أصدقاءُ الليلِ/ أشرف الجمال

.
.
أودِّعُ قصائدي على الجِسْرِ
وهُم يحملونها في النعوش إلى المدافن
لا أحزنُ
هكذا حالُ الدُنيا
لكنني أتذكر كَمْ مِيلًا قَطَعَتْهُ في روحي قبل أن تَصِلَ إلى هنا
كَم هَجْرًا بين السماء والأرض عانيتُ وأنا أُربّي دخانها في رئتي
كَم امرأةً من صلصالٍ شكَّلتُها وحطَّمتُها باكيًا – آخر الليل –
وأنا أتلو نهديها المضيئين على مسامعها
كسُفنٍ غارقة تحت قمرٍ يلعق ما تبقى لها من حنين
تارةً كَدُبٍّ أعمى يسرق الأشجار من حدائق طفولتي
وتارةً كقنفذ يتوارى في جُحْرٍ عميقٍ شيّدتُه في نحيبِ رَبابةٍ
لا أثق في مواجهة الحزن الضرير إثر مرور ظِلِّ حبيبتي بين سطورها
لكنني أحاول أن أفكر في الليالي الممطرة وأنا واقفٌ على رصيف قلبها
في الطفل الذي يخرج من البحر يُقبّلُ عينيّ ثم يختفي
أفكر فيما وراء جسدي من مُدنٍ مُمِلَّحةٍ تهرب في البخور والصنوبر
أخطط لتحويل حجرتي لفكرة , وعظامي لكروانٍ يصيحُ خلف الضباب
أمنحُ مشربيةً بعيدةً وثيقةَ يُتْمٍ لتكونَ صورةً طِبْقَ الأصلِ من جارتنا المسيحية
التي يضربها زوجها الحشّاشُ كل ليلةٍ
تلك التي لا يكفُّ حُزن وجنتيها عن النحيب في زهور نافذتي
ولا تكفُّ سُرّتُها النُحاسيةُ عن غوايةِ شمعدانتي الباهتة بحكاياتها القديمة
كم مرةٍ طَرَقَتْ بيتي ليلاً
وكم مرةٍ وَجَدَتْ الجثةَ معلقةً إلى السقف
تتأرجح يميناً ويسارا
هذا الصغيرُ الذي تحمله في بطنها
ليس ابني / لكنها ستنسبه إليّ
الموتى لا ينتفضون من كتب التاريخ مهما كان الغبار كثيفًا وخانقًا
لا يقفزون من بطون المخطوطات المُزيّفةِ ليدافعوا عن هزائمهم
لا يمكنهم أن يحتجُّوا
لكنهم أصدقاءُ الليلِ
يطوفون بقواربهم الشراعيةِ عَبْرَ الماء ليصلوا إلى أحلامنا المنسية
يمكنهم أن يفجِّرُوا مؤتمرا شعريا بقنبلة يدوية بعد إخراج جميع الأطفال من القاعة
ثم يشربوا البُوظةَ في خمّارةٍ نائية / كأنهم لم يقترفوا جريمةً
هنا تكون الحياة فكرة مهادنة .. مُجرد شيءٍ كَكُلِّ الأشياء
يمكن أن تخسره وتعوّضه / يمكن أن تعيش بدونه
ليس هناك أشدُّ حماقةً من أن تحلم بالأشياء التي لا يمكن امتلاكها
أن تراودَ شجرةً عن ظِلِّكَ العابر
أن تبحث عن خريطةٍ لرُوحِكَ في قُبلةِ مُومسٍ
تلك ساعةٌ مناسبةٌ لنسيان ما مَضَى
ودَفْعِ عربةِ كارو قديمةٍ – على ظهرها أطفالٌ وأرانبُ
وعجائزُ يُنشِدْنَ أغاني الأعراس القروية –
عَبْرَ هذا الطريق الجبلي الحنون
في زيارةٍ مُشْمِسَةٍ للقبور .
مرتبط
2023-05-27