني أن الكلام هو طريقة “يفسر” بها الشخص أفكاره للآخرين، وإن كانت الهرمينوطيقا تعني في الاستعمال الفلسفي والأكاديمي تفسير النصوص.
وتاريخياً، ارتبط التأويل “الهرمينوطيقا” في البداية بمحاولات تفسير أعمال هوميروس والشعراء الإغريق، وبذلك ارتبط التفسير بالفيلولوجيا (علم اللغة) وبنقد النص، ثم ارتبطت بإشكالية قراءة النصوص اللاهوتية والنصوص المقدسة، المنطلقة من “تواز أو موازنة بين معنيين: المعنى الحرفي وهو العهد القديم، والمعنى الروحي وهو العهد الجديد. وقد تجاوز هذه الثنائية إلى ثلاثية فرباعية، وهي: أن النص يحتوي على المعنى الحرفي أو المعنى التاريخي، والمعنى الأخلاقي، والمعنى الصوفي أو المعنى الروحي، أو على أربعة وهي: المعنى الحرفي والتمثيلي والخلقي والغيبي”(2).
هذا الأمر دفع أحد اللوثريين، وهو “ماتياس فلاسيوس” إلى الثورة على سلطة الكنيسة في مسألة مصادرة حرية قراءة النص المقدس، ليقترح أولوية التراث في تأويل بعض المقاطع الغامضة من النص وطابع الاستقلالية في فهم محتوياته بعزل ٍ عن كل إكراه أو توجيه قسري.
إذن يعود الفضل إلى “فلاسيوس” في تأسيس حلقة فن التأويل، والتي تنقل من الفهم الشامل والكلي للمعنى، الذي يختزنه النص إلى فهم أجزاء هذا النص. وعليه ينشأ تأويل شبه دوري يستند فيه الفهم الكلي على فهم أجزائه وعكسه، فمثلاً تأويل الإنجيل ينبغي أن يفهم كل كتاب وكل مقطع، انطلاقاً من الدلالة العامة لمجموع الكتب، وهذه الدلالة الشاملة تتشكل بالإسناد إلى فهم كل جزء على حدة.
هذه الإزاحة التي مارسها فلاسيوس في قضايا تأويل وفهم النصوص، بعيداً عن الإطار الإيديولوجي والسياج الدوغمائي المغلق الذي تنحصر فيه ليس كافية، لأن هناك عوامل أخرى أغفلها فلاسيوس، وهي قراءة كل كتاب في ضوء مختلف الظروف التاريخية والاجتماعية والسياقات والاستعمالات اللغوية(3).
ما هو الموطن والمكان الأولي لقيام التأويل ــ الهرمينوطيقا ــ وانتشاره؟
في البداية، كان الأمر يتعلق في الثقافة الغربية اليهودية المسيحية، بقانون النص التوراتي: هذا المكان حاسم للغاية بحيث إن عدداً كبيراً من الباحثين يحاول جعل التأويل مماثلة لشرح التوراة، وإعادة تأويل الأحداث والشخوص وفي مؤسسات التوراة العبري، هذا إذا استخدمنا مصطلحات إعلان المسيحية فيما بعد، وعلى يد الأحبار اليونانيين وكل الهرمينوطيقا الوسيطية، التي كتب تاريخها الحبر “لوباك”، ثم تأسيس الصرح المعقد للمعاني الأربعة للكتاب المقدس، وأخيراً، لقد أصبح التأويل في العصر الحديث، يعني ترجمة دلالة سياق ثقافي معين إلى سياق ثقافي آخر، وفق قاعدة مفترضة لتكافئ المعنى. وفي هذا المستوى يلتحق التأويل التوراتي بصيغتي تأويل الآخرين. وبالفعل فمنذ عصر النهضة، وانطلاقاً من القرن الثامن عشر خصوصاً، شكلت فيلولوجيا النصوص الكلاسيكية حقلاً ثانياً للتأويل مستقلاً عن التأويل السابق، بحيث كان استرداد المعنى في المرحلتين معاً، يسعى إلى أن يكون إعلاناً لشأن المعنى نقلاً أو ترجمة.
وبعبارة أخرى يمكن تعريف الهرمينوطيقا بأنها فن “القراءة”، أي فن حل النصوص وتفكيكها والكشف عن معانيها. والذي أضافه المفكرون المحدثون الهرمينوطيقيون، هو أنهم عملوا على مد فكرة “النص” إلى كل مجالات الوجود الإنساني، واعتبار الحياة نفسها نوعاً من “النص” أو على شيء يشبه النص، الذي يمكن قراءته وتوضيحه وإبرازه، وأن ذلك يتم بطريقة تشبه الطريقة، التي يفسر بها التحليل النفسي معنى الأحلام.
ويقوم منهج التفسير في أساسه على افتراض أن الكلام له معنيان؛ أحدهما هو المعنى الظاهر والآخر هو المعنى الخفي أو المستتر أو الباطن، مما يعني أن اللغة لها هي أيضاً وظيفتان، إحداهما هي التعبير والأخرى وظيفة رمزية، تتطلب البحث عما ترمز إليه. وقد أدت هذه التفرقة إلى قيام اتجاهين في التفسير: الاتجاه نحو استرجاع المعنى وإعادة بنائه، وهو الذي يتبعه رجال الدين الذين يهتمون باسترجاع المعنى الأصلي للرموز في “العهد الجديد” والاتجاه الآخر يقوم على الشك ويضم مفكرين من أمثال نيتشه وماركس وغيرهم، ممن يهتمون بتحليل أو تجزئة المعنى، وليس تجميع الأجزاء كما هو الشأن في الاتجاه الأول،ورد ذلك المعنى إلى عوامل ودوافع كامنة وخفية.
وهكذا أمست مهمة التأويل تقوم على الاقتراب من هذه الهوية الدلالية المفترضة، وذلك بالاعتماد على وسيلتين وحيدتين هما: عملية نزع هذا المعنى من سياقه ووضعه في سياق جديد. وتعد الترجمة بالمعنى الواسع للمصطلح بمثابة نموذج لهذه العملية.(4).
ويرجع الفضل لـ “شليرماخر” Schleiermacher في أنه أول من عمل على توسيع دلالة “الهيرمينوطيقا” فيما وراء نطاق اللاهوت، أو المشكلات الجزئية في تفسير النصوص الدينية. وهي الأنظمة الأربعة التي انشغلت بها الهيرمينوطيقا أو فن التفسير التأويل حتى القرن التاسع عشر. وبذلك فإن إسهام شليرماخر، كان بمثابة محاولة أولى لتأسيس الهيرمينوطيقا، بوصفها نشاطاً عاماً في التفسير يقوم على الفهم. ومع ذلك فقد ظل تفسير النصوص الدينية هو ما يشغل اهتمام شليرماخر في المقام الأول. ولذلك فإن “جادامير” على الرغم من اعترافه بفضل شليرماخر في تأسيس الهرمينوطيقا كنظرية عامة في الفهم، إلا أنه يرى أن شليرماخر قد جعل اهتمام اللاهوتي نصب عينيه بوضوح، قاصداً أن يجعل من هرمينوطيقاه ــ كنظرية عامة في فن الفهم ــ ذات فاعلية في العمل الخاص المتعلق بتفسير الكتاب المقدس.(5)
فالحركة بدأت إذن على أيدي علماء الكلاسيكيات واللاهوت، الذين حاولوا وضع قواعد تحكم التفسير الصحيح للنصوص الكلاسيكية والدينية الأساسية، ولكنها لم تلبث أن اتسعت وامتدت لتشمل النصوص الأدبية وغيرها، بل وتجاوزت هذا المجال إلى مجالات علم النفس والاجتماع والانتروبولوجيا والتاريخ وبقية العلوم الإنسانية، على أساس أن الحياة الإنسانية عملية تضفي معنى على الأشياء، ولذا تحتاج أن تقرأ بقصد الفهم والتأويل والتفسير.
حتى إننا لا نستطيع أن نحصي المذاهب المتشبعة لخوضهم في مبدأ تأويل النص القرآني”، وكذا في مقاصد الفقهاء وعلماء الأصول، وعلماء البلاغة والنقاد القدماء. وعلماء الكلام والمتصوفة وإخوان الصفاء.
ويرجع التأويل باعتباره منهجاً في فهم القرآن وإدراك معانيه المتشابهة إلى القرآن نفسه. فقد ورد في قوله تعالى ?هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات، هن أم الكتاب وأخر متشابهات. فأما الذين في قلوبهم زيغ، فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله? ــ سورة آل عمران، الآية 7.
إن لفظ التأويل مأخوذ من (أول) وهو الرجوع. يقال آل إليه أولاً، أي رجع. ويقال أول الكلام تأويلاً إذا تدبره وقدره برده إلى أصله، أي دلالته الحقيقية. كما أن التأويل هو تعبير الرؤيا.
لذلك أخذ التأويل في اصطلاح المفسرين، معنى التفسير تارة وهو بيان المعنى في اللفظ. وهو المعنى الذي استعمله الطبري. كما أخذ معنى صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معناه الباطن، باعتبار المعنى الأخير هو المقصود منه.
أما عند الفقهاء الأصوليين، فالتأويل يرادف “التفسير”، لأن للفظ المجمل إذا لحقه البيان بدليل ظني سمي مؤولا. وإذا لحقه البيان بدليل قطعي سمي مفسراً.
وقد قسم العلماء التأويل إلى قسمين: وهما التأويل المنقاد، والتأويل المستكره. فالمنقاد هو الذي لا يجافي منطق اللغة ولا ينأى عن دلالتها، وأما المستكره فهو على العكس منه، في محاولة لتأييد المذهب أو النزعة.
وهذا ما نراه بوضوح في بعض تفاسير المعتزلة والشيعة والمتصوفة، حيث نجد في تفاسيرهم البعد عن اللغة والسياق، وكل القرائن المحيطة بالنص لحمل لآيات على معان ذوقية أو خيالية أو مذهبية. ويرى المستشرق “جولد زيهر” أن النزعة العقلية التأويلية، قد بدأت قبل المعتزلة بوقت طويل، وقد لاحظها في تفسير مجاهد، ثم في تفسير أستاذه “ابن عباس”، الذي يقول عن نفسه” أنا ممن يعرف تأويله”، ثم الطبري بعده.(6).
علينا أن نذكر في هذا السياق أن عمار بن ياسر، كان في معركة صفين يرتجز:
نحن ضربناكم على تنزيله… واليوم نضربكم على تأويله.
فهل يدل ذلك على أن التأويل نبت أول ما نبت في مواجهة التفسير اللفظي، الذي كان يقوم به العلماء الأمويون؟ مهما يكن من أمر هذا الخبر وصحته، فإن التأويل كان يعني منذ البداية توخي معنى في القرآن غير المعنى الظاهر. وكان من رواد هذه النزعة “الجعد بن درهم”، الذي عده خصومه من المعطلة، أي القائلين بإنكار الصفات الإلهية تأويلاً للنصوص. وكان لآرائه امتداد في مفكر آخر، هو “الجهم بن صفوان”، فحمل النصوص القرآنية كذلك على التأويل.
لقد نشأ التأويل من طبيعة النظر في القرآن لفهم آياته المتشابهة في وقت مبكر. ودعت إلى هذا التأويل دواع من الرد على المخالفين السياسيين أو المنشقين عن الجماعة، أو من الرد على ذوي الأهواء ومثيري الشبهات من اليهود والنصارى، عند اختلاطهم بالمسلمين في بلاد الشام، أو من المجوس والصابئة عند اختلاطهم بالمسلمين في الأمصار بالعراق وبلاد فارس. وهناك من يرد التأويل إلى أسباب نزول آيات المحكم والمتشابه في القرآن. ولم يلبث أن تشعب الجدال حول قضايا سياسية وعقدية في أواخر العصر الراشدي، واستخدم التأويل في دعم آراء المخالفين وخصومهم على حد سواء. وقد كانت رسالة الحسن البصري في (القدر) من أول النصوص، التي كتبت مستفيدة من منهج التأويل بشكل بدائي.(7).
ويأخذ التأويل نفساً جديداً على يد علماء اللغة في العصر ذاته حينما يؤلف أبو عبيدة معمر بن المثنى كتاب “مجاز القرآن”، وتظهر مصطلحات المجاز والتشبيه والتمثيل في المستوى الأسلوبي، لإخراج معنى الآيات عن دلالتها الموهمة بالتشبيه أو الظلم أو الجبر، مما يتفق مع عقيدة أبي عبيدة (الخارجي) المتفق إلى حد ما مع عقيدة المعتزلة. وقد ساهم أبو عبيدة فعلاً في حمل الكثير من الآيات على معنى يتفق مع العقل في تنزيه الذات الإلهية، عن الأمر بالظلم أو الفساد أو عن التجسيد، متوسعاً في معنى المجاز بجعله أداة طيعة في يد المؤول للآية حسب اعتقاده.
وهذه المحاولات، هي التي مهدت لمرحلة ثانية قام المعتزلة خلالها بممارسة التأويل، وقام أحدهم بمحاولة جعل التأويل قانوناً يرجع إليه، وهو “القاسم بن إبراهيم الرستي، الزيدي المعتزلي، حيث يقيم التأويل على أساس منهجي ثم جاء القاضي عبد الجبار فجعل من المحاولة نظرية عامة لممارسة التأويل للخطاب القرآني، والذي ينتهي إلى أن الراسخين في العلم، يعرفون تأويل القرآن انطلاقاً من محكم آياته، وما ترتكز عليه محكماته من أسس عقلية.(8)
هذه الظاهرة دعت طائفة من العلماء من هذا الفريق أو ذاك الكتابة عما سموه (قانون التأويل). ويأتي الإمام أبو حامد الغزالي في مقدمة الأشاعرة، الذي وضعوا قانوناً للتأويل، وذلك في رسالة له بهذا العنوان (قانون التأويل)، وفي كتاب آخر هو (فيصل التفرقة). ويؤكد الرازي التصور نفسه، الذي قدمه الغزالي عن قانون التأويل في كتابه (نهاية العقول في دراية الأصول).
وقد اهتم علماء المغرب والأندلس، بما كان يزخر به المشرق من تيارات ومعتقدات ومذاهب كلامية في العصور التي نتحدث عنها. وهكذا نرى أن (قانون التأويل)، يمتد إلى علماء الأندلس، فيؤلف فيه ابن العربي المعافري، غير أنه لم يكن محصوراً بموضوع التأويل، وإنما كان تأليفه جامعاً لعلوم شتى، تتصل كلها بمناهج تفسير القرآن وفهمه، مع استطراد كثير من المعارف والحقائق الدينية.(9)
ويمثل ابن رشد موقف كل فلاسفة الإسلام من “قضية التأويل”، إن لم نقل إنه صاغ نظرية عامة للتأويل سماها (قانون التأويل). لقد وضع ابن رشد قواعد التأويل، كما حدد أولئك الذين يكشف لهم عن نتيجة هذا التأويل، أو بمعنى آخر الذين يكشف لهم عن الحقائق الباطنية المستترة وراء المعنى الظاهري للنص الديني. وقد تشدد ابن رشد في وجوب تطبيق قواعد التأويل.(10)
وظف ابن رشد وابن البناء والمكلاتي والشاطبي، المبادئ المنطقية وأصول الفقه. فإذا كان المنطق هو معيار العلم وقسطاسه، فإن علم الأصول هو معيار الفقه وميزان مسائله، وقد تضافر المعياران لصياغة مبادئ وقواعد تأويلية، تعصم من القول في الشريعة بما لا سند له من نقل أو عقل. واعتماداً على هذين المعيارين وضعوا قوانين تأويلية، تراعي مقتضيات الأحوال، وبتعبير معاصر مراعاة السياق والمساق.(11)
بلاغة وشعرية التأويل ــ الهرمينوطيقا ــ
لا شك أن الهرمينوطيقا، تمثل الآن واحداً من التيارات الأساسية السائدة في الفلسفة المعاصرة، ولا شك أيضاً أن هذا التيار أو الاتجاه الفلسفي، قد تشكل في صورته المعاصرة داخل الفلسفة الألمانية؛ بدءاً من شيلرماخر ودلتاي إلى غادمير. فحتى بول ريكور، يعد من أبرز أعلام هذا التيار في فرنسا، يبدو من حيث أصوله الفكرية أقرب إلى الفلسفة الألمانية منه إلى الفرنسية، وإلى محاولات الإيطالي امبرتو إيكو. ومع ذلك فقد قدر لهذا التيار أن يحتل مكاناً بارزاً في الفكر الفلسفي المعاصر، ربما بسبب مرونته واتساع أفقه، الذي أتاح له أن يتخطى حدود الفلسفة بمعناها الاصطلاحي، ليخترق ما يسميه الألمان بـ”علوم الروح” التي تشتمل العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهو المجال الواسع الذي شغل اهتمام دلتاي مثلما شغل غادامير. وربما أيضاً بسبب الزيارات المتكررة لكثير من أعلام هذا التيار من المعاصرين إلى الولايات المتحدة، مما أتاح ظهور ممثلين محدثين له من أمثال ريتشاردرورتي.
لقد تبين إذن الحقل المعرفي، الذي يشتغل عليه فن التأويل في فحص النصوص داخلياً وربطها بسياقها العام خارجياً، وأنه يطمح أي فن التأويل إلى درجة العالمية، بحكم أنه يتجاوز التصور الكلاسيكي لفهم النصوص ومستويات الحقيقة، التي تتضمنه إلى فهم الظواهر الاجتماعية والسلوكات والأحداث التاريخية والإبداعات الفنية والجمالية. هذا التحول الذي شهده فن التأويل ابتداء من “شليرماخر”، الذي اعتبر أن الفهم لا يرتبط بإدراك الحقيقة التي تنطوي عليها تصريح أو تأكيد، بقدر ما يبحث عن الشروط الخاصة الكامنة في التعبير، الذي بلوره هذا التأكيد أو التصريح، بمعنى أنه يميز بين فهم “محتوى الحقيقة” و”فهم المقاصد”.
وعليه يميز شلير ماخر بين منهجين في الممارسة التأويلية:(12)
1 ــ منهج قواعد اللغة، الذي يعالج النص أو أي تعبير كان انطلاقاً من لغته الخاصة (لغة إقليمية، تركيب نحوي، شكل أدبي)، وتحديد دلالة الكلمات انطلاقاً من الجمل التي تركبها ودلالة هذه الجمل، على ضوء الأثر في كليته: التأويل اللغوي إذن إيجاد المعنى الدقيق لخطاب معين انطلاقاً وبمساعدة اللغة.
2 ــ منهج التأويل النفسي، والذي يعتمد على بيوغرافيا المؤلف، حياته الفكرية والعامة والدوافع، والحوافز التي دفعته للتعبير والكتابة، فهو يموقع الأثر أي النص في سياق حياة المؤلف، وفي السياق التاريخي الذي ينتمي إليه.
يتجاوز “دلتاي” dilthey صرامة المنهج عند شليرماخر، ليركز جهوده على مفهوم التجربة، فهو يميز بين نوعين من التجربة:
1 ــ التجربة المعيشة، التي استعملها في وصف علوم الفكر أو العلوم الإنسانية.
2 ــ التجربة العلمية، التي تخص علوم الطبيعة وهذه التجربة تتمتع بطابع “العلمية”، الذي يجعل من التجربة المعيشة والتجربة الممارسة وجهين لنفس الحقيقة، وبطابع الجدلية والتاريخية.
يواجه دلتاي مشكلة فهم تجربة الآخر باقتراحه لمفهوم الفكر، أو الروح كسياق معياري وعام، يجمع الأفراد حول حياتهم الخاصة، ومن ثم تاريخ حياة الفرد لا يتماشى وفق محور أفقي، يدمج إطاره الاجتماعي والتاريخي.
يكون بذلك دلتاي، قد أنزل الفكر ــ في مفهومه الهيجلي ــ من السماء إلى الأرض، ليدل لا على المعرفة المطلقة والمتعالية على التاريخ، وإنما على معرفة تاريخية ومتجذرة في تجربة الحياة: فالفن والدين والفلسفة والعلوم والمنطق، ليست معارف أو أشكال معرفية مذابة في معرفة مطلقة ومغلقة، وإنما من تجارب حيوية واستعمالات تعبر عن الطابع الخلاق للحياة وتجليات الفكر التاريخي.(13)
حسب “هانس ــ غيورغ ــ غادامير” h. G. Gadamer لم يفلح “فن التأويل الرومانطيقي”، كما رسم معالمه شليرماخر ودلتاي في فحص بنية الفهم، ووظيفته التأويلية في ميدان العلوم الإنسانية والممارسات الاجتماعية والتاريخية، فهو يميز بين نوعين من الفهم:(14)
1 ــ الفهم الجوهري، وهو فهم محتوى الحقيقة التي تنكشف بقراءة النصوص.
2 ــ الفهم القصدي، وهو فهم مقاصد وأهداف المؤلف.
لتوضيح فكرة الفهم (الجوهري / القصدي)، يلجأ غاداميرإلى تجربة الفن، كتجربة تتجلى فيها حقيقة الآثار الفنية على ضوء المقاصد، والأطر الفردية والاجتماعية والتاريخية في تشكيلها كجملة من شروط معقدة ومتعددة الأبعاد. فالأثر الفني يدخل في سياق الاهتمامات الخاصة للأفراد ليحتويها بحذافيرها، مثله مثل استراتيجية اللعبة التي تستغرق المهتمين بها، وتنسج حولهم عالماً جديداً بمعزل عن انشغالاتهم اليومية في حياتهم الخاصة، بحيث تصبح اللعبة أو التجربة الفنية كحلم يجتث الأفراد من واقعهم وتجاربهم المعيشة، ويدخلهم في متاهات عالم استغرابي.(15)
لكن بنية الفهم التي يحللها غادامير بإسهاب، لا يمكن أن تغفل “ما قبل” الفهم الإطار النظري والعملي، الذي يتموقع فيه الإطار “الافتراض المسبق” بينما كان هذا الأخير عنصراً مبهماً، يعيق البداهة في عصر الأنوار، يرتد في الفكر التأويلي الغاداميري، عنصراً فعالاً في الفهم التأويلي، فقبل أي تأويل أو رصد للمعنى يحتمله النص أو الأثر، تتشكل هندسة قبلية تضع هذا النص أو الأثر في سياق خاص وضمن منظور معين، تعبر عن السيلان أو التدفق اللانهائي للمعاني، التي تتجه من الوعي إلى الموضوع (النص/ الأثر).
ويعتبر غادامير المنظر العربي بلا منازع لقضايا التأويل، ولتجارب الفهم والحوار واللغة الحية. قدم رسالته الجامعية حول التجربة الجمالية عند أفلاطون. وقراءته لأفلاطون النقدية لشليرماخر ودلتاي وعصر الأنوار، ولقاؤه الشخصي المعرفي بهيدجر، وحواره النقدي مع هابرماس ودريدا وفلاسفة التحليل، كلها عوامل سمحت له بأن يتميز عن غيره بتجربته التأويلية ممارسة وتنظيراً. ولعل المنعطف الهام والتاريخي والمعرفي، الذي سجله غادامير في تاريخ فن التأويل هو إصداره سنة 1960 لكتابه الشهير: “الحقيقة والمنهج: الخطوط الكبرى لفن التأويل الفلسفي “تناول فيه تفاعل المستويات الكبرى للتجربة التأويلية، والمتمثلة في اللغة وعلاقتها بفاعلية الحوار ضمن نسيج لغوي حي، والتاريخ كبعد أساسي من أبعاد “الوعي التاريخي” و”الجمال” كلحظة تأويلية وتجربة انطولوجية، تتجلى فيها فاعلية الفهم، وفهم القصد المباشر للمؤلف في علاقة حوارية.(16)
ويمكن القول مع ذلك، بأنه في المرحلة المبكرة من فكر غادامير الشاب ــ في عشرينات القرن العشرين ــ قد تشكلت التوجهات الأساسية لفلسفته الهرمينوطيقية، جنباً إلى جنب مع أدواته وخلفيته الفكرية ممثلة في ممثلة في دراسته لفقه اللغة ومعرفته الوثيقة بالثقافة والتراث اليوناني، مما ينطوي عليه من فلسفة وفن أساطير، على نحو ما نلحظ ذلك دائماً في محاولاته الدءوبة لرد المفاهيم والمصطلحات في الثقافة الغربية إلى أصولها اليونانية أو ينابيعها البكر. وهو اتجاه في التفكير نجد له إرهاصات قوية عند هيدجر أيضاً.
ولا شك أن هناك مصادر أخرى عديدة، قد أثرت في فكر غادامير وفي أسلوب التفلسف لديه، فلقد استوعب القضايا التي أثارها هيجل حول الحقيقة والدور التاريخي للفن، وإن كان قد تجاوز تماماً أطروحات هيجل.
ويعد التيار الظاهراتي لدى هوسرل وأتباعه من أهم المصادر، التي أثرت بعمق في فلسفة غادامير. حتى إنه كانت له صلات فكرية مثمرة ببعض منهم من مثل: نيكولا هارتمان. ولكن ما من شك في أن هيدجر كان له التأثير الأعظم على فلسفة غادامير، بحيث أنه يمكن القول بأن فلسفته قد اتسمت بطابع فينومولوجي على طريقة هيدجر، كما تشكل عقله بعمق من خلال محاضرات هيدجر في ماربورج في أوائل العشرينات، وظل منذ ذلك الحين مولعاً بهيدجر.(17)
هناك فكرة أساسية تكشف عنها الهيرمينوطيقا لدى غادامير، وهي أننا من خلال التفسير يتكشف لنا لا نهائية الفهم الإنساني، وأنه ليس هناك ذلك الفهم، الذي يبلغ حد اليقين أو الاكتمال، فالفهم يبقى دائماً فهماً مفتوحاً أو تحسين متواصل لمعرفتنا بالعالم. ولا شك في أن كتابه المعنون بهذه التورية البليغة “مهرجانات التفسير” يسير في سياق لا نهائية الفهم والتفسيرات المفتوحة على مختلف أوجه النظر؛ ففي مقالات الكتاب: تجلي الجميل ــ الطابع الاحتفالي للمسرح ــ الخبرة الجمالية والخبرة الدينية ــ نجد غادامير في هذه المقالات وغيرها، يستخدم مفهوم المهرجان أو الاحتفال، ليشير إلى خبرة الجماعة المفتوحة على أصعدة شتى من الفهم.(18)
تكشف أعمال الفيلسوف “بول ريكور” عن تأثره بالوجودية والفونولوجيا والبنائية، وإن كان اسمه ارتبط ارتباطاً بالاتجاه التأويلي أو الهرمينوطيقي. وقد اهتم اهتماماً كبيراً بدراسة وتقديم فكر الكثيرين من الفلاسفة السابقين عليه، لدرجة أنه كثيراً ما كان يخصص في أثناء تدريسه بالجامعة سنة كاملة، لتقديم فكر فيلسوف واحد فقط من الفلاسفة الذين تأثر بهم من أمثال: هيدجر، وهوسرل، وياسبرس. ومع ذلك فإن كتاباته تتميز بالأصالة والتجديد، الناجمين عن موقفه النقدي من أعمال الآخرين، كما تغطي هذه الكتابات مجالات متنوعة تتراوح بين الدراسات الفلسفية والاجتماعية والدينية والثقافية العامة، بل إن بعض المقالات التي كتبها في أثناء رئاسته لجامعة نانتير، تعرضت لمفارقات القوى السياسية والعلاقة بين الدولة والمواطن، وبين الحياة والفن واكتشاف مناطق الالتقاء بين الدين والفلسفة.
كان مولد بول ريكور في “فالانس” بغرب فرنسا في 27 من فبراير من عام 1913. ومع أنه تجاوز الثامنة والثمانين، فإنه لا يزال نشيطاً ومنتجاً بنفس القوة والقدرة والدقة تقريباً. وقد اشتغل بعد تخرجه في جامعة باريس عام 1937 بالتدريس في المدارس الثانوية. حتى شارك في الحرب العالمية الثانية، ووقع أسيراً في أيدي القوات الألمانية، وظل في المعتقل من عام 1940 حتى نهاية الحرب، وما بعدها عمل في المركز القومي للبحث العلمي بباريس حتى عام 1948، ثم انتقل ليعمل أستاذاً بجامعة ستراسبورغ، ثم شغل بعد ذلك بناء على طلبه منصب العميد لجامعة باريس العاشرة، المعرفة باسم نانتير التي أدت دوراً كبيراً في أحداث الطلاب 1969. وقد دفعته تلك الأحداث إلى الاستقالة من منصبه، لكي يعود بعدها إلى نفس الجامعة كأستاذ متفرغ، وفي الوقت ذاته تم تعيينه أستاذاً غير متفرغ بجامعة شيكاغو.
وقد تأثر منذ أيام دراسته بتفكير جابرييل مارسيل، الذي كان يقود تيار الوجودية المسيحية، كمقابل لوجودية جان بول سارتر، كما تأثر بتفكير ياسبرز، وبالفينومولوجيا الألمانية “هوسرل وهايدجر”.
إن المشروع الفلسفي لريكور، يوجد في خط الفلسفات التأملية، كما أنه يتموضع في امتداد حركة الفينومنولوجيا الهوسرلية، وهو يريد أن يكون تعبيراً تأويلياً لهذه الفينومولوجيا، يتجاوز إخفاقاتها في الطموح إلى شفافية كاملة للذات مع نفسها.
كما أن هذا المشروع يوجد أيضاً على خط أنطولوجيا الفهم الهايدجرية، غير أنه خلافاً لهايدجر، لابد أن يسلك لذلك طريقاً مباشرة، وإنما يسعى إلى بلورة مثل هذه الأنطولوجيا عبر الحوار مع الحصيلة المنهجية والنظرية، التي يتوافر عليها الفكر الفلسفي، أي عبر ابستمولوجيا للتأويل. وأخيراً فإن هذا المشروع، يسعى إلى إقامة انثروبولوجيا فلسفية، تمسك بالإنسان في كليته، أي من جهة ما هو عارف وفاعل ومنفعل.
وهكذا فإننا إزاء لافتات مختلفة، يمكن أن تكون عنواناً لمشروع واحد، هو تشييد التأويل داخل الفينومولوجيا، أو بلورة انطولوجيا للفهم من خلال ابستيمولوجيا للتأويل.(19)
هكذا يظهر تأثير جابرييل مارسيل في اهتمامات ريكور بالكتابة عن المشكلات الدينية واللاهوتية، كما ظهر تأثره بالفينومولوجيا ومشكلات التفسيرات في اتجاهه الهرمينوطيقي، وكما يقول أحد المهتمين بدراسة فكر ريكور، إنه كان خلال كل حياته الفكرية يهتم بمشكلة الذات الإنسانية الفاعلة، أو الشخص الإنسان الفاعل أو الدافع الأساسي وراء أعماله الفلسفية، كان هو الاقتناع الوجودي بأن الوجود الإنساني له معنى، وأنه بصرف النظر عن وجود الشر والألم والاستعباد (أو عدم الحرية)، فالمعنى والوجود هما الطرفان اللذان يلخصان مشروعه الفلسفي، مما يعني أن فكرة الفلسفي فكر وجودي إلى حد كبير لأن موضوعه هو الوجود الإنساني، كما أنه فكر فينومولوجي تأويلي بفضل المنهج الذي يتبعه في حل وفك وتفسير طلاسم “العلامات”، التي تستخدم في التعبير عن نظرتنا وتصورنا بل رغبتنا في وجود تلك العلامات.
إذا كانت التأويلية في نظر ريكور، تقوم مع اختراق السياج اللغوي للنص، فإن القطيعة الأكثر حسماً مع التأويلية الرومانسية، يجب أن تقوم في لحظة الاختراق هذه، بمعنى أن علينا أن نقطع مع البحث عن المقاصد والنيات المختلفة خلف النص، وأن نتجه نحو الأشياء التي يقولها، ونحو العالم الذي يفتح عليه، وبتعبير آخر، فإن النص ينفتح على عالم أو عوالم متجددة للحياة، ولا يحيل إلى مقاصد خفية.
غير أن هذا لا يعني تعليق ذاتية كاتب النص أو مؤلفه فحسب، بل إننا إزاء النص نقوم بتعليق ذاتيتنا أيضاً، أي ذاتية القارئ، وذلك باندماجنا في العالم الذي يفتحه لنا النص وبتملكنا لأشياء، وأخيراً بتحقيق ذواتنا من خلال فعل القراءة والتأويل ذاته، وبتعبير آخر، فإن الاندماج في عالم النص يزحزح الذات من موقعها الوهمي، الذي يقوم على ادعاء تملكه ــ أي النص ــ بالانفصال التام عنه، أي من موقع الغرابة الأصلية عليه ــ غير أن هذا يجب أن لا يؤدي بنا إلى استبعاد مفهوم المسافة. بل إن علينا إقامة علاقة تكامل جدلية بين اتخاذ المسافة وبين تحقق الذات عبر فعل القراءة.(20)
وتمثل مشكلة الإرادة موضوعاً محورياً في الفكر الوجودي والأنطولوجي على السواء. ولذا كان ريكور يوليها أهمية كبرى منذ أوائل إنتاجه، بحيث كان يعتزم تكريس عمل ضخم لدراسة المشكلة ونتج عن ذلك كتابه “فلسفة الإرادة”، ووجه اهتمامه إلى تعرف الوجدان وبرز ذلك في كتابه “الإنسان المعرض للخطأ”، وهو دراسة في الانثروبولوجية الفلسفية، ومن بعده كتابه عن رمزية الشر، الذي يعتبره البعض البداية الحقيقية لاهتمامه بالهرمونيطيقا، أو بالأحرى البداية الحقيقية لمسيرته في ذلك الطريق، التي بلغت ذروتها في كتابه “التفسير: دراسة عن فرويد”، وقد ظهر عام 1965 وتمت ترجمته إلى الإنجليزية عام 1970 تحت عنوان “فرويد والفلسفة”. ويعتبر ريكور هذه الهرمينوطيقا نوعاً من التأويل الإركيلوجي”، لأنها تنقب عن الماضي للكشف عن المعاني التحتية البدائية والمختفية وراء الأغراض المدركة شعورياً، والدفينة تحت المظاهر السطحية وذلك على العكس تماماً من هرمينوطيقا الإيمان، التي تتجه نحو المظاهر ذاتها لمعرفة قدرتها على الكشف وليس على الإخفاء، فهي تهدف إلى الكشف عن ما يعنيه صاحب النص في الحقيقة حتى وإن يفصح عنه بوضوح.
إن اتخاذ المسافة من الموضوع يجب أن يصبح شرطاً للتأويل، ومكوناً رئيسياً للوجود من أجل النص، أي للإصغاء لما يقوله النص. واتخاذ المسافة هذا ليس مجرد إجراء خارجي، تقوم به الذات القارئة، كما أن المسافة ليست مجرد ابتعاد زمني ثقافي عن النص، بل إنها تقوم داخل النص نفسه، وذلك بين لغة زمان ومكان محددين، أي بين لغة تاريخية وعارضة وبين معنى، يفتحنا على عوالم دائمة التجدد وقابل للاستعادة التأويلية ضمن شروط مغايرة. وهكذا فإن المسافة ولدت مع اللغة ذاتها، كما أن معاصر نص ما يخدع نفسه، حين يتوهم أنه في موقع محظوظ من هذا النص، بالنسبة لمؤولي العصور اللاحقة.
وبهذا المعنى، فإن اتخاذ المسافة متضمن، أو أنه داخل في تكوين عملية تثبيت المعاني عن طريق الكتابة، وفي كل الظواهر المشابهة المتعلقة ببث الخطاب، فالكتابة إذا ليست مجرد تثبيت مادي للخطاب، ولكنها شرط لظاهرة أساسية أعمق، هي استقلالية النص وهو استقلال ذو أوجه ثلاثة:(21)
1 ــ فهو استقلال تجاه قصد الكاتب.
2 ــ وهو استقلال تجاه الوضع الثقافي، وتجاه كل الاشراطات الاجتماعية.
3 ــ وهو أخيراً استقلال تجاه المرسل إليه أو تجاه المتلقي الأول.
فابتداء، ما يقوله النص وما يعنيه لا يوافق ما يريد كاتبه قوله، وهذا لا يعني أن الأشياء التي يقولها النص، تفلت من الخضوع لعالم مقاصد الكاتب ونياته كما سبق. بل إن عالم النص يفجر عالم كاتبه. وما يصح بالنسبة للمحددات السيكولوجية للمؤلف، يصح أيضاً بالنسبة للشروط الاجتماعية ذلك لأن خاصية أي عمل ــ فني أو أدبي أو غيره ــ هي أن يجاوز إشراطات وسياقات إنتاجه، لكي يندرج ضمن سياقات أخرى.(22)
اتجه “امبرتو إيكو” في السنوات الأخيرة، نحو إعادة صياغة مجموعة من الإشكالات الخاصة بقضايا تأويل النص الأدبي. وقد قدم في هذا الشأن مجموعة من الدراسات المتميزة، كان آخرها كتابه “التأويل والتأويل المضاعف” ــ 1986، دعامته في ذلك وزاده المعرفة الجديدة، التي جاءت بها السيميائيات وأشاعتها من خلال نماذجها الراقية والذين صحبوا هذا الباحث في رحلته الفكرية الخصبة، يدركون جيداً أن هذه الصياغة تعود في أصولها الأولى والأساسية إلى التراث الذي خلفه السيميائي الأمريكي “تشارل. سندريس بورس”، وخاصة فيما يتعلق منه بسيرورة إنتاج الدلالة واشتغال العلامات. فـ “المتناهي”، و”اللامتناهي”، و”النمو اللولبي للعلامة”، و”حركية الفعل التدليلي” و”السيميوزيس”، كلها مفاهيم تقودنا إلى وضع أسئلة، تخص حجم التأويل وكثافته وأبعاده وأشكاله.
وفي كتاباته يعيد أمبرتو إيكو صياغة قضايا التأويل، مركزاً على معطيات تطبيقية عرفت بانتمائها إلى ما يطلق عليه بالتفكيكية أو التأويل المضاعف، وأخرى تدرج نفسها ضمن ما يطلق عليه إيكو بالسيميوزيس التأويلية وحول هذين المحورين تدور جل كتاباته وإليهما تستند مقترحاته الجديدة.(23)
ينطلق إيكو، في معالجته لقضايا التأويل، من تصور بالغ الأصالة والعمق، تصور يرى في التأويل وأشكاله صياغات جديدة لقضايا فلسفية ومعرفية موغلة في القدم. فمجمل التصورات التأويلية التي عرفها قرننا هذا، لا تفسر إلا بموقعها من “الحقيقة” كما تصورها الإنسان وعاشها، وصاغ حدودها أحياناً على شكل قواعد منطقية صارمة، وأحياناً أخرى على شكل إشراقات صوفية واستبطانية، لا ترى في المرئي والظاهر سوى نسخ لأصل لا يدركه الحس العادي ولا تراه الأبصار. فالتأويل لا يتعلق بما يقال في النص أو حوله، بل يجب البحث عن تفسير عما هو أعمق ويتعلق الأمر بالعودة إلى وقائع لها علاقة بموقف الإنسان من العالم والله والحقيقة المعرفة، وبناء الحضارات وتأسيس المدن وتعيين العواصم وتخوم الإمبراطورات وتعدد اللغات والثقافات.
ومن أجل ذلك يقودنا إيكو في رحلة فكرية داخل دهاليز التاريخ والأساطير والفلسفة والمنطق والحركات الصوفية والباطنية، بحثاً عن جذور خفية لكل أشكال التأويل، التي مورست وتمارس حالياً على النصوص، ليقف عند حالتين يرى فيهما أرقى شكلين عرفهما التأويل من حيث المردودية والعمق والتداول:(24)
حالة أولى، يكون فيها التأويل محكوماً بمرجعياته وحدوده وقوانينه وضوابطه الذاتية.
حالة ثانية، يدخل فيها التأويل متاهات لا تحكمها أية غاية، فالنص نسيج من المرجعيات المتداخلة دعا إيكو إلى “التأويل والتأويل المضاعف”، على اعتبار أن التأويل في ذاته ليس في حاجة إلى من يدافع عنه، فهو معنا في كل لحظة، إلا أنه لا يثير اهتمامنا إلى حين يبلغ حدوده القصوى، شأنه في ذلك شأن كل الأنشطة الثقافية الأخرى، فلا جدوى من التأويل المعتدل ــ ذاك الذي يعبر عن نوع من الإجماع ــ إن على المترجمين والنقاد في هذه الحالة أن يمارسوا ضغطاً تأويلياً لا هوادة فيه، وأن يطلقوا العنان لأفكارهم تجوب كل الآفاق. تلك بعض التصورات الرئيسية التي مارسها امبرتو إيكو في مجال “فن التأويل” المعاصر.
إشكالية التأويل في الخطاب العربي المعاصر
إن أول عمل دشن لحظة استقبال المفهوم الغربي “الهرمونيطقا” في الخطاب العربي المعاصر، يتمثل في دراسة، كان قد أنجزها نصر حامد أبو زيد بعنوان “الهرمونيوطيقا ومعضلة تفسير النص”، وقد نشرت هذه الدراسة أول مرة سنة 1981 في مجلة فصول المصرية. شكلت الدراسة زمن ظهورها حدثاً تأسيساً في الخطاب النقدي العربي، وفي التعريف بنظرية غربية وتقديم أبرز أصولها، ومبادئها إلى النقاد العرب.
لقد اختار أبو زيد لمقالته عنواناً دالاً، جمع فيه بين أصل التسمية المعربة للمصطلح الغربي، وهي “الهرمنيوطيقا”، وفرع “تفسير النص”. إن ثقافته الفلسفية من ناحية وتكوينه اللغوي الأنجلو سكسوني من ناحية أخرى، هما اللذان حددا له أسلوباً مخصوصاً في التعامل مع المفاهيم الغربية.
انطلق الباحث في دراسته من محاولة ضبط موضوع الهرمينوطيقا، وتحديد نوعية القضايا التي تهتم بها، فأقر بأن “القضية الأساسية التي تتناولها الهرمينوطيقا بالدرس، هي معضلة تفسير النص بشكل عام، سواء كان هذا النص نصاً تاريخياً أم نصاً دينياًً.(25)
ثم تدرج نحو تحديد مصطلح الهرمينوطيقا، عبر التمييز بينه وبين مصطلح آخر قريب منه، هو مصطلح “التفسير”. والهرمينوطيقا بهذا المعنى، تختلف عن التفسير، الذي يشير إليه هذا الأخير، على اعتبار أنه يشير إلى التفسير نفسه في تفاصيله التطبيقية، بينما يشير المصطلح الأول إلى “نظرية التفسير”. فالفرق بين المصطلحين هو فرق بين ما هو إجرائي /تطبيقي، والذي يختص به التفسير، وما هو نظري مجرد تختص به الهرمينوطيقا.
إن التمييز بين المصطلحين، يتجاوز الفصل بين التطبيقي والنظري، لأنهما يتداخلان بشكل من الأشكال في كليهما، وإنما يتعلق الأمر بطبيعة النصوص، التي يشتغل عليها كل مصطلح. وتبعاً لذلك يتطابق مفهوم التفسير، مع مفهوم التأويل. غير أن الهرمينوطيقا لم تبق مقيدة بطبيعة تلك النصوص الدينية المقدسة خاصة، شأن التفسير، وإنما وسعت مجالها، لتشمل جميع النصوص الأخرى، والتي تتميز بطابع رمزي أساساً، “وقد اتسع مفهوم المصطلح الهرمينوطيقا في تطبيقاته الحديثة، وانتقل من مجال علم اللاهوت إلى دوائر أكثر أساساً، تشمل كافة العلوم الإنسانية”.(26)
لقد كانت وجهة الباحث في مقاربة مسألة الهرمينوطيقا مركزة أساساً على النص الفني عامة والأدبي خاصة، وكيف أنها تمثل نظرية جديدة من شأنها، أن تفتح سبلاً ومناهج أكثر نجاعة في تفسير النص الأدبي. فالهرمينوطيقا من هذا المنطلق، هي البديل النظري والمنهجي في تجاوز معضلة تفسير النص. لذلك شرع في تقديم مبادئها وأصولها، كما تشكلت مع شلايماخر وديلتاي، ثم هايدجر وجادامار، وصولاً إلى بيتي وهيرش وريكور.
وكما انطلق أبو زيد من اعتبار الهرمينوطيقا نظرية التفسير، انتهى أيضاً بعد عرض وتحليل بعض مراحل تطورها، وتلك التحولات الفلسفية، التي شهدتها عبر مسارها التاريخي في الفترة الحديثة والمعاصرة إلى أنها “علم تفسير النصوص، أو نظرية التفسير”.(27)
وبالمقابل نلحظ أن الباحث، يشير في مقدمة الكتاب، إلى أن الدراسة تتناول بالتحليل والشرح نظرية تأويل النصوص الهرمينوطيقا، وتاريخها في الفكر الغربي الحديث، بدءاً من القرن السابع عشر، حيث انفصلت عن مجال فهم النصوص الدينية لتصبح علماً مستقلاً بذاته، يناقش عملية الفهم وآليات التأويل والشرح.
ونجد أن الناقد ــ أبو زيد ــ يعيد في بحثه “فلسفة التأويل” إثارة قضية الفصل بين التفسير والتأويل في خطاب الثقافة العربية الإسلامية، ويرى أنها من الأفكار الشائعة، التي يجب إعادة طرحها، ويدعو بالمقابل إلى التوحيد بين المصطلحين، باعتباره أصل العلاقة بينهما. “من هذه الأفكار الشائعة المستقرة التي يمكن أن نعيد طرحها فكرة التفرقة بين التفسير والتأويل، وهي تفرقة تعلي من شأن التفسير وتغض عن قيمة التأويل على أساس من موضوعية الأول وذاتية الثاني. ولعل في ذلك كله ما يسمح لنا، أن نتجاوز التفرقة الاصطلاحية المتأخرة بين التفسير والتأويل، ونعود إلى الأصل وهو التوحيد بينهما”.(28)
لقد ذكر الناقد، أن استغراقه في البحث في موضوع وقضاياه، أدى به إلى تعديل الكثير من الأفكار والمفاهيم، وخاصة المفهوم الرئيسي، الذي تقوم عليه الدراسة، وهو مفهوم التأويل. ذلك أن مراجعة المفهوم في ضوء تأصل المعرفة النظرية، ونضج أدواتها وتوسيع آفاقها، هو الذي يقود إلى توظيف أكثر خصوبة للمصطلح، وأوفر إنتاجاً نظرياً وإجرائياً.
ويظهر أبو زيد موافقة من جملة أعلام التأويل في الغرب، فهو يقول عن دلتاي، بدأ مما انتهى إليه شلايرماخر، من البحث عن تفسير وفهم صحيحين في مجال العلوم الإنسانية، في حين رأينا كيف أن دلتاي يميز بين التفسير، الذي هو منهج علوم الطبيعة والفهم والتأويل، الذي هو منهج علم التاريخ وعلوم الفكر. كما أن مناقشة أبو زيد لجادمير بدت مناقشة إيديولوجية، تراوحت بين الضمور والسفور أو الخفاء والتجلي، ولم تكن مناقشة تحتكم إلى السياق الداخلي لبنية الخطاب الفلسفي والهرمينوطيقي لجادمير. فهي مجادلة من خارج النسق المعرفي، فكانت تبعاً لذلك منافحة إيديولوجية، وليست سجالاً فلسفياً إبستومولوجيا، حول قضايا التأويل الخلافية.
يعد الأستاذ الدكتور سعيد علوش من المغرب الأقصى؛ من المهتمين بقضايا الحداثة وما بعد الحداثة في الأدب والنقد والترجمة، وفي الدراسات المقارنة وانفتاحها على فضاءات جديدة من الدرس المقارن، وتدل مؤلفاته على تنوع اهتمامه وثراء تجربته؛ فهو فضلاً عن صفته باحثاً أكاديمياً، مختصاً في مجال الأدب الحديث والمقارن، جمع أيضاً بين الإبداع والنقد في مجال الرواية تحديداً، ويبدو أن كتابه “هرمنوتيك النثر الأدبي”، بطابعه التنظيري، يمثل مقدمة لمشروع نقدي في هذا المجال.
يرصد علوش في كتابه هذا مظاهر التنوع في الصورة الاصطلاحية، التي ظهر فيها المفهوم الغربي للهرمونتيك/ التأويل. وهذا التنوع في اقتراح المقابلات العربية ناتج بالضرورة، عن تنوع في الأطر المعرفية، والمرجعيات النظرية والفكرية، التي يصدر عنها أصحابها، بل إن المصطلح المقترح، ولا سيما في صيغته الدخيلة، ينطق ويفصح بالمرجعية الأجنبية، التي تأثر بها الناقد علوش، فمن مرجعية أنجلوساكسونية مع “نصر حامد أبو زيد” بالمشرق العربي، إلى مرجعية فرانكوفونية مع سعيد علوش بالمغرب العربي.
لقد اختار علوش أسلوب الدخيل في صياغة مقابل عربي للمصطلح الغربي “هرمونيتيك”، وكتب هذا المصطلح بالعربية وبالصورة الصوتية، التي ينطق بها في اللغة الفرنسية “هرمنوتيك”، وهو أسلوب يعتمده الباحث بكثرة في نقل مصطلحاته الغربية. وقد استعمل هذا المصطلح بصيغتين، فراوح بين “هرمنوتيك”، و”هرمنوتيكي” في متن الدراسة. وقرن هذا المصطلح بعبارة “النثر الأدبي”، على سبيل الإضافة الدالة على التخصيص، فغدا عنوان الكتاب “هرمنوتيك النثر الأدبي”، موحيا منذ البدء بنزعة صاحبه إلى محاولة تأسيس نمط خاص من الهرمونوتيك، يتعلق أساساً بمجال النثر الأدبي. ومن هنا كان في الحقيقة مصدر الإغراء في العنوان.
انبنى الكتاب على تقديم أسند له الباحث عنوان “في المكونات الهرمنوتيكية للنثر الأدبي”، وعلى تسعة فصول: في الكلمات والأشياء ــ في الحقيقي والمنهجي ــ في الظاهراتي والإبستيمولوجي ــ في الدائرة الهرمنوتيكية ــ
في ثنائية السخرية ــ في جدلية اللعب والرمز ــ
في الألفة والغرابة ــ في التأويل والتفسير ــ
في المستنسخات الهرمنوتيكية.
أراد الناقد علوش أن يكون تقديمه لهذا الكتاب “تقديماً على غير التقديم”، إثارة وتشويقاً وخروجاً عن المألوف والعادة. فقد سلك في كتابة هذا التقديم مسلكاً “إبداعياً”، فبدأ صوت الناقد / المؤسس فيه خافتاً أمام صوت المبدع، المغامر بفعل الكتابة وفيها والانفعال بها، وإن كنا لا نشك في أن الباحث له حس إبداعي وروائي لا مراء فيه. حيث تتحول لغة الكتابة من دورانها على ذاتها إلى لغة نقدية مفهومية، تحاول تحديد موضوعها وضبط أطره ومجالاته، يقول في هذا السياق” ويبحث الهرمنوتيكي في التأويل، الذي يطبع مشاكل ومناهج الدرس الأدبي، في علاقته الوثيقة بنقد النصوص، وقراءتها وفهمها في مرحلة أولى، وتجاوز مجرد نقد النصوص وتأويلها إلى تكوين نظرية عامة للإنتاج”.(29)
وإذا رجعنا إلى كتاب “معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة” للمؤلف نفسه، نجد مصطلح الهرمنوتيكية”، أي بالإضافة تلك اللاحقة ياء النسبة مع تاء التأنيث، في حين أنه استعمل “هرمنوتيك” في مسرد المصطلحات الذي وضعه في خاتمة كتابه. يعرف الباحث الهرمنوتيك تعريفاً، امتد على خمس ملاحظات أو دلالات، نقتصر على اثنين متصلتين بالهرمنوتيكية قديماً وحديثاً:
ــ طريقة تأويل وتخريج، تدرس المبادئ المنهجية، في التعامل مع النصوص وتفكيك رموزها، وكشف أغوارها في التقليد القديم.
ــ والهرمنوتيكية حديثاً، نظرية تأويل رموز، لغة أدبية، بوصفها كلا لعناصر ثقافية ما(30).
فما يلفت الانتباه مما تقدم من حد وتعريف الهرمنوتيك، أو الهرمنوتيكية، هو تأكيد علوش على أن يجعل الهرمنوتيك، باعتبارها نظرية تأويل، يتعلق موضوعها بالرموز مطلقاً، وباللغة الأدبية تخصيصاً، بوصفها هي الأخرى لغة فنية رامزة. ونلحظ في هذا التخصيص الأول، أنه يجعل النص الأدبي/ أو اللغة الأدبية، هي الموضوع المباشر للهرمنوتيك، وتخصيصاً ثانياً يتحول فيه النص الأدبي إلى النص النثري تحديداً.
ومن هنا يأتي عنوان الكتاب “هرمنوتيك النثر الأدبي”. فالباحث وجد في قول بول ريكور سنداً نظرياً، يشرع بمقتضاه ما ذهب إليه من محاولة، لتأسيس هرمنوتيك خاصة، بل أخص إن شئنا الدقة أكثر.
لقد حرص الناقد سعيد علوش، وهو يؤسس لهرمنوتيك النثر الأدبي، على ضبط بعض الأصول الغربية، على أن يضيف نعت النثري أو النثرية، على أغلب عناوين فصول الكتاب، والتي كانت تختزل بعض قضايا التأويل، ومبادئه حسب خصوصية كل نظرية، أو بالأصح حسب ما يومئ بتلك الخصوصية، فغدت أغلب فصول الكتاب معنونة في متن الدراسة. بل إن أغلب المنظرين، الذين ذكرهم الباحث وحشدهم حشداً، من شلايرماخر، ودلتاي، وهوسرل، وهايدجر، وغادامير، وريكور وغيرهم، والذين حضروا من خلال مقولاتهم عن تأويل النص مطلقاً، أو الفن أو الرمز، أو من خلال جهازهم المفهومي والاصطلاحي، الخاص كالكاتب والتجربة والتاريخ.
وفي محاولة ضبط مفهوم الهرمونتيك وموضوعه، باعتبار أن ذلك يعد وجهاً من وجوه التأسيس النظري، عمد الباحث في ذلك إلى ترجمة بعض الفقرات، لبعض المنظرين الغربيين. وما ذهب إليه من تمييز بين التفسير والتأويل، وتأكيد على التكامل بينهما في التعامل مع النص النثري أو التجربة النثرية، ليصير التفسير تفسيراً نثرياً، يهتم ببيان “الأثر الذي يخلفه مقصد التعبير، وموجهاً للقارئ إلى بعض التأويلات”.(31)
إن الباحث يعد من الذين اهتموا بمسألة المصطلحات الأدبية والنقدية، ووضع في شأنها معجماً خاصاً، بل إنه كشف في مقدمة المعجم عن وعي بأزمة المصطلح في خطابنا النقدي العربي ومدى تضارب النقاد واختلافهم في استعمال المصطلحات. فهناك إذن وعي نظري وإجرائي بأهمية المصطلح، في تأسيس الخطاب وما يعتري تناقله وتداوله أحياناً، من اضطراب وتضارب يبعدان بالمصطلح عن دلالته أو ولادته الأصلية.
إن الناقد علوش تتميز كتابته النقدية بكثرة استعمال الدخيل والمعرب. فهناك احتفاء بالأجنبي الدخيل بصورة لافتة إلى درجة أننا نجده سواء مع هذه المصطلحات الجديدة، التي لا يزال بريق الحداثة النقدية، يتوهج فيها أو مع تلك المفاهيم التي بات وجود مقابلها العربي أمراً مستقراً في الخطاب النقدي العربي.
ومن بين هذه المصطلحات الدخيلة التي استخدمها سعيد علوش في دراسته، فضلاً عن مصطلحي الهرمونتيك والهمينوتيكي، نذكر: الميثولوجي، والميثة والميثي والميث. نوطات موسيقية، مقتطفات كاليغرافية. تيم اللغب، تيمات، تيميات.(32)
يعد الباحث مصطفى ناصف من أعلام النقد العربي المعاصر، وقد أسهم بإنتاجه الوافر في إثراء الخطاب النقدي العربي، وتطويره بمساءلة قضاياه ومطارحتها. فقد اهتم الباحث بمجالي الأدب والنقد، وجمع بين معالجة المشكلات النقدية النظرية، من جهة، والأعمال التطبيقية من جهة أخرى من خلال اشتغاله على نصوص أدبية متنوعة شعراً ونثراً.
ويكشف هذا الإنتاج النقدي لمصطفى ناصف، أنه صاحب مشروع نقدي تحديثي، يتأسس على محاولة إعادة قراءة النص التراثي، برؤية معاصرة، تستأنس المناهج الغربية وأدواتها النقدية.
في هذا الإطار الفكري والنقدي، يأتي كتابه “نظرية التأويل”، اهتم فيه بقضية التأويل في الثقافة الغربية المعاصرة، وفي التراث العربي. أثارت الدراسة العديد من القضايا، وناقش بعض المناهج والنظريات النقدية، داعياً إلى تبني المنهج التأويلي في قراءة تراثنا. يستعمل الباحث تارة مصطلح التأويل، وتارة أخرى نظرية التأويل. وتوقف عند أصل الكلمة في التراث الإغريقي والقديم على وجه العموم، وفي الفينومولوجيا الألمانية والفلسفة الوجودية.(33)
لقد حاول الباحث أن يرصد التطور الدلالي لمصطلح التأويل/ نظرية التأويل في الثقافة الغربية، مما كشف عن وعي بتنوع طرائق التأويل، واختلاف منظوراتها عبر تطورها التاريخي؛ ديني، فيولوجي، لغوي، علمي، منهجي، فينومولوجي. ثم طفق يرصد ظاهرة التأويل في بعض نصوص الثقافة العربية الإسلامية، كما تجلت في تأويل القرآن، وتأويل الشعر وشرحه، وتأويل النحو وأصول الفقه. ثم أشار إلى ثراء التجربة التأويلية لدى المتصوفين، فقد وجد الباحث في إضافاتهم ومواقفهم واشجة قريبة بينهم وبين الفينومولوجيا، فهناك تقارب وتشابه في المواقف والمبادئ، بل تماثل في المفاهيم أيضاً.(34)
إن نبرة الحماس التي وسمت أسلوب الكتابة النقدية في بعض المواطن في الدراسة، دلت على حضور ذات الكتابة عند ناصف، وهي تخترق خطابه النقدي الواصف، فتداخل تبعاً لذلك الإبستيمولوجي بالإيديولوجي، والعلمي بالقيمي الأخلاقي، وقد تجلى هذا الأمر مثلاً في دفاعه عن تقاليد التفسير الديني وتقريظ مبادئه وفوائده إلى درجة امتزج فيها الخطاب بنزعة وعظية إرشادية، بل إن التأويل وفق هذه النسق من التحليل، يصير مراده ببعض القيم الأخلاقية، والدينية كقوله مثلاً التأويل في ثقافتنا يذكر بالخشوع، أو قوله أيضاً التأويل استقامة النفس، التأويل يصدر عن التقوى من لا تقوى له فلا حق له في التأويل.(35)
تبرز قيمة الكتاب المعرفية والنظرية، بما كشفه صاحبه فيه من وعي حصيف دقيق، وإلمام واسع جامع بقضايا التأويل في الثقافة الغربية وفي الثقافة العربية على السواء. وقد قدم الباحث أمثلة ترتقي نحو صوغ المصطلح التأليفي، أولها تقبل ثم تفجير فتجريد، وقد قدم الباحث أمثلة متعددة ودالة من قديم اللغة وحديثها، تبرهن بوضوح وإقناع على صلاحية هذا القانون، قانون التجريد الاصطلاحي، وانطباقه على جميع اللغات الإنسانية، ومختلف حقباتها التاريخيه، مما يسرع اندراجه وبلا تردد ضمن منظومة الكليات.(36)
ويتناول من المغرب عبد العزيز بومسهولي “أدونيس” بقراءة تأويلية في كتابه الموسوم بعنوان: الشعر والتأويل، قراءة في شعر أدونيس، حيث يشير إلى أن أدونيس يبلغ ذروة تفجير الرؤيا الاستبطانيى، بخلقه لكون شعري متميز سمته التشاكل، حيث تتداخل في تجربته الفريدة، تشكيلات خطابية متعددة، بعضها يمكث في التراث الصوفي الإنساني القديم، تراث النفري على وجه الخصوص، وبعضها الآخر يطفح من رؤية معاصرة، ومن خلال هذا التشاكل، يتمكن الشاعر من اختراق الخطابين معاً: القديم والمعاصر، ليس قصد التموقع داخلهما، وإما لبناء شعرية حداثية، متمكنة فعلاً من تأسيس حقيقي، لإقامة فعلية في العالم، وذلك من خلال لغتها الشعرية الخصبة، التي تحمل أصوات الوجود الإنساني الحي المتعددة، كما تعبر عن موقف إبداعي ضمني، يتخلل رؤيا /الأسرار الشاعر ويمنحها فرادتها وحداثتها في الآن نفسه.(37)
ويقوم بومسهولي بدراسة تطبيقية تأويلية على شعره، فيرى أن الرهان الصوفي قد تجسد عند أدونيس في ديوانه الأخير من خلال قصيدتي “البرزخ”، و”في حضن أبجدية ثانية”. العنوان في القصيدة الأولى “برزخ” سليل ومفهوم مركزي في تصور الصوفية للوجود، وعليه بنى نظريته في الخيال، وقد اكتسب هذا المفهوم قدرة تحليلية في كتابات الصوفية، تغري بإعادة بنائه في سياقات متعددة، وهذا ما خبره أدونيس في تسمية ديوانه “البرزخ”.
وبالتأويل يستدعي شعر أدونيس الظاهرة الروحانية، فقد استحضر المتصوفة مثل “النفري”، فحققت القصيدة لديهما ذلك المزيج بين العقل والعاطفة، فتوافر لديه ما لدى هذا الصوفي، فتمّ استدعاؤه في القرن العشرين بلغته الحوارية، ومفاهيمه المتنامية عبر الاستعارة والمجاز وكل ما هو محسوس، وباستهلالته التي تنطوي على الغرابة والدهشة، كما يحتج أدونيس بعباراته التصويرية، فثمة دخول لصوره الرمزية، شعريته، اقتباساته الذائعة في دواوينه.(38)
وهكذا فالشاعر في قصيدة “البرزخ”، يستدعي من لب الخطاب المعاصر إشكالية الأسماء والأشياء، وتحضر أصوات العصر في ثنايا العبارة الشعرية الأدونيسية، لكن تكمن براعة أدونيس في التوصل إلى رؤية جدية، مكنته من الدخول فعلاً إلى مغامرة التسمية، بما هي بحث عن هوية الأشياء التي تقيم في العالم.
القصيدة “البرزخ” مفتاحها الذي يمكن من دخول عتبة الأشياء وأسمائها، ويعبر هذا المفتتح عن علاقة نوعية تكشف عن دور الذات الوظيفي، في التوغل داخل أبعاد تشكل امتداداً حضارياً للوجود، هي الأساطير والحلم والتاريخ.
وهكذا تطبيقياً وبالقراءة التأويلية، يصل الباحث بومسهولي إلى أن أدونيس بدوره مؤولا. وإذا كان أدونيس مؤولاً لتراث النفري الصوفي في عدد من قصائد، كما هو الشأن في قصيدة “في حضن أبجدية ثانية”، فإن في قصيدته الرائعة “البرزخ”، هو قارئ مغامر يقتحم الرؤيا المعاصرة، وينفذ داخل أصواتها ورؤاها الاختلافية، ليكشف التداخل الإجناسي، ودوره في تعميق التجربة الشعرية، التي لا تكتفي فقط بالاستفادة من تلك الأصوات، وإنما لبلورة صوت الشعر، الذي يحفر مادته داخل هذا التشاكل الخطابي، بشرط أن يتوافر على حسن استشرافي، لا يقف عند حدود الخطابات السابقة، وإنما يتجاوزه باعتباره ضمير المستقبل المجهول.(39)
الخاتمة وصفوة القول
ونخلص إلى أن الواقع الآن، وحسب ما اطلعنا عليه من الدراسات العربية المتفرقة، حول إشكالية التأويل في الخطاب النقدي العربي، يكشف أن الاختلاف في استعمال المقابل العربي المناسب والدقيق للمصطلح الغربي، ما زال سائداً مما يبرر أن أمر استقرار المفهوم في الأذهان، لا يزال أيضاً في مرحلة التمثل والتشكل. فلعل حضور إشكالية التأويل في الثقافة العربية بخصوصية إطارها المعرفي والفكري والتاريخي من جهة، وحداثة الاهتمام في الدراسات العربية المعاصرة بنظرية التأويل بكل ما تحمله من مظاهر التعقيد والتشعب من جهة ثانية، وأسهم وبشكل كبير في تحديد المعالم الراهنة للوضع الاصطلاحي للمتصور الغربي، وهي معالم قائمة على المنازعة أو المراوحة بين المرحلتين الأوليتين من مراحل التجريد الاصطلاحي. فأغلب الدراسات النقدية والفكرية، تراوح في استعمالها بين صيغة الدخيل أو المعرب، من خلال استعمال مصطلح الهيرمنوطيقا حسب النطق الإنجليزي، أو مصطلح الهرمنوطيقا حسب النطق الفرنسي.
ومن هنا تعددت التعريفات أو المصطلحات، وتوزعت بين نظرية التأويل وفن التأويل وعلم التأويل وفلسفة التأويل، وهناك مصطلح آخر راج تداوله واستعماله في بعض الدراسات العربية أيضاً، ووجد فيه أصحابه من دلالة التأصيل والفصاحة ما لا يوجد في تلك الصيغ الهجينة والثقيلة من الدخيل. وهذا المصطلح هو التأويلية، وهو مصطلح ينازع في درجة استعمال كثافة الحضور مصطلح الهرمنوطيقيا، بل إنهما يستعملان في كثير من الدراسات جنباً إلى جنب، على سبيل الترادف والاستبدال أحياناً مع ما يوجد بينهما على صعيد العبارة من تنافر بين ما هو أصيل وما هو دخيل.
المصادر والمراجع والهوامش
1 ــ ابن منظور: لسان العرب، مصدر “أول”، الجزء 11، دار صادر بيروت، ص: 32.
2 ــ محمد مفتاح: مجهول البيان، دار توبقال، المغرب ــ 1990، ص: 90 ــ 91.
3 ــ محمد شوقي الزين: الفينومينولوجيا وفن التأويل، مجلة فكر ونقد، المغرب، العدد 16، فبراير ــ 1999، ص: 75، 76.
4 ــ بول ريكور: البلاغة والشعرية والهيرمينوطيقا، ترجمة مصطفى النحال، مجلة فكر ونقد، المغرب، العدد 16، فبراير ــ 1999، ص: 113.
5 ــ سعيد توفيق: مقالات في الظاهراتية وفلسفة التأويل، دار النصر للتوزيع والنشر، مصر ــ 1999، ص: 55.
6 ــ جولد زيهر: مذاهب التفسير الإسلامي، تعريب عبد الحليم النجار، مكتبة الخانجي مصر، ومكتبة المثنى بغداد ــ 1955، ص 127.
7 ــ محمد الكتاني: جدل العقل والنقل في مناهج التفكير الإسلامي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء 1992، ص: 551.
8 ــ نصر حامد أبو زيد: الاتجاه العقلي في التفسير، قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط4 ــ 1998، ص: 180، 189.
9 ــ أبو بكر بن العربي: قانون التأويل، دراسة وتحقيق محمد السليماني، طبعة جدة وبيروت ــ 1986، ص: 49.
10 ــ زينب محمود الخضيري: أثر ابن رشد في فلسفة العصور الوسطى، دار الثقافة للنشر والتوزيع، مصر ــ 1983، ص 127، 128.
11 ــ محمد مفتاح: التلقي والتأويل، مقارنة نسقية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء بيروت، ط2، 2000، ص، 142.
12- F. schleidrmacher: herméneutique, labor et fides. 1987. p:77.
13- Dilthey: le monde l,esprit, l; paris, 1969, p: 150.
14- H.G. Gadamer: la philosophie herméneutique, p. u. f. paris. P: 82.
15 ــ محمد شوقي الزين: الفنوميلوجيا وفن التأويل، مرجع سابق، ص: 79.
16 ــ هانس، ج، غادامير: مدخل إلى أسس فن التأويل، تقديم وترجمة محمد شوقي الزين، مجلة فكر ونقد مرجع سابق، ص: 85.
17 ــ سعيد توفيق، مقالات في الظاهرتية وفلسفة التأويل، ص: 50.
18 ــ سعيد توفيق: الخبرة الجمالية، دراسة في فلسفة الجمال الظاهرتية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ـ 1992، ص 74.
19- P. Ricoeur: le conflit des interpretation. Ed. Seuil 1969. p: 10.
20- Ricoeur: du texte? l,action. Ed. Seuil 1986. p: 170
21 ــ المرجع السابق، ص: 366.
22 ــ حسن بن حسن: النظرية التأويلية عند ريكور، دار تينمل للطباعة والنشر، مراكش ــ 1992 ص: 47.
23 ــ سعيد بنكراد ــ مقدمة كتاب امبريتو إيكو، التأويل بين السيميائيات والتفكيكية. المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، بيروت ــ 2000، ص: 10.
24 ــ امبرتو إيكو: التأويل بين السيميائيات والتفكيكية، ترجمة سعيد بنكراد، ص: 86.
25 ــ نصر حامد أبو زيد: إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط2 ــ 1992، ص: 13.
26 ــ المرجع السابق، ص 13.
27 ــ المرجع السابق، ص: 44، 48.
28 ــ نصر حامد أبو زيد: فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، دار التنوير، بيروت، ط2 ــ 1993، ص 13.
29 ــ سعيد علوش: هرمنوتيك النثر الأدبي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، دار سوشيبريس، الدار البيضاء، ط1 ــ 1985، ص 14.
30 ــ سعيد علوش: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، دار سوسيبريس، الدار البيضاء، ط1 ــ 1985، ص: 224، 225.
31 ــ سعيد علوش: هرمنوتيك النثر الأدبي، مرجع سابق، ص: 56.
32 ــ سعيد علوش: هرمينوتيك النثر الأدبي، ص: 45، 46.
33 ــ مصطفى ناصف، نظرية التأويل، النادي الأدبي الثقافي بجدة، ط1 ــ 2000، ص: 20
34 ــ مصطفى ناصف، المرجع السابق، ص: 178، 179.
35 ـ مصطفى ناصف، المرجع السابق، ص: 202.
36 ــ مصطفى ناصف، المرجع السابق، ص: 228.
37 ــ عبد العزيز بومسهولي: الشعر والتأويل، قراءة في شعر أدونيس، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، بيروت ــ 1998، ص: 12.
38 ــ عبد العزيز بومسهولي: الشعر والتأويل، مرجع سابق، ص: 16.
39 ــ عبد العزيز بومسهولي: الشعر والتأويل، المرجع السابق، ص: 18.
….
المصدر موقع ستار تايمز