أغنية الميلاد/ غادة نبيل

 

أردتُ أن أصعدَ

إلى وجهِك

المتفلق بطمي التاريخ

هناك

حيث جلستَ تحت مصطبة

ملكًا لا يحبه رعاياه

كانت فتاة

ستولد

وستحمل كلَ يوم قربة نبيذ

تصعدُ بها تلّة

ثم ترميها

ستحبني

كما يليق

بمجنونٍ دخلَ غابةً يجري

لأنه تخيل

أنه رأى

ستحتاج لتداخل الموسيقى

نعم

سيحدثُ التداخل

وتتخيلُ مرات

أنك رأيتني

ولن تعود واثقًا

هل أنا فتاتك التي أغمضَ قرينُك

عينَه عليها

في قرنٍ آخر

أم أنك ترى عبر الزمان

فاخترتَ إغريقيةً

مولعة بالياسمين

والجبال

وبينما تجري وراءَ حيرتك

سأواصلُ الجري

لأنى أريدُ أن أهرُبَ

من الموسيقى

التي تصيبُ مخلوقاتِ الغابة بالشلل

 

 

سأفكر

لماذا كل الخطاباتِ الطويلة

قصيرة

قد أسترجع

شكلكَ الذي لم أره

حين كنتَ طفًلا

حينها سأتوقف

لن أنظر ورائي

سأخاف

أن أجدَ البابَ

الذى خرجتُ منه

لن أتحملَ رؤيته مغطى بالشجرِ والعشب

 

كلما أشتاق

لرائحةِ وجهِك كطفل

يفوح منه

زَنَخَ اللبن

سأجري أسرع

وسطَ موسيقى متداخلة

يانّي* وكرماني* وفيروز

سيعزفونَ ويغنونَ بلغاتهم

في نفس الوقت

ستجري ولن تجدني

لأن الغابةَ سوف تكبر

وتكبر

ستعلو أصواتُ مطربينا

تتخللها

أصواتُ النمورِ والدُببة

والثعابينِ النازلة من الشجر

لن نكفَ عن الجري

حتى أثناءَ الليل

سأظلُ أبحثُ وستظلُ تبحث

ولن نتقابل

سأجري

وأنا أضعُ يدي على بطني

كحُبلى فقدتْ جنينَها

بعد أن كانت اختارت اسمه

 

 

أجري كفعلِ الوجودِ الأول

بسوائل مُعتّقة

مُتمناة

شحيحة

مُهدَرة

تتساقطُ من جسدٍ لا يجيدُ سوى التحطم

ألهثُ

وأنتَ تريدُ اللحاق

بوهمِ

أن الفلاحة التى كانت تجمعُ الفراولة

بعد مولدِ ابنك

كانت أنا

 

لهذا سأجري

فاقدةً للعقل

محاصرةً بأصوات أسمعهُا وحدي

كرماني ، فيروز

وألحان يانّي

لأن أنا أيضًا

أريدُ اللحاقَ بموعدٍ تأخر

عدةِ قرون

لا يصحُ أن يفوتني

عند شجرة مباركة

سأتوقفُ عن الجري

ليس قبلها

سأضعُ طفلي

ثم ستصلُ أنت

بعدى بقرونٍ كثيرة

وتجده كما هو

ما زال يرضع

  • فأنا كنتُ أفرغتُ له كلَ حليبِ ثديّ –

لن أكونَ موجودة

لكن أنت أيضًا

لن تعودَ تتذكر

الفلاحة التي كانت تجمعُ الفراولة

 

مع هذا ستحملُ ابننا

وتجري

في نفسِ الغابة

بلا أصوات هذه المرة

عدا بكاءِ الرضيع

وحين تتخيلُ من بعيد

أنكَ رأيتَ شبحًا

ستكونُ أُمّي

قد ظهرتْ لك

عند البابِ الأخير

المعشوشب

وقد فاجأتْها آلامُ المخاض

بجوارها أبي

يقدمُ لها اللوزَ والماء

وأنا أخرجُ بقدمي أوًلا

من بطنِها

أنتَ الآن أبٌ

معكَ الرضيعةُ التي ستصبحُ زوجتَك

وابنها منك

دونَ أن تكونَ ارتكبتَ

أى إثم

تترنمُ بلغةٍ لا يفهمُها أحد

وقد فاتكَ البكاء

بعد أن طفتَ

بمدنِ العشقِ السبع

فلم تجدْ غيرَ البُكْم

 

 

بعد نهايةِ الجنون

سينتبهُ الجميع

إلى عدمِ توقفِ الموسيقى

ستفتحُ الباب

تاركًا أُمّي وأبي في الغابة

وحين تبزغُ جبال

ستصعدها حامًلا كلينا

أنا وابنكَ مني

ستُطعِمُني التوتَ البري

فأنا لا لبنَ لي

وعلى أعلى قمةٍ ثلجية ذاتِ شمس

في الهيمالايا

ستضعُني على يد

وابننا على يد

بينما تمدُ بصرك

بوجهِكَ المتفلقِ بــ ” طِيبة ” القديمة

إلى سماء

بها نَجْمٌ واحد

تجلسُ

بأسى الكُهّانِ

المتقاعدين

تَعُدُ أسبابَ فرحك

بصوتين وليدين ،

بوهمكَ المزدوج :

صوتِ حبيبةِ المستقبل

واَبنِكَ منها – بعد بلوغها

 

 

وأنت تجلس

سيكونُ شَعرُك

قد ابيضّ وطال حتى قدميك

وستكونُ الخيمة

التي قمتَ بتثبيتها ليلًا

قد طارتْ

ستأتي الأم

سيأتي الأب

سيحكيان بعد أن يعمَ الوجودَ النور

عن الشيطان

والملائكة والماء

سيقُصّان على العابرين

كيف خطفَ

رجلٌ من الغيوم

وليدتهما

ورضيعًا آخر وصعد بهما

على قمةٍ قريبة من السحاب

ولما حلَ الليل

انشقتْ السماء

وكانت أصوات كرماني وفيروز تغطي الكون .

________________________________

* يانّي عازف وملحن يوناني معاصر . سعيد كرماني مطرب إيراني شاب

القاهرة يناير 2013

تعليق واحد

  1. الشاعرة التي تبدع في صور شعرية متنوعة وتحيك لنا نصوصا عالية تشبه أحزاننا ”
    تجلسُ

    بأسى الكُهّانِ

    المتقاعدين

    تَعُدُ أسبابَ فرحك” والله لا نتجاوز الصفر إذا اعتبرناه رقما . شكرا غادة الشاعرة المبدعة